آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

"المدرسة العمرية" في العاصمة السورية تاريخٌ زاهر وواقعٌ مرير

اليمن اليوم-

اليمن اليوم- "المدرسة العمرية" في العاصمة السورية تاريخٌ زاهر وواقعٌ مرير

المدرسة العمرية في العاصمة السورية
دمشق - اليمن اليوم

المدرسة مؤسسة شاملة يتلقى فيها الناشئة التربية والتوجيه والتعليم في المجالات كافة، يحدِّد المجتمع أهدافها ومعالمها، وترمي إلى إكساب الطالب كماً من المعارف والمهارات والاتجاهات والقيم، وتطوَّرت بمرور الزمن حتى باتت اليوم نظاماً متكاملاً يضمُّ مجموعة من العناصر المادية، كالبناء المدرسي والتجهيزات والتقنيات اللازمة وغيرها، والعناصر البشرية كالطلبة والمعلمين والإداريين. هذا المفهوم العام للمدرسة كان موجوداً في الحضارة العربية الإسلامية، ولكنه كان من مهام المساجد وبيوت العلماء، التي انتشرت في كلِّ الأصقاع والبلدان ومنها دمشق، التي يحفل تاريخها بظهور عشرات المدارس، ومنها المدرسة العمرية التي أستعرض تاريخها في هذه المقالة، وصولاً إلى وضعها الراهن، راجياً أن يتذكر كرام القارئات والقراء ما نسوه، وأن يتعرفوا على ما لا يعرفونه.

في سنة 551 هـ، 1157 م وصلت أول قافلة مهاجرة من بيت المقدس إلى دمشق، هرباً من جور الفرنجة وحكمهم، يرأسها كبير قرية جمَّاعيل وفقيهها الشيخ أحمد بن قدامة المقدسي، ثم تتابعت هجراتهم، وبلغ عددهم المئات، نزلوا قرب دمشق أولاً في موقعٍ غير صحي، ومات عددٌ منهم، فانتقلوا إلى سفح جبل قاسيون غير بعيدٍ من مدينة دمشق على مقربةٍ من نهر يزيد، وبنوا لهم داراً ضمت عدداً كبيراً من الحجرات دعيت بـ: «دير الحنابلة»، ثم شرعوا في بناء أول مدرسةٍ في الجبل عُرِفت بـ: «المدرسة العمرية»، وتتابع البناء حولها، وساعد في ذلك السلطان الصالح نور الدين محمود بن زنكي، ثم الملوك الأيوبيون من بعده وخواتينهم (زوجاتهم)، فبنوا عدة مدارس ومساجد، وانقلب الجبل إلى ضاحيةٍ مزدهرة بالعلم والعمران، ناضرةٌ بالقصور والأشجار والأزهار، ودعيت بـ: «الصالحية» نسبة لأولئك المقادسة الذين عرفوا لعلمهم وتقواهم بالصالحين.

تقع المدرسة العمرية على سفح جبل قاسيون، في وسط حيِّ الصالحية شمال غرب مدينة دمشق، وتبعد عن مركزها نحو أربعة كيلومترات، بين مسجدي «الشيخ محيي الدين ابن عربي» و«الشيخ عبد الغني النابلسي»، في منعطفٍ ضيِّق يسمَّى دخلة العمرية، عند الموقف الأخير لحافلات خط مواصلات (شيخ- ميدان). وكما عُرِفت بـ: «العمرية» نسبةً إلى أبي عمر، فقد قيل عنها إنها: «المدرسة الشيخية» نسبةً إلى شيخ الإسلام أبي عمر، وهي أيضاً المدرسة الشيخة لأنَّها شيخة المدارس.

أنشأ المدرسة العمرية عام 557 هـ، 1162 م الشيخ أبو عمر محمد بن أحمد بن المقدسي الصالحي، (528 – 607 هـ، 1134 – 1211 م)، ونُسبت إليه، دُرِّسَ فيها القرآن والفقه، وتوالى عليها عددٌ كبيرٌ من المدرسين والخطباء، وفضلها لا يمكن حصره، وما ذُكِرَ من وصفها وفضائلها وبركتها وبركة النازلين فيها لا يفي بحقها، ففيها تخرَّج الآلاف من الفقهاء والقراء والمحدِّثين، وضمَّت في غرفها نحو ألف طالبٍ في وقتٍ واحد، وكان مدرسوها وشيوخها من أعاظم الشيوخ، وما من حنبلي في دمشق أو فلسطين إلا وأخذ منها علماً وافراً، حتى كانت الرحلة إليها من الأقطار الإسلامية شرقاً وغرباً مما يتنافس فيه المتنافسون، وفيها كانت حلقات العلم بكلِّ جانبٍ من جنباتها، وفيها أُلِّفَت المؤلفات الكثيرة والكبيرة، ثم انتشرت في العالم الإسلامي. وإذا كان واقفها أراد لها أن تكون خاصة لتعليم القرآن، والفقه الحنبلي، ومضت كذلك أكثر من قرنين على هذا النهج، إلا أنها صارت بعد ذلك جامعةً لكلِّ المذاهب الأربعة.

وهي المدرسة الجامعة لكلِّ التخصصات في العلوم الإسلامية والعربية، فيها يتدرَّج الطالب المبتدئ في تلقي العلوم حتى يصل إلى مرتبة الشيوخ الكبار، وفيها قسمٌ لتعليم المكفوفين، وقسمٌ لعامة الناس لتعليمهم قراءة القرآن وتلاوته، وكانت تلاوة القرآن مستمرة فيها ليل نهار من دون انقطاع. وقد أوقف المحسنون الأوقاف اللازمة لها، لكي تفي بمتطلبات مناهجها في التعليم، وكانت من الكثرة بحيث لا يمكن حصرها ولا طرائق صرفها، ولم تكن تخلو سنة إلا ويحدث فيها وقفٌ جديد لتحقيق غايةٍ علمية معينة، فهي أشبه بجامعة تضمُّ كلياتٍ عدة لمختلف فئات الطلبة وطبقاتهم ومستوياتهم. وكان الطالب لا يُقبل فيها إلا إذا تمتع بالسلوك الحسن والأدب والتقوى، ومن أموال الوقف كان يُخصَّص له متطلبات معيشته ودراسته. وكان لها مكتبة خاصة عامرة بآلاف الكتب في كلِّ العلوم التي كانت معروفة في ذاك الوقت.

تألفت العمرية أولاً من مسجدٍ وعشر غرف (خلاوي)، زاد عليها بعض الواقفين وبُنِيت غرفٌ جديدة، وما زالت تكبر حتى بلغ عدد غرفها 360 خلوة كبيرة وصغيرة. غير أن إيراداتها أخذت تقلُّ شيئاً فشيئاً بسبب التسلط على أوقافها، فقلَّ الإصلاح فيها والاعتناء بأحوالها، حتى صارت في بداية القرن الرابع عشر الهجري 110 غرف، وعند منتصف القرن المذكور تهدمت حيطانها وغرفها العلوية، وسطا جيرانها فاقتطعوا أقساماً منها، كما أُخِذَ جزءٌ منها لتوسعة الطريق الذي يمر بشرقها، فقلَّ بذلك عدد غرفها.

وممَّا جاء في وصف المدرسة عام 1359 هـ، 1940 م: «ما إن يدخل الإنسان اليوم إلى المدرسة من بابها الغربي المبني من الحجارة الصفراء الكبيرة، فيرى أول ما يرى مدخلاً ضيِّقاً فيه بئر ماء، وإلى يمين هذه البئر سلم حجري له اثنتا عشرة درجة يصعد به إلى سطح الطابق الثاني الغربي، وليس في هذا السطح من أثر إلا أطلال بعض الغرف، وكذلك الحال في السطح الشمالي الأوسط والأعلى، حيث كانت تقوم مقبرة المدرسة، ولكن لم يبق فيها سوى قبرين دارسين.

وإلى يسار الداخل من الباب قرب البئر، يقوم مسجد المدرسة، وله ثلاثة شبابيك، اثنان منهما بينهما المحراب، والثالث يطلُّ على دخلة العمرية، وقد سقط سقف المسجد، وأرضه مغطَّى بالحجارة والصفيح والأشواك وغيرها».

هذا الوصف للمدرسة العمرية، أقدم مدرسة في الصالحية، أعظم مدرسة في دمشق قديماً، التي لا تزال تحتفظ بهيئتها في الطابق الأرضي، وتهدمت بقية طوابقها، ولا يزال جدارها القبلي الحجري قائماً، ولها بابان أحدهما في غربها وفيه الباب الرئيسي، والثاني في شرقها وفيه بابُ صغير كان يوصل إلى أقسامها الشرقية، أما الطابق تحت الأرض فقد ذهب به شارعٌ الجديد، قد دفع بعض الأهالي لترميمها، ففي عام 1945 جمع النائب الدمشقي فخري البارودي 6500 ليرة سورية من أهل الخير، ورمم اثنتين وعشرين غرفة جعلها صالحةً للسكن. ولكنَّ تراجعها لم يتوقَّف حتى وصلت إلى الحال المرير الذي هي عليه اليوم: باحةٌ ترتع فيها القوارض والزواحف، وسماءٌ تطير فيها الحشرات والطيور، وجنباتٌ تغطيها أعشابٌ يابسة، وأحسن ما يُقال عنها إنها أطلالٌ دارسة وآثارٌ باقية وسط منطقة مأهولة بالسكان.

قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ : 

باحثون يقيمون ندوة "قيمة الكتاب في الحضارة الإسلامية"

مقتل اربعة ارهابيين من تنظيم أنصار بيت المقدس بسيناء

alyementoday
alyementoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المدرسة العمرية في العاصمة السورية تاريخٌ زاهر وواقعٌ مرير المدرسة العمرية في العاصمة السورية تاريخٌ زاهر وواقعٌ مرير



إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 19:40 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 16:26 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 21:46 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

تزداد الحظوظ لذلك توقّع بعض الأرباح المالية

GMT 22:16 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 05:53 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

اتجاهات موضة الديكور في غرف الطعام هذا العام

GMT 06:16 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

ضغوط مختلفة تؤثر على معنوياتك أو حماستك

GMT 17:30 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 21:15 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الأيام الأولى من الشهر

GMT 22:55 2019 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:05 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 17:17 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 16:11 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برجفي كانون الأول 2019

GMT 15:05 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الخطيب يعلن نيته تحصين الأهلي من سيطرة رجال الأعمال

GMT 13:20 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مليشيا الحوثي تقصف عشوائيا قرى مريس بالضالع

GMT 19:02 2016 الخميس ,17 آذار/ مارس

النني .. مدفعجي أرسنال الجديد

GMT 19:20 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

اخبار جيدة ورابحة في هذا الشهر

GMT 14:29 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

"مرسيدس" تطلق النموذج الجديد كليا من "GL"

GMT 14:17 2016 الإثنين ,21 آذار/ مارس

الفساد .. بحر أم مطر؟

GMT 02:35 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

هواتف أيفون 2018 ستأتي بأسعار أعلى من المتوقع

GMT 18:15 2016 السبت ,09 إبريل / نيسان

خادم الحرمين الشريفين يزور جامع الأزهر

GMT 16:19 2018 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

تويوتا وبيجو يفسخان عقدهما لإنتاج السيارات الصغيرة
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen