صنعاء ـ عبدالغني يحيى
قدَّرت وكيلة وزارة حقوق الإنسان اليمنية لولا عبد الكريم صالح عدد النازحين خارج البلاد بنحو 400 ألف يمني، في الوقت الذي تتعاظم فيه معاناة اليمنيين جراء الحرب، ومن تلك المعاناة، حالات النزوح القسري عن المنازل والقرى أو البلاد بشكل عام، حيث وجد مئات الآلاف أنفسهم مجبرين على النزوح إلى داخل وخارج البلاد، في منفى إجباري ليعانوا مرارة النزوح وفراق الأهل والوطن. ومع الأشهر الأولى للانقلاب على الشرعية في اليمن، تزايدت الانتهاكات التي ترتكبها الميليشيات ضد المدنيين والمناهضين للانقلاب، لتبدأ مرحلة جديدة من المطاردات والملاحقات والنزوح والتهجير القسري تطال آلاف اليمنيين مقترنة مع معاناة وألم الفراق ولحظات كانت هي الأخيرة يعيشونها مع أقاربهم، الذين غادر بعضهم الحياة وترجل صهوتها.
لقد اجتاح الانقلابيون المحافظات والمدن، وكانت أولى مهامهم، مداهمة مقار الأحزاب السياسية والمنظمات والجمعيات والمساجد، وتنفيذ حملات اعتقالات، طالت الآلاف من السياسيين والنشطاء، فيما تمكن مئات الآلاف من النزوح والفرار إلى دول الجوار وبلدان أخرى، خاصة بعد اجتياح العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014، وأدى الانقلاب إلى فرار مئات الآلاف إلى مناطق داخل وخارج البلاد؛ في الداخل كان الجنوب ومأرب هما المقصد الرئيسي، خاصة بعد دحر الانقلابيين من هاتين المنطقتين، وفي الخارج انتشر الفارون في المملكة العربية السعودية وتركيا ومصر والأردن، بدرجة رئيسية، إضافة إلى بلدان أخرى، عربية وإسلامية وغيرها.
وتحدث الصحافي والناشط السياسي، هلال الجمرة عن معاناته وما تعرض له هو وأسرته من انتهاكات وصلت حد محاولة القتل والمطاردة من قبل الميليشيات الانقلابية، فيقول لـ"الشرق الأوسط": "تعرضت وأسرتي للكثير من الانتهاكات التي مارستها جماعة الحوثيين وتعرض منزلنا لإطلاق نار، ونجا والدي من محاولة قتل". وأضاف الجمرة: "تم اعتقال والدي وشقيقي وعدد من أفراد أسرتي بتهمة عرقلة ومعاداة طقوس حوثية، وتم الإفراج عنهما بعدما أجبرا على التوقيع على تعهد بعدم الحديث عن المسيرة القرآنية (الحوثيون يطلقون على انقلابهم تسمية المسيرة القرآنية) أو الإساءة لها ولهم، وهذه تهمة غريبة وخطيرة خصوصا في ظل سيطرتهم المطلقة على الدولة ومؤسسات الدولة والبلد بأكملها".
أما الناشط محمد القاسم، فقد تزايدت معاناته في منفاه مع فقدان أقرباء له ولم يستطع العودة لزيارتهم قبل أن يتوفوا، ويقول القاسم إن الإحساس بأنك لا تستطيع العودة إلى بلدك في هذا الظرف وبعد مرور سنوات على منفاك هو بحد ذاته معاناة كبيرة، أضف إلى ذلك متابعة أخبار المأساة الوافدة من بلدك، والإحساس بتغير الحياة هناك، وغياب كثير من الوجوه، وتبدلها هذا؛ كل ذلك يحشرك في زوايا نفسية ضيقة.
وأدَّت الحرب التي لا تزال متواصلة في كثير من الجبهات المتفرقة من البلاد، إلى نزوح أكثر من مليوني ونصف المليون من مناطق المواجهات إلى مناطق في الأرياف ومحافظات أخرى، في حين عمد الانقلابيون على تهجير قرابة 400 ألف شخص خارج البلاد، وفقاً للإحصائيات الصادرة من قبل وزارة حقوق الإنسان، حيث تقول وكيلة وزارة حقوق الإنسان لولا عبد الكريم صالح لـ"الشرق الأوسط": إن هناك صعوبات تواجهها الوزارة في الحصول على الأرقام والإحصائيات الدقيقة للانتهاكات التي ترتكبها الميليشيات بحق المدنيين في مناطق لا تزال خاضعة لسلطة الانقلاب، ثم تؤكد أن الوزارة تقوم بالرصد والتوثيق لمجمل الانتهاكات التي تحدث بالتعاون مع منظمات محلية والتحالف والمنظمات الإقليمية والدولية، في حين تتوزع تلك الانتهاكات التي لا تزال مستمرة بين القتل والاعتقالات والإخفاء القسري والتهجير وتفجير المنازل والحصار، ونسعى، في الوزارة، إلى إنشاء مركز رصد وتوثيق للانتهاكات ترصد جميع الانتهاكات على كل الأصعدة، وسيشكل المركز مرجعا لمتابعة الانتهاكات للحكومة والمنظمات الدولية.
وتؤكد المسؤولة اليمنية: نسعى إلى عدم ضياع حقوق الضحايا، من خلال الملفات التي تم تقديمها للمنظمات المعنية بحقوق الإنسان والأمم المتحدة، والتي كشفنا من خلالها الممارسة الممنهجة التي ترتكبها هذه الميليشيات ضد المدنيين العزل، ولا شك أن عامين وأكثر من الحرب في اليمن، قد جعلته يعاني من تدهور خطير في حقوق الإنسان على جميع الصعد، المدنية والاقتصادية والاجتماعية، وأن استمرار الحرب دون تدخل جاد لردع الميليشيات من قبل الأمم المتحدة سيفقد المواطن من خلالها أبسط الحقوق الإنسانية التي شرعتها له القوانين المحلية والمواثيق الدولية.
أما الناشط الحقوقي، مطلق الأكحلي، فيعتقد أن ما يحدث في اليمن يوصف من الناحية القانونية بالنزوح الإجباري أو الاضطراري، أما التهجير فهو مصطلح أشمل في القانون الدولي، يتحقق بالممارسات التي تتم لتغيير التركيبات السكانية لمنطقه جغرافية معينة. بمعنى آخر قيام حكومة أو ميليشيات مسلحة بممارسات منهجية لمجموعات عرقية أو مذهبية أو دينية بهدف إخلاء أراضيهم ومساكنهم وإحلال مجاميع سكانية أخرى بدلاً عنهم. وهذا تقريبا، ما حصل ليهود اليمن صعدة وعمران، وما حصل لسلفيي منطقة دماج بصعدة، وكل حالات التهجير القسري المشار إليها ارتكبتها ميليشيات الحوثي، السنوات الماضية.
ويؤكد الأكحلي أن جرائم إبعاد السكان أو إجبارهم قسرا على مغادرة أراضيهم أو منازلهم تندرج ضمن جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الإبادة الجماعية، وفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة 1949 المادة (49) والبروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف المادة (17)، كما أن نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية اعتبر جرائم الإبعاد القسري من ضمن الجرائم ضد الإنسانية.
ويتابع: "هذه الجريمة يمكن أن تكون محققة، سواء تمت بشكل مباشر عبر القوة، أو بشكل غير مباشر، عبر دفع الناس للرحيل بوسائل ضغط وحصار أو ترهيب أو حبس، أو خلق ظروف تصعب فيها الحياة، وتتحقق كذلك عبر إنشاء الثكن العسكرية أو المعسكرات بالقرب من المدن والمنازل المأهولة بالسكان. وأكد الأكحلي أن "اليمن مصادق على اتفاقيات جنيف الأربع"، وأن "مرتكبي هذه الجرائم يكونون ضمن الملاحقين للعدالة الدولية، وتوضع أسماؤهم عبر القوائم الجنائية، ويتم التضييق عليهم عبر مصادرة أموالهم في الخارج، والقبض عليهم في حالة خروجهم من بلدانهم، وبالتالي تقديمهم لمحاكمات".
ورغم الجزم القانوني في حالة اليمنيين الذين غادروا المدن التي كانوا يعيشون فيها أو غادروا البلاد، بشكل عام، فإن التوصيفات في شرح الحالة اليمنية ووضعها، مثار جدل واختلاف حول التسميات، حيث يقول المحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي إنه من الممكن تسميتها بالهجرة القسرية، التي نتجت عن الحالة الاستثنائية الخطيرة جداً في أعقاب الانقلاب الغاشم على السلطة الانتقالية، وسقوط الدولة في أيدي عصابة طائفية جهوية منفلتة. ويرى أن الانقلاب قضى تماماً على فرص التعايش والشراكة الوطنية التي تأسست في أعقاب ثورة الـ11 من فبراير/شباط 2011، الأمر الذي تحولت معه صنعاء وعدن وغيرهما من المناطق إلى بيئة محفوفة بالمخاطر، في ضوء عمليات الاعتقال والإخفاء القسري التي طالت سياسيين وإعلاميين وكتابا وناشطين، ثم يؤكد أن الهجرة القسرية تتعمق، اليوم، مع ازدياد نسبة المخاطر بحق السياسيين والناشطين بعد تغول سلطة العصابات في عدن والمحافظات الجنوبية التي تقوم بدور تكميلي لما يقوم به حلف المخلوع صالح والحوثي في صنعاء، في حين تبقى المناطق الأخرى ساحات مواجهات مسلحة.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر