يبذل الخمسيني عبد الحميد الفقيه، جهداً شاقاً منذ نزوحه من مدينة الحديدة (غرب اليمن) إلى صنعاء (شمالاً) قبل نحو عامين، بسبب الحرب التي اجتاحت الساحل الغربي للدولة، لتوفير أدنى متطلبات الحياة المعيشية، إذ يعيل أسرة مكونة من سبعة أفراد، بينما اضطر بعض أبنائه إلى ترك مدارسهم لمساعدة والدهم في توفير لقمة العيش، في ظل وضع معيشي صعب، لم يعد باستطاعة ملايين اليمنيين تحمله مع دخول الحرب عامها الخامس.
لا حلم للفقيه، الذي اضطر إلى العمل في ورشة ميكانيكية بعد نزوحه، سوى توفير طعام أسرته، إذ بالكاد يعيشون على وجبتين في اليوم، كما يقول لـ”العربي الجديد”، لأن ما يحصلون عليه يغطي إيجار السكن الباهظ، الذي يأخذ نصف الدخل، والنصف الآخر بالكاد يفي بعض الاحتياجات الغذائية الضرورية، في ظل ما يشهده اليمن من ارتفاع كبير في أسعار السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية.
ولا يختلف الحال كثيراً لدى جمال الوافي، الموظف في وزارة الزراعة والري، الذي أدى توقف راتبه منذ سبتمبر/ أيلول 2016، إلى تراكم الأزمات المعيشية التي يواجهها.
هذا حال ملايين اليمنيين في العام الجديد 2020، إذ أصبح كل همهم استعادة وجبتهم الثالثة، التي فقدوها بسبب الحرب بين الحوثيين والحكومة الشرعية، وتوقف الرواتب في القطاع العام وفقدان الأعمال في القطاع الخاص.
ويشير تقرير صادر عن الأمم المتحدة إلى معاناة نحو 17 مليون نسمة من انعدام الأمن الغذائي والجوع وعدم القدرة على توفير الوجبات اليومية، حيث يعيش نصف سكان اليمن، على وجبتين فقط في اليوم.
ويهدد انعدام الأمن الغذائي المتسارع حياة ما يقرب من 20 مليون شخص، فيما قال برنامج الغذاء العالمي في تقرير حديث، إن المساعدات الغذائية حالت حتى الآن دون حدوث مجاعة واسعة في البلاد.
ومع إطالة أمد الحرب وتفاقم الأزمات المعيشية، وصلت قدرة المواطنين اليمنيين على الصمود إلى منتهاها مع غياب مصدر ثابت للدخل لمعظمهم، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وندرة فرص العمل.
وتطاول الأزمات المعيشية مختلف مناطق اليمن، سواء الخاضعة لسيطرة الحوثيين أو الحكومة الشرعية، حيث يشكو محمود عادل، وهو من سكان مدينة عدن التي اتخذت منها الحكومة عاصمة مؤقتة (جنوب)، معاناةً تتوسع من يوم لآخر، وليس من عام لآخر، في ظل الوضع الراهن، وعجزه عن الإيفاء بمتطلبات الحياة المعيشية وتكاليف تعليم أولاده وغيرها من الالتزامات الأخرى، وسط تخوف كبير من تفاقم الوضع الحالي.
ويقول محمود لـ”العربي الجديد”، إن حياة الناس انقلبت رأساً على عقب، وازدادت الأوضاع صعوبة، سواء المعيشية أو الأمنية وغياب الخدمات الأساسية.
وفي مدينة تعز جنوب صنعاء، يقول أحمد الدبعي إنه اضطر إلى غلق مشغل الخياطة الذي يديره مؤقتاً، لعدم قدرته على توفير متطلبات المشغل والمصاريف اليومية له ولعماله، والأهم عجزه عن دفع إيجار المحل.
ويوضح الدبعي أن مختلف الأعمال والمهن في تعز تمرّ بمرحلة صعبة وتراجع طبيعي، نظراً لانخراط المواطنين بفترة تقشف واسعة ومحدودية السيولة المالية في الأسواق والأزمة الاقتصادية التي يمر بها اليمن نتيجة الحرب.
ويؤكد خبراء أن الوضع الاقتصادي والمعيشي الراهن في اليمن صعب ويزداد تعقيداً من عام لآخر، مع استمرار الصراع الدائر الذي انزلق إلى مستويات خطيرة تمسّ حياة الناس المعيشية.
ويقول إبراهيم نعمان، خبير اقتصادي، إن “التحالف العربي، الذي تقوده السعودية يتعمد منذ بداية الحرب إذلال الشعب اليمني وربطه بفتات المساعدات والتحكم بلقمة العيش لملايين من اليمنيين الذين فقدوا أعمالهم وفرصهم في الحياة”.
ويضيف نعمان في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “لقمة العيش أصبحت ورقة رئيسية في الصراع الدائر، وباتت كل الأطراف تستهدف المواطن وترهقه بالأزمات المعيشية التي لا تتوقف وترحل مع الناس من عام لآخر”.
ويقول فؤاد النقيب، الخبير الاقتصادي، إن “ملايين اليمنيين يتطلعون إلى استعادة وجباتهم كاملة، وهذا أقصى ما يطمحون إليه في ظل الحرب المستمرة التي يأملون توقفها نهائياً ومعالجة الأزمات الاقتصادية التي خلفتها، من انقطاع الرواتب وتضرر الأعمال”.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر