بيروت - اليمن اليوم
صوّرت أمل بوشوشة شخصية «جولي» في «داون تاون» قبل شخصية «هند» الثقيلة في «على صفيح ساخن». خبطت الأرض بقدمها في رمضان الفائت، وبلغت درجات الفرادة الدرامية، بكاراكتير «هند الحجّار»، المتشظّية - المتمرّدة. يعرض تلفزيون «جوّي» حالياً مسلسل «داون تاون»، حيث تطلّ بدور مجبول بالمزاجية. انتهازية، متلوّنة، «ضحية» ماضيها. لا يمكن الاطمئنان إليها أو الثقة بها. ابتسامة أفعى، ونظرات ذئب. بوشوشة تلعب بالشخصيات كما يلعب طفل بمعجونة. تقلّبها وتدعكها، وتعيد تشكيلها. تقبض عليها وتتحكّم بها. تلتقيها «الشرق الأوسط» لقراءة النجاح وفكّ أسراره. تستعيد البدايات، وجملة جمال سليمان التي هزّتها. منذ الخطوات الأولى وهي تدرك وعورة الدرب، فمشت ووصلت. فنانة ناضجة، لا يغريها الاستسهال ولا تستميلها القوالب الجاهزة. الحوار معها متعة.
مستفزّة «جولي»، تشاء لو تقرصها وتفرك أذنها! وهي أيضاً متألّمة من كذبة الأب وخيبة العلاقة مع الرجل. نسأل أمل بوشوشة: أيمكن القول إنّ الاستفزاز هو شرطكِ للقبول بالشخصية؟ أتفضّلين كاراكتيرات ترقّصكِ على الشكر بكر؟ تُيقظ الرواسب الشريرة؟ «لستُ غارقة في أدوار الشرّ، وليس شرطاً أن تكون الشخصية مستفزّة لأمثّلها». تحسم وتُكمل: «الشرط هو أن تكون جديدة، لم أقدّمها من قبل». تلمح في «جولي» استفزازاً يتعلّق مباشرة بسلوكها ولغة جسدها، وإن تعمّدت تلطيفها بنكهة كوميدية. تتقصّد تحييد «هند» عن هذه «التهمة». تحلو المقارنة، وهي ورطة لا مفرّ منها: «هند ثقيلة. أنهكتني. حواراتها صعبة. مسارها في صعودٍ متواصل. جولي متقلّبة، (طالعة نازلة)، حواراتها أقل صعوبة. إن لم يكن الدور مستفزّاً، أحركش في أعماقه لإظهاره على حقيقته. المهم دائماً هي الروح في الشخصية».ولا مبالغة في وصفها بـ«فنانة اللهجات»، تتقن السورية واللبنانية، ولغة الأم: الجزائرية، من دون افتعال أو ارتباك، فما السرّ؟ وأي انتشار وتنوّع تحصده من حقل اللهجات العربية؟ تحمدُ الله، وتكشف: «أجتهد. صقل الذات هو السرّ». قرّرت منذ البداية ألا تكذب على المُتابع. يحرّكها الشغف، «بسببه تركتُ كلّ شيء خلفي، حتى الغناء، وانطلقتُ في التمثيل. أشعر بالانتماء إلى هذا المجال». لم تعتقد يوماً أنّ الأمور «فتِّحْ عين وغمِّضْ عين». هي مسار. تُخبرنا أنّه حين قدّمت «ذاكرة الجسد» بالعربية الفصحى، استفزّها جمال سليمان: «لديكِ موهبة، لكن اللهجة قد تصعّب الطريق». رنّت الجملة في بالها، وخاضت التحدّي: «سأصل». طوّرت نفسها وتقبّلت النقد. النتيجة؟ «فنانة عربية خارج الهوية. فنانة الهويات».
لكنّها تؤكّد: «أفتخر بالجزائر. وثق الجمهور بي منذ انطلاقتي كطالبة جزائرية في برنامج هواة. ثم طرحتُ نفسي في الدراما العربية. وضعتُ هدف الوصول إلى الجميع، من دون جدران الجنسيات واللهجات. أردتُ القول: وسامي وافتخاري جزائري، لكنّي أيضاً ممثلة عربية». والجمهور يحبّكِ في الجزائر والمشرق العربي، أمانة تقتضي الاعتراف بها، فتُعقّب: «محبتهم بحجم كنز».
فلنضع النقاط على الحروف، إن كانت أمل بوشوشة نجمة الجزائر الأولى، فأين موقعها في لبنان وسوريا؟ «لا أركض خلف المراتب. حتى النمبر وان (الرقم واحد) قد تتراجع مرتبته. أردتُ صناعة اسم خارج التصنيف بالمفهوم الضيّق. وصلتُ بإصراري، خصوصاً أنّني أعمل خارج وطني، والجميع يدرك الحسابات المتحكّمة بالسوق والمتعلّقة بالجنسيات». ما رأيكِ لو نعود إلى «جولي»؟ توافق. هذه الشخصية معقّدة نفسياً، وصولية، عينها في الأخضر واليابس. أي صعوبات واجهتكِ في أدائها؟ تكشف اللعبة: «أمسكتُ طرف الخيط و(كرجت)»؛ أي انجرفتْ وانسابتْ. كانت كلّما أنهت تصوير مَشاهد في شخصية «هند» ضمن مسلسل «على صفيح ساخن» (كتابة علي وجيه ويامن حجلي، إخراج سيف سبيعي)، شعرتْ بانقطاع أنفاسها. «أول مشوار لي من الشام إلى بيروت، هدّني التعب. بدوتُ مُرهقة». أتطلّبت وقتاً للخروج منكِ؟ «لا، أجيدُ الدوزنة». تُشبّه التمثيل بالعملية الحسابية: «أمام الكاميرا، أنا الشخصية، وفي المنزل أنا أمل». كلّ شأنٍ له شأن.
غرّدت عن العمل كفريق حين يقود إلى نجاح المسلسل، لا نجاح الشخص أو البطل. أيعني ذلك أنّ زمن البطولة المطلقة ولّى؟ وأين الشقاء بالضبط، في حمْل المسلسل على أكتاف بطليه، أم في تشارُك الأحمال ضمن البطولة الجماعية، فلا يعود الإخفاق، في حال وقع، مسؤولية نجم بذاته؟ ترمي أمل بوشوشة الكرة في ملعب الجمهور: «هو الحكم. كم من أعمال بطلها نجمان راهنا عليها فلم تنجح، وكم من أعمال أبطالها نجوم نجحت وانتشرت. يصحّ العكس». بالنسبة إليها، تحبّذ الاثنين. قدّمتْ «دولار» مع عادل كرم، ضمن بطولة مطلقة؛ و«على صفيح ساخن» الرمضاني، واليوم «داون تاون» ضمن بطولة جماعية. «الإضافة هي الأهم. أن أضيف للعمل ويضيف إليّ. وأن أوصله ويوصلني». أتخشين الفشل؟ تجيب بأنّ قلبها قوي، «وقد أفشل لأتعلّم وأنهض». النهوض يصنع الإنسان.
تقول «جولي» في «داون تاون»، وهو من تأليف كلود أبي حيدر، سيناريو وحوار محمود إدريس، وإخراج زهير قنوع: «ما بحب الأشياء السهلة»، فنسأل بوشوشة عن السهل والصعب اليوم في خياراتها الفنية. كيف يتغيّر شكل المعايير مع النضج والخبرة؟ تجيب أنّها منذ بداياتها لا تعرّض النفس لدعسات ناقصة: «يمكن أن أقول لا وأنا في أمسّ الحاجة إلى النَعم. استطعتُ خلال حياتي أخذ الكثير من القرارات الصائبة. لقد تزوّجت وأنجبت، ثم عدتُ إلى العمل. أمثّل بشغف، لا لإثبات وجودي. لم أرَ الفن يوماً مسألة تجارية، ولم ألهث خلف دور. صحيح أنّ النجاح يصعّب الخيارات، لكنّني منذ البداية واضحة». يرافقها إحساسٌ بـ«الحياء»، ممتدّ من مرحلة الطفولة، وحرصٌ على صون حياتها الشخصية. مَن يتابع أمل بوشوشة في «السوشيال ميديا»، يتأكّد أنّها تدير حساباتها بذكاء. تعطي جمهورها ما يُهدّئ بعض الفضول، وتحتفظ بالباقي لنفسها. تساءلتْ: «ماذا أريد من وسائل التواصل؟ هل أنا فاشينيستا؟ هل أنا مدوّنة؟ لا، أنا ممثلة. إذن، المبالغة مضرّة».
تستريح حالياً، قبل الاستعداد للمرحلة المقبلة. «شوية وقت لنفسي». لم تكتمل بعد ملامح أدوارها الآتية، ولم تحسم أمراً. نسألها عن حقيقة التحضير لجزء ثانٍ من «على صفيح ساخن» لرمضان 2022. تجيب بالنفي: «لم أتبلغ».
متزوّجة من لبناني، ابنتها لبنانية جزائرية، وتعيش في لبنان النازف بلا التئام. «بزعل» (أحزن)، تجيب رداً على أحواله. «كان منارة الشرق، انطلقتُ منه، احتواني وأعطاني الشهرة». أنتِ جزء من هذه الأرض المحترقة، فكيف تتجنّبين نارها؟ نسألها، فتُصحح: «بل جزء لا يتجزأ. أتشارك الوجع مع الجميع ومعاً ننتظر الفرج. لا خلاص لأحد إن غرق المركب».
قد يهمك ايضـــًا :
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر