أدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اليمين الدستورية، يوم الاثنين، لتولي ولاية رابعة كرئيس لروسيا، في حفلة نُظّمت في قاعة الكرملين المطلية بالذهب، والتي كانت تُستخدم في السابق لتتويج القياصرة، وهي مليئة بالمغامرات، مما سلّط الضوء على انشغاله الكبير بالسلطة بعد قرابة عقدين من الزمان.
وقد حكم بوتين، عميل الـ"كي جي بي" المخابرات الروسي السابق، روسيا كرئيس للوزراء ورئيس لأكثر من 18 عاما، وفي ذلك الوقت صاغ صورته كزعيم متوتر بشدة، والرجل الأفضل تأهيلًا لإعادة بناء بلاده بعد انهيار الإتحاد السوفييتي.
أكد تركيزه على الاقتصاد
وفي لمسة مسرحية، بدأ الحفل المُتلفز، حيث كان بوتين جالسا في مكتبه في الكرملين، يرتدي سترة مبطنة على كرسيه، كما لو كان منهمكا في العمل حتى لحظات قبل الاحتفال، ورن جرس الهاتف، للسماح له بمعرفة أنه حان الوقت لتولي ولايته الرابعة، وكان يرتدي سترته ويمشي وحده عبر ممرات الكرملين ذات السجاد الأحمر إلى قاعة مليئة بحوالي 6 الآلاف من الضيوف المدعوين والبارزين، وفي خطاب مقتضب، أشار إلى أن تركيزه قد تحوّل الآن إلى مسائل محلية وتحسين الاقتصاد الروسي من أجل رفاهية كل أسرة، على الرغم من عدم وجود كلمات مصالحة في علاقات البلد المتوترة مع الغرب.
وقال بوتين أمام حشد من الوزراء والمشرعين والزعماء الدينيين والمشاهير "إن قدرات البلاد الأمنية والدفاعية مضمونة بشكل موثوق به، سنستخدم الآن كل الإمكانيات التي نملكها أولا من أجل حل مهام التنمية الداخلية وهي الأكثر أهمية، لتحسين نوعية حياة ورفاهية وأمن وصحة الشعب، وهذا هو المهم اليوم."
توج في قاعة أهم القياصرة
وفاز بوتين بإعادة انتخابه في مارس/ آذار بحوالي 77% من الأصوات، وهو أكبر فوز لأي زعيم ما بعد الإتحاد السوفييتي، وكانت النتيجة متوقعة، وعلى الرغم من أن النتيجة كانت أقل أهمية من فوزه في عام 2012، ولكن المراسم كانت مهمة، وكان حرس الشرف وحاملي العلم يرتدون الزي العسكري مع قبعات عسكرية طويلة، من نمط يعود إلى حرب روسيا مع نابليون في عام 1812.
ووُقعت مراسم الاحتفال نفسها في القاعة التي تم تتويج ثلاثة قياصرة بها، وهم الكسندر الثاني، والكسندر الثالث، ونيكولاس الثاني، وكذلك التتويج الرئاسي لسابق، وأعطى البطريرك كيرل، رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، بوتين رمزا من القرن الثامن عشر، وباركه لفترة ولاية جديدة.
وسعى بوتين لاستعادة نفوذ روسيا في الشؤون العالمية، خلال فترة رئاسته الثالثة، وتدخل عسكريا في أوكرانيا وسورية، مما وضعه على خلاف مع الغرب، ووفقا لوكالات الاستخبارات الأميركية، فقد وجّه روسيا للتدخل في الانتخابات الرئاسية لعام 2016 لمساعدة دونالد ترامب الرئيس الأميركي الحالي، وفي الداخل، ترأس ترسيخ سلطة الأمن التي كان خدمها في السابق، مع العديد من كبار المسؤولين والمسؤولين التنفيذيين في الشركات، وضباط سابقين مثله، ولكن الاقتصاد المحلي استمر في التباطؤ، ولم يخرج من الركود المؤلم إلا مؤخرا، كما قمع النقاد وأوقف عدد من نشطاء المعارضة وقّيد وسائل الإعلام.
الاحتفال يقع وسط إجراءات أمنية مشددة
وكتب أندري كولسنيكوف، وهو شريك في مركز "كارنيغي" في موسكو "أن بوتين مهم، مثل سانت جورج الذي يذبح التنين الغربي، ولكن اللحم والعظام بالكاد قادران على حل المشاكل اليومية للروس أو منع المآسي"، وفي تعليق على شعبية بوتين المستمر على الرغم من الركود الاقتصادي، قال "يرد الرئيس على النهضة بشكل رمزي يتجه نحو مشاعر الانتماء إلى القوة العالمية العظيمة، في حين أن رؤساء البلديات ورؤساء المناطق والوزراء هم الذين يردون عن الحرائق ومقالب القمامة".
وكتب مراقبو الانتخابات الأوروبيون مع منظمة الأمن والتعاون في أوروبا أن إعادة انتخاب بوتين الأخيرة "جرت في بيئة قانونية وسياسية خاضعة للسيطرة بشكل مفرط، وتميزت بالضغط المستمر على الأصوات الناقدة"، وتأكيدا على تلك النقطة، قبل يومين من تنصيبه، ألقت الشرطة القبض على حوالي 1600 شخص في أعمال احتجاجية تحت عنوان "إنه ليس قيصرنا"، وارتدى المتظاهرون قمصانا للسخرية من حكم بوتين الطويل، حيث فترة أطول من أي زعيم روسي منذ ستالين، وأضافت هذه الاعتقالات صورا لأعواد عائمة متأرجحة ومباريات مع الشرطة، وكتبت "فيدوموستي"، وهي صحيفة مال وأعمال، أن القمع خطر يهدد إفساد الافتتاح القادم أكثر من الاحتجاج.
بوتين يغيير السياسة الاقتصادية وسط اعتراضات
ويقول المحللون إن بوتين يتجه إلى تغيير طبيعة الاقتصاد الروسي، حيث إمكانية تعينه عالم الاقتصاد الليبرالي، أليكسي كودرين، وزير المالية السابق، في منصب مستشار اقتصادي، فيما يعارض المتشددون في الكرملين كودرين لدعوته إلى تخفيف حدة التوتر مع الغرب، فضلا عن الجهود المبذولة لإحياء التجارة، كما طالب كودرين برفع الضرائب وسن التقاعد لدعم الميزانية.
وأصبح بوتين رئيسًا لأول مرة في 31 ديسمبر/ كانون الأول 1999، عندما استقال بوريس يلتسين، الذي يعاني من مشاكل في القلب، ثم انُتخب في عام 2000 وخدم مرتين، وهو الحد الدستوري لتوليه الرئاسة، ثم أصبح رئيسا للوزراء لولاية واحدة، قبل أن يعود إلى الرئاسة في عام 2012، وبالنسبة لولايته الثالثة والرابعة الآن كرئيس، تم تمديد هذه الولاية إلى ست سنوات بدلا من أربعة.
ولم يختلف حفل يوم الجمعة عن حفل عام 2012، إذ طوقت الشرطة الكثير من مناطق وسط المدينة؛ للسماح لمركبات السيد بوتين بالمرور عبر الشوارع الهادئة نحو الكرملين، وأثارت الصور المخيفة للزعيم في المدينة الفارغة انتقادات مفادها أن بوتين فقد الاتصال بالناس، وفي الحفل، سار الرئيس من خلال العديد من القاعات المترابطة والمذهبة في قصر الكرملين التاريخي قبل وصوله إلى قاعة أندرييفسكي، حيث انتظر الضيوف، وحضر قليل من الشخصيات الأجنبية، وكان من بين الموجودين في القاعة جيرهارد شرودر، المستشار الألماني السابق والمؤيد القديم للسيد بوتين.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر