أثارت تصريحات أدلى بها المبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ حالة من الجدل السياسي في الأوساط اليمنية وتباينا في المواقف بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين، فبينما صنفت مصادر مقربة من الحكومة الموقف الأميركي بأنه امتداد للارتباك والتناقض الذي أبدته واشنطن إزاء الملف اليمني، رحبت قيادات حوثية بالتصريحات وقللت قيادات أخرى من أهميتها.
وفي محاولة لإظهار القوة وتبادل الأدوار، قلل القيادي البارز في الجماعة الحوثية، محمد علي الحوثي من أهمية التصريح الأميركي، وقال في تغريدة على تويتر إنّ “تغير الموقف الأميركي أو بقاءه لا يمنح مرتزقته مكسبا غير دعم الإرهاب ولن يغير انتصار الشعب اليمني الثائر ما انتزعه من العدوان العسكري الأميركي البريطاني السعودي”.
وأردف بأنّ “ما تصرح به الخارجية الأميركية دعم وشراكة سياسية لخبرائها وعناصرها ذات الخوذ الخضراء وسلاحها الأميركي وإثبات أن أميركا تقتل الشعب اليمني”.
ومن جهته رحب نائب وزير الخارجية في حكومة الحوثيين غير المعترف بها بالتصريحات الأميركية، وقال حسين العزي في تغريدة على تويتر “الخطاب الواقعي دائما مهم ومطلوب وكل تعديل إيجابي في مواقف الدول تجاه صنعاء سيكون لا شك محل ترحيبنا. وعلى صعيد السلام سيبقى من المهم للغاية الدفع نحو خطوات عملية وملموسة الأثر تلبي بشكل فعال استحقاقات شعبنا ومطالبه العادلة باعتبار ذلك السبيل الوحيد والأمثل لبناء الثقة ومعالجة المخاوف”.
وفي أول موقف رسمي للحكومة اليمنية هاجم وزير الإعلام معمر الإرياني بشكل ضمني الموقف الأميركي معتبرا أنه يأتي في سياق “التراخي الدولي في التعامل مع ميليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران وتجاهل تصعيدها العسكري الواسع في مأرب وجرائمها وانتهاكاتها اليومية بحق المدنيين واعتداءاتها على دول الجوار وتهديد خطوط الملاحة”، مشيرا في سلسلة تغريدات على تويتر إلى أن هذا الموقف ينطلق من “اعتقاد خاطئ بإمكانية دفع الميليشيا للانخراط في جهود التهدئة وجلب السلام لليمن والمنطقة”.
وقال الإرياني إن ميليشيا الحوثي اعتبرت “قرار الإدارة الأميركية رفع تصنيفها كمنظمة إرهابية ضوءا أخضرَ لمزيد من الإرهاب، وتوجهت بإيعاز إيراني لتصعيد عملياتها العسكرية، ورفع وتيرة هجماتها الإرهابية في المناطق المحررة وفي السعودية، الأمر الذي ضاعف الخسائر البشرية بين المدنيين وفاقم المأساة الإنسانية في اليمن”.
ودعا الوزير اليمني “الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي لإعادة النظر في أسلوب التعاطي مع ميليشيا الحوثي وتبني نهج الضغط السياسي والعسكري، وتصنيفها ضمن قوائم الإرهاب ومحاكمة قياداتها كمجرمي حرب ودفعها للانخراط بجدية في جهود التهدئة وإحلال السلام، ووضع حد للمعاناة الإنسانية المتفاقمة لليمنيين”.
وعقّبت وزارة الخارجية الأميركية الجمعة على ردود الأفعال التي صدرت حول تصريحات مبعوثها إلى اليمن عبر بيان نشرته على حسابها الرسمي على تويتر جددت فيه تأكيدها على اعتراف الولايات المتحدة بالحكومة اليمنية باعتبارها “الحكومة الشرعية الوحيدة المعترف بها دوليا في اليمن”.
وأشار البيان الأميركي إلى خلفيات التصريح الذي أطلقه المبعوث الخاص إلى اليمن حيث “يسيطر الحوثيون على الناس والأراضي في اليمن” وأنه “لا يمكن لأحد إبعادهم أو إخراجهم من الصراع عبر التمنّي فقط”. وأضاف “لذلك دعونا نتعامل مع الحقائق الموجودة على الأرض”.
واستدرك بيان الخارجية الأميركية “سيحتاج الحوثيون إلى أن يكونوا جزءا لا يتجزأ من أي عملية سلام في اليمن. ومع ذلك مازلنا نشعر بالقلق إزاء تركيز الحوثيين على شن الحرب وتفاقم معاناة المواطنين اليمنيين أكثر من كونهم جزءا من حل الصراع”.
ووصف الكاتب والسياسي اليمني علي البخيتي في تصريح لـ”العرب” التصريحات الأميركية الأخيرة بأنها “تتسق مع ما تتجه إليه سياسة الولايات المتحدة في أفغانستان من الاعتراف بسلطة حركة طالبان ومن السماح لها تدريجيا بالاستيلاء على المزيد من المدن انتهاء بالعاصمة”.
ووصف البخيتي وهو قيادي سابق في الجماعة الحوثية واشنطن بأنها “جزء من توجه لإيصال الحوثيين إلى الحكم في اليمن بشكل رسمي” وهي السياسة التي بدأتها، بحسب البخيتي، بإلغاء تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية وهي “الرسالة الخاطئة جدا التي جعلت الحوثيين يتقدمون نحو مأرب ويواصلون الكثير من جرائمهم مستندين إلى هذا الدعم الأميركي الذي لم يكونوا ينتظرونه ولا حتى يتخيلونه”.
واعتبر البخيتي أن إدراج واشنطن بعض الشخصيات الحوثية في قائمة العقوبات “استهانه باليمن وباليمنيين”، مضيفا “ما الفائدة من إضافة اسم قيادي حوثي لا يملك دولارا واحدا في بنك أجنبي ولم يسافر حتى إلى بيروت أو القاهرة ولا يعرف العالم ولا يهتم لشؤونه، فيما كان هناك قرار بالفعل يصنف الحوثيين كجماعة إرهابية وكان يمكن الضغط على الجماعة عبر هذا القرار والضغط على عُمان بوقف نشاط الحركة فيها ومنع الدول الأوروبية من استضافة قيادات الحركة حتى تبدأ بالتفاوض بشكل جدي”.
ونوّه البخيتي بأن الإجراءات والمواقف الأميركية تسببت بإلغاء أوراق القوة الأميركية التي كان يمكن الضغط من خلالها على الحوثيين، وهو الأمر الذي يضع العديد من علامات الاستفهام حول حقيقة الأهداف الأميركية وجديتها في مواجهة المشروع الإيراني في المنطقة وفي مواجهة الإرهاب عموما، سواء إرهاب طالبان والقاعدة أو إرهاب الحوثيين.
وأرجعت مصادر دبلوماسية التصريحات الأميركية إلى ما تصفه تلك المصادر بنهج الواقعية السياسية الذي ترغب إدارة الرئيس الأميركي جو بادين في التعامل بها مع الملفات الساخنة مثل ملف الاتفاق النووي مع إيران وترتيبات الانسحاب من الساحة الأفغانية والتعاطي مع عناصر القوة على الأرض لطي صفحة تلك الملفات وإنهاء تورط واشنطن المباشر فيها وهو ذات الأمر الذي يفسر الشروع في سحب القوات الأميركية من الخليج وتحديدا بطاريات باتريوت في الوقت الذي يكثف فيه الحوثيون من هجماتهم على أبرز حلفاء أميركا في المنطقة.
واعتبر الباحث السياسي اليمني محمود الطاهر في تصريح لـ”العرب” قول الخارجية الأميركية أنه تم فهم تصريحات مبعوثها إلى اليمن بطريقة خاطئة، ثم دعوتها للتعامل مع الحقائق الموجودة على الأرض، بأنه إشارة إلى رغبة واشنطن في إيصال رسالة مفادها أن من يحقق مكاسب على الأرض لا يمكن تجاهله.
ولفت الطاهر إلى أن تصريحات الخارجية الأميركية التي أكدت فيها على أنه لا يمكن لأحد إبعاد الحوثيين وإخراجهم بالتمني فقط، إشارة أخرى لضعف الحكومة اليمنية التي لم تستطع تغيير المعادلة على الأرض أو الضغط على الحوثيين عسكريا واكتفائها بالرهان على الضغوط الدولية المحتملة على الحوثيين وإدانة الخروقات الحوثية المتكررة لاتفاق ستوكهولم في ما يخص الحديدة أو تقدمهم نحو مأرب، على اعتبار أن كل ذلك يندرج تحت خانة “التمنيات” ولن يغيّر من الأمر شيئا ما لم يكن هناك موقف حازم من قبل الحكومة تجاه الحوثيين.
وأضاف الطاهر “المبعوث الدولي والخارجية الأميركية لا يريدان القول صراحة للحكومة اليمنية: عليكم أن تتحركوا عسكريا وتوحدوا جهودكم للضغط على الحوثي”.
وفي ذات السياق، يؤكد الباحث السياسي اليمني رماح الجبري أن التصريحات الأميركية الجديدة بمثابة تكرار لخطأ الولايات المتحدة، حين “تم إلغاء تصنيف ميليشيا الحوثي كمنظمة إرهابية ومحاولة التعامل مع الحوثيين كطرف سياسي بينما هم أنفسهم يصرون على تقديم أنفسهم بأفعالهم ورفضهم لجهود السلام كمنظمة وجماعة إرهابية”.
ويذهب الجبري إلى أن “محاولة شرعنة الحوثي من قبل الأطراف الدولية تأكيد على عدم فهم تلك الأطراف للواقع السياسي في اليمن لاسيما الجانب الأيديولوجي للجماعة الحوثية الذي يرفض التعايش ويؤسس للعنصرية والطبقية، بينما لا يوجد في قاموس الجماعة ما يشير إلى الديمقراطية أو المساواة بين اليمنيين”.
وأضاف “لا يزال المجتمع الدولي أيضا يجهل اللغة التي يفهمها الحوثيون وهي لغة القوة العسكرية أو الأوامر الواردة من طهران، كما أن التعامل مع الحوثي كطرف حقق مكاسب على أرض الواقع وفقا للتصريح الأميركي يشجع التنظيمات الإرهابية الأخرى في المنطقة لتحقيق مكاسب ميدانية وفرض أمر واقع ليتم التفاوض معها كطرف سياسي أسوة بالميليشيا الحوثية”.
قد يهمك أيضا
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر