أبوغا ـ عادل جابر
أجرت صحيفة أميركية مقابلات مع 18 فتاة تم القبض عليهن من قبل المسلحين في نيجيريا كن ينوين القيام بعمليات انتحارية. وكشفت صحيفة "نيويورك تايمز" عن سرّ استخدام جماعة "بوكو حرام" للإناث في مثل هذه العمليات، حيث شهدت مدينة "مايدوغوري" عاصمة ولاية بورنو الواقعة فى شمال شرقى نيجيريا مساء الأحد ثلاثة حوادث تفجير انتحارية نفذتها ثلاث إناث تابعات لبوكو حرام ، ما أسفر عن مقتل 13 شخصًا على الأقل وإصابة 16 آخرين.
ونوهت المجلة الى أن "بوكو حرام" استخدمت سيدات انتحاريات أكثر من أية جماعة إرهابية أخرى فى التاريخ ؛ ومن بين 434 عملية تفجير تبنّتها الجماعة فى الفترة الممتدة بين أبريل 2011 ويونيو 2017 ثمة 244 عملية نفذتها إناث. وحتى الآن هذا العام، نفذ المسلحون أكثر من ضعف عدد التفجيرات الانتحارية أكثر مما فعلوا في جميع عام 2016، وتستمر الهجمات. وطبقا لـ"يونيسف" فان اكثر من 110 اطفال قد استخدموا كمفجرين انتحاريين منذ بداية العام - 76 منهم على الاقل من الفتيات. وكان معظمهم دون سن الخامسة عشرة. فجرت فتاة واحدة نفسها مع طفل رضيع مربوط على ظهرها.
وقد أصبح نشر الأطفال أمرًا شائعا إلى حد كبير لأن المسؤولين في المناطق التي تعمل فيها جماعة بوكو حرام يحذرون المواطنين من الاطلاع على المتفجرات. وهناك لوحة ضخمة في مايدوغوري - المدينة النيجيرية حيث ولدت بوكو حرام - تعلن "وقف الإرهاب" مع صورة طراشة، الفتاة ذات العيون البرية والمتفجرات على صدرها، وتمسك بالمفجر. ويحث المسؤولون علنا أولياء الأمور على عدم تسليم أطفالهم إلى بوكو حرام لاستخدامهم كقاذفات قنابل، بينما يقوم الجيش بتعميم شريط فيديو يروي تفاصيل هجمات لانتحاريات وبينهن فتاة تبلغ من العمر 11 عاما.
وبحسب دراسة أعدها مركز مكافحة الإرهاب في "ويست بوينت" ، فإن حركة "نمور التاميل" السريلانكية كانت حاملة اللقب فى هذا المضمار البشع ، حيث استخدمت أكثر من 44 أنثى فى عمليات تفجيرية امتدت على مدى عشر سنوات. وتعتبر بوكو حرام ، التى قتلت أكثر من 30 ألف نسمة فى شمال شرقى نيجيريا والبلدان المجاورة منذ عام 2011 وشردت نحو 2.1 مليون نسمة ، تعتبر أول مجموعة تستخدم أغلبية نسوية فى تنفيذ العمليات الانتحارية. وقالت الإيكونوميست إن حكومة نيجيريا تميل إلى القول بأن بوكو حرام قد "انهزمت تقنيًا" بعد أن انقسمت إلى فصيلين العام الماضى إثر إعلان تنظيم داعش عن تفضيله قائدًا "أبو مصعب البرناوي" وتعيينه أميرًا لـ بوكو حرام بدلا من "أبو بكر شيكاو" ما أثار انشقاقا داخل صفوف الجماعة. وأكدت المجلة أن بوكو حرام بعيدة عن أن تكون قد انهزمت، حتى رغم إجبارها على الخروج من المدن بعد توّلى محمد بخارى الرئاسة عام 2015 ، وفي يوليو/تموز الماضي قتلت بوكو حرام 69 عضوًا من فريق استكشاف بترول ، لكن في واقع الأمر تراجعت حدة عمليات التفجير الانتحارية للجماعة خلال العام الجارى.
ورأت "الإيكونوميست" أن الانتحاريين الذين تستعين بهم بوكو حرام أقلّ فتكًا من نظرائهم الذين تستخدمهم جماعات أخرى، ذلك أن واحدًا بين كل خمسة انتحاريين من بوكو حرام يفجّر نفسه لدى مواجهة الجنود فلا يسفر التفجير سوى عن مقتل الانتحارى وحده. غير أن بوكو حرام لا تزال ترسل مهاجمين إلى "مايدوجورى" ، حاضرة ولاية "بورنو" ، وهى ذات المدينة التى نشأت فيها الجماعة وبدأت رحلتها الدموية مستهدفة الجامعة والأسواق ومخيمات النازحين.
وقالت "الإيكونوميست" إنه ليس من قبيل الصدفة أن يتزايد استخدام بوكو حرام للإناث فى عملية الانتحارية بعد اختطاف الحركة 276 فتاة من مدرستهن في أبريل/نيسان 2014 ؛ إن بوكو حرام أدركت أن استخدام أبرياء كسلاح فتاك كفيلٌ بأن يُحدث صدمة قوية ؛ إن الإناث لا يُثرن الكثير من الشك ، لا سيما قبل تكرار استخدام التكتيك ، كما أن بإمكان الأنثى أن تخفى الحزام الناسف بسهولة تحت حجابها الفضفاض ؛ فضلا عن أن استخدام الإناث فى نسْف أنفسهن يساعد الحركة فى ادّخار المقاتلين الذكور للهجمات المسلحة الأكثر تقليدية.
ورأت المجلة البريطانية أن بعض السيدات قد تقبل أن ترتدى حزاما ناسفا وتفجّر نفسها حال تعرّضها لغسيل دماغ ، وبعضهن يتمّ إجبارهن على ذلك ؛ حتى إن إحدى الانتحاريات فجرت نفسها بينما كانت تحمل على ظهرها رضيعا ، ولربما رأت فى ذلك مهربًا من معاناتها كـمحظيّة (جارية مسبيّة) لمقاتل فى بوكو حرام ؛ لا سيما وأن أمثال تلك الضحايا غالبا ما يرفض المجتمع أن يقبلها إذا هى أفلتت من براثن الجماعة ، حيث يرى فيها هذا المجتمع وصمةً للعار بعد أن تعرضت للاغتصاب على أيدى مقاتلى الجماعة. وهكذا ، فإن جماعة بوكو حرام تزرع الخوف والفرقة بين الناس وذويهم حتى تسود هي.
وصرح الجيش النيجيري أمس الأربعاء إن القوات النيجيرية في ولاية بورنو أنقذت 85 شخصا كانت جماعة بوكو حرام تحتجزهم رهائن. وقال ثاني عثمان المتحدث باسم الجيش إنه تم إنقاذ الأسرى أمس خلال عملية عسكرية شاملة في الولاية الواقعة بشمال شرقي البلاد. وقال المتحدث لوكالة أنباء ((شينخوا)) انه تم انقاذ الأسرى حيث شنت القوات هجوما على معاقل تابعة لبوكو حرام في أربع قرى في منطقة نجالا المحلية. وأضاف المتحدث أن القوات دمرت أيضا قاعدة لوجستية وورشة لبوكو حرام في قريتين.
وكانت العملية التي شنها الجيش تهدف لطرد الإرهابيين من معقلهم في الولاية. وحققت نيجيريا نجاحا كبيرا على بوكو حرام، حيث طردت قوات الأمن العاملة في المنطقة المضطربة بشمال شرقي البلاد مقاتلي بوكو حرام من غابة سامبيسا، أكبر مخيم تدريب للجماعة في البلاد. وقد اتهمت بوكو حرام بقتل ما يزيد على 20 ألف شخص وتشريد 2.3 مليون آخرين في نيجيريا منذ 2009.
وفي الأشهر الأخيرة، بدأت مكاسب نيجيريا في ضرب بوكو حرام - استعادة الأراضي واستيلاء على مخابئ المسلحين - في الانخفاض. ولم يشن مقاتلو الجماعة تفجيرات انتحارية فحسب، بل ضربات تكتيكية أخرى ضد قوات الأمن أيضا. وفي حزيران / يونيه، هاجموا قافلة من الجنود وضباط الشرطة، واختطفوا عددا من ضابطات الشرطة. وفي الشهر التالي، أطلق مسلحون النار على قافلة عسكرية من عمال النفط، وقتلوا أكثر من 25 شخصا واختطفوا جيولوجيين من جامعة مايدوغوري. ويقول مسؤولو المخابرات الغربية ان المسلحين استعادوا الاراضى التى استولى عليها الجيش النيجيرى منهم. وتستعد الولايات المتحدة لبيع طائرات هجومية ومواد اخرى بقيمة نصف مليار دولار الى نيجيريا للمساعدة فى القتال. فالحالة الإنسانية في المنطقة مأساوية، حيث يوجد ما يقرب من مليوني شخص في أربعة بلدان شردتهم الحرب وبعضهم يعيش في ظروف تشبه المجاعة. مايدوغوري طغت عليها الأسر التي فروا من المزارع الريفية ومصائد الأسماك دون أي وسيلة لكسب لقمة العيش. ويعيش الكثيرون في مبان أو أكواخ من القش، أو على طول ضفاف نهر نغادا الضحلة، حيث تعيش مجموعة صغيرة واحدة على قصاصات محشوة من مخلفات البقر التي تخلص منها المدابغ المحلية. والآن، تقاتل مجموعات الإغاثة تفشي آلاف حالات الكوليرا، وفقا لما ذكره العاملون في المجال الإنساني.
وفي السنوات الست الماضية، شكلت النساء غالبية التفجيرات الانتحارية التي قامت بها جماعة بوكو حرام فى شمال شرقى نيجيريا والكاميرون والنيجر وتشاد وفقا لتقرير صدر فى اغسطس الماضى عن مركز مكافحة الارهاب فى ويست بوينت. وفي الواقع، ذكر التقرير ان الجماعة نشرت المزيد من النساء الانتحاريات من اي جماعة ارهابية اخرى فى التاريخ. وبينما يتحول بوكو حرام بصورة متزايدة الى الاطفال لتنفيذ هجماته الانتحارية، فمن المحتمل ان يكون هناك احتمال اربع مرات بنشر انتحاريات اكثر من الاولاد. وقالت هارييت دواير المتحدثة باسم اليونيسف في مايدوجوري "هناك حالة من عدم الارتياح - كثيرا ما يشير الناس إلى خوفهم من النساء والفتيات عند نقاط التفتيش، وفي المناطق المزدحمة، وفي المخيمات، في الجامعة". "ونحن نرى هذه الحوادث يحدث مع مزيد من التردد، وصمة العار والشك تصبح أمرا صعبا جدا للتوفيق".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر