أوضح الدكتور عمرو خالد، الداعية الإسلامي، أن المسلمين عاشوا عامًا عصيبًا بعد غزوة "أُحد"، فقد أصبحت المدينة وخيراتها مطمعًا للقبائل العربية، والتي بدأت التفكير في الإغارة عليها ومهاجمتها، وقتل نحو 80 صحابيًا من قبائل مختلفة نتيجة الغدر والخيانة، وأضاف في الحلقة العاشرة من برنامجه الرمضاني "السيرة حياة": "كان يمكن للمسلمين أن يعانوا من عقدة الاضطهاد، أو المظلومية، وهو تصور يغلب على ظن الإنسان يجعله ينظر إلى نفسه على أنه ضحية ومن ثم يمتلئ قلبه غل وحقد وكراهية يقوده إلى التشدد والعنف والقتل".
واستدرك خالد "لكن المسلمين لم ينظروا إلى أنفسهم تلك النظرة، لم تتلبسهم تلك الروح، ولم يهيمن عليهم ذلك الشعور أن الإسلام يتعرض للظلم، والحياة كلها ظلم، والعالم ضد الإسلام، وبالتالي الإسلام ضد العالم"، موضحًا أن هذا لا ينفي بطبيعة الحال أن هناك ظلمًا ومؤامرات في الحياة، لكن الحل ليس المظلومية، لأن المظلومية رأس كل تشدد وعنف.
واعتبر خالد أن "هذه أزمة التيارات الدينية التي تعيش عقدة المظلومية، وتروج للقتل والعنف، كما يعيش الشباب غير المتدين بنفس الفكرة: أنا لست بناجح، فيروح لليأس والإحباط"، لكنه قال إن "النبي لم يرب في الصحابة عقدة المظلومية أبدًا، لأنها ستزرع فيهم الحقد والغل والعنف، بل ربى فيهم الفاعلية الرحيمة، رحمة وعدل وخير للناس وانجح لتوقف كيد الأعداء".
وروى الداعية أنه "بعد هزيمة المسلمين في "أحد"، ذهبت قبيلة بني لحيان للنبي تطلب منه إرسال 10 من أفضل أصحابه يعلمونهم القرآن، كان على رأسهم عاصِم بن ثابت الأنصاري، ومن بينهم زيد بن الدَّثِنَّة، وخُبَيب بن عدي، فتَبِعهم نحو مئة وحاصروهم"، وذكر أنه "على الرغم من مقتل عشرة من كبار الصحابة غدرًا، إلا أن النبي كان يربي أصحابة على أفكار بعيدة عن "المظلومية"، كانت أحاديثه عن عدم الغل: "ليس المؤمن باللعان ولا الطعان ولا الفاحش والبذيء"، وكان يصلي بالمسلمين بسورة يوسف، وما فيها من دروس وعظات".
وأشار خالد إلى أن "هذا ليس دليلًا على عدم اهتمام أو اكتراث بما حدث، لكنه تهذيب للنفس من الغل المؤدي للحقد المؤدي للعنف"، لافتًا إلى أنه "كان رد فعل المسلمين على مقتل الصحابة من حفظة القرآن، إنشاء أول جمعية خيرية بالمدينة للقراء تضم 70 من شباب الصحابة".
وأردف خالد "لكن الغدر والمؤامرات مستمرة، حصلت مأساة أخرى أشد، "بئر معونة"، بعث إليهم النبي بسبعين رجلًا من الأنصار هم القراء، من بينهم حرام بن ملحان الذي طعن برمح، وهو يقول: "الله أكبر فزت ورب الكعبة". تألم النبي، وأخذ يدعو ويقنت في صلاته، لكنه لم يرد أبدًا الصحابة أن يعيشوا عقدة الاضطهاد والمظلومية"، وقال إنه "في ذات التوقيت، شهدت المدينة قصة عجيبة في منتهى الرحمة تعكس نفسية العدل وعدم الغل، فالنبي لم يحرم مواطنًا من حقه في العدالة، وعلى الرغم مما تعرض له المسلمون من غدر، إلا أن الرحمة لم تنقطع".
وأضاف خالد "كان هناك شخصًا اسمه رفاعة بن النعمان اتهم أحد الأشخاص من الخزرج، واسمه بشير بسرقة درعه، فاغتم النبي والصحابة كلهم لذلك، لأنه المتهم مسلم، فاليهود والكفار والمنافقون سيشمتون في المسلمين، كما أن الصراع يمكن أن يشتعل مجددًا بين الأوس والخزرج"، وذكر أن "النبي صعد المنبر ودافع عن بشير وبرأه، نزل جبريل من السماء، قبل الفجر وقرأ عليه من سورة النساء "إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا * وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا".
وأبرز خالد أن "النبي تعامل بطريقة الفاعلية الرحيمة، فعمل على تكثيف الأمن حتى يقل الغدر والمظلومية، على العكس من المتطرفين الذين يلجأون إلى مزيد من الصراع"، ومما لاحظه أنه "وقعت 3 غزوات، لم يندلع فيها القتال ضد من غدروا بالصحابة، وهي: غزوة ذي قرد وبني لحيان، فروا إلى الجبال ولم يحدث قتال، وغزوة ذات الرقاع إلى بئر معونة فروا أيضًا ولم تنته بقتال".
وعلق خالد قائلًا "قد يتصور البعض أن هذا من أجل الثأر والانتقام، لكن هذا غير صحيح بدليل أنهم عندما فروا للجبال لم يتبعهم وتركهم، لتنتهي التهديدات حول المدينة تمامًا"، مشددًا على أنه "هناك فرق بين غزوات للانتقام، وغزوات حفظ الأمن، للردع وليس للدم، فاستطاع النبي بفاعلية أن يوقف كل مؤامرات القبائل"، وذكر أنه "حصل لدى بعض المسلمين "فوبيا" الخوف من كل القبائل المحيطين بهم، فعمل النبي على تحريرهم من هذا الوهم، ليعطي الدرس بضرورة مواجهة الواقع وليس الهروب منه، وعالج الظواهر النفسية المسببة للعنف".
وبيّن خالد أنه "في تلك الأثناء، وقعت غزوة ذات الرقاع على مسافة 800 كم عن المدينة، ومع انتصار المسلمين فيها كان هناك درسًا آخر، أحد المشركين كان يريد أن يقتل النبي، قال له: من يمنعك مني؟، قال: الله، قال له: أتشهد أن لا إله إلا الله، قال: لا، ولكني أعاهدك أن لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك فخلى سبيله، قال فذهب إلى أصحابه، قال: قد جئتكم من عند خير الناس"، وعلق على تلك الواقعة "لو أراد النبي أن يقتله لفعل، لكنه أراد أن يعلمنا.. اعرض.. واقبل البدائل، الرجل كان يرفع السلاح ويريد أن يقتل النبي، أسلم، ثم صار اسمه سيدنا غورث، بينما المتشددين الآن يكفرون الناس المسلمة بخطأ أو معصية".
وخلص خالد إلى أن "النبي عالج المظلومية باستمرار الحياة الحلوة الجميلة الناجحة، عالج المظلومية ببث الرحمة في القلوب، بالحفاظ على الأمن، وهكذا يجب أن يعيش المسلم، حياة لا غل فيها أو حقد".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر