دعت الحكومة اليمنية المنظمة الدولية إلى رفع السرية عن نتائج التحقيقات التي تجريها، والتي كشفت عنها مؤخرا وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية، وذلك على وقع تزايد التقارير الدولية والمحلية التي كشفت عن وجود فساد واسع في الوكالات الأممية العاملة في اليمن.
جاء ذلك في الوقت الذي تتهم مصادر محلية وحقوقية يمنية المنظمات الأممية العاملة في اليمن بتسخير جزء واسع من تمويلها الإنساني الدولي لمصلحة الميليشيات الحوثية وخدمة أغراضها الانقلابية على أكثر من صعيد، بما في ذلك قطاعات التعليم والصحة والغذاء.
وتوعدت الحكومة اليمنية الشرعية على لسان الدكتور نجيب العوج وزير التخطيط والتعاون الدولي، باتخاذ إجراءات حازمة وقوية ضد المنظمات المتورطة، ولن يتم تجديد التراخيص الممنوحة لها للعمل في الأراضي اليمنية.
وقال العوج في تصريحات خاصة: «اطلعنا على ما نشر (تقرير أسوشييتد برس حول فساد منظمات أممية في اليمن)، وسيتم الرفع بتقرير متكامل عن أداء كل منظمة وطريقة وآلية عملها والملاحظات ومقترحات بالإجراءات»، ولفت وزير التخطيط إلى أن وزارته كانت وجهت في وقت سابق خطابات لكل المنظمات الأممية والدولية العاملة في اليمن «لرفع تقارير عن أدائها ونفقاتها التشغيلية».
وتابع: «تلقينا عددا بسيطا من الإجابات والتقارير والمهلة التي حددناها تنتهي بعد شهر، وما لم نحصل على الإجابات فلن يتم تجديد التراخيص لهذه المنظمات».
وقال وزير الإعلام في الحكومة اليمنية في تصريحات رسمية إن وثائق التحقيقات الداخلية للأمم المتحدة والمعلومات التي جمعتها وكالة «أسوشييتد برس» من مقابلات مع عمال إغاثة عن أداء وكالات الأمم المتحدة وكشفت حجم الاختراق الحوثي لها والفساد السياسي والمالي والمحسوبية وسوء الإدارة لجهود الإغاثة في اليمن، فضيحة تمس بسمعة ورصيد هذه المنظمة، على حد تعبيره وكان تقرير الوكالة كشف عن وجود تحقيقات داخلية تجريها الأمم المتحدة مع عدد من موظفيها في الوكالات التابعة لها في اليمن تتعلق بضلوعهم في ارتكاب فساد مالي وبمساعدة الميليشيات الحوثية كما تتعلق باستغلال وظائفهم من أجل الكسب الشخصي.
وأوضح الوزير اليمني أن «المعلومات التي احتواها التحقيق عن حجم الفساد والمحسوبية والاحتيال ومخالفات التوظيف وإيداع ملايين الدولارات من المساعدات لحسابات موظفين، والعقود المشبوهة، واختفاء أطنان من المواد الغذائية والأدوية والوقود وتسليمها للحوثيين، والسماح للقيادات الحوثية بالسفر في سيارة أممية، أمر خطير»، وأشار إلى أن مثل هذه التقارير الدولية كشفت عن مصير المليارات من الدولارات المخصصة لبرامج الإغاثة الإنسانية في اليمن منذ عام 2015، وأكدت ما كانت تحدثت عنه الحكومة الشرعية مرارا من اختراق الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران لوكالات الأمم المتحدة العاملة في مناطق سيطرة الميليشيات وخضوعها للضغوط والابتزاز.
وطالب الإرياني برفع السرية عن هذه التحقيقات ومراجعة أداء الأمم المتحدة ووكالاتها في اليمن خلال السنوات الماضية وإعلان النتائج بشفافية للشعب اليمني، والكشف عن مصير مئات ملايين الدولارات من الإمدادات الغذائية والأدوية والمساعدات التي سرقتها الميليشيات الحوثية من أفواه الجوعى والنازحين، كما طالب وزير الإعلام اليمني الأمم المتحدة بإجراء تحقيق شامل في عمليات الفساد المالي والإداري لوكالاتها في اليمن، مؤكدا أن غض الطرف عن نهب الميليشيات الحوثية لبرامج المساعدات الإنسانية، يسيء لسمعة المنظمة الدولية ومصداقيتها ويضر بالجهود الدولية لإغاثة المتضررين وتخفيف معاناتهم.
عمل غير أخلاقي
ودعا وزير الإدارة المحلية في الحكومة اليمنية رئيس اللجنة العليا للإغاثة عبد الرقيب فتح، منسقة الشؤون الإنسانية في اليمن ليز غراندي إلى سرعة تشكيل لجنة تحقيق في وقائع الفساد التي صاحبت أداء بعض المنظمات الأممية والمسؤولين فيها أثناء تنفيذ المنظمات لمشاريعها وبرامجها الإغاثية في اليمن.
وأوضحت المصادر الرسمية أن فتح بعث خطابا إلى غراندي شدد فيه على «ضرورة موافاة الحكومة اليمنية بملابسات ووقائع الفساد ونتائج هذه التحقيقات، واتخاذ إجراءات عقابية رادعة ضد المقصرين والمتورطين في قضايا الفساد واستغلال المنصب»، مشيرا إلى أن الحكومة لن تقبل أي تقصير أو استغلال للعملية الإغاثية من قبل المنظمات الإنسانية كافة.
ووصف فتح في تصريحات رسمية استغلال العملية الإغاثية والوضع الإنساني في اليمن من قبل بعض الموظفين في المنظمات والوكالات الأممية بأنه «عمل غير مقبول وغير أخلاقي، خصوصاً ما يعانيه الشعب اليمني من فاقة تستدعي من المنظمات بذل مزيد من الجهود في التدخل الإنساني». وقال الوزير فتح إن الكشف عن قضايا فساد في أعلى هرم إغاثي أممي، أمر مؤسف يتطلب مراجعة شاملة لأداء عمل المنظمات الأممية في اليمن.
تمويل مشاريع طائفية
وانتقدت مصادر يمنية محلية تحدثت لـ«الشرق الأوسط» ما وصفته بـ«حالة التماهي الأممية» مع المشاريع والأجندات الحوثية الطائفية في مناطق سيطرة الجماعة، داعية الحكومة الشرعية لاتخاذ تدابير للحد من تدفق التمويل الأممي لمشاريع الجماعة ذات البعد الطائفي.
وأفاد الناشطون بأن الجماعة الحوثية حصلت على تمويل من اليونيسيف لتحويل مبنى تابع لجامعة إب (جنوبصنعاء) إلى مدرسة تحمل اسم رئيس مجلس حكم الجماعة الانقلابي السابق صالح الصماد، في سياق أهداف الجماعة لتمجيد قتلاها وقياداتها والاستمرار في حوثنة المؤسسات التعليمية والحكومية.
وذكرت المصادر أن القيادات المحلية للجماعة الحوثية في محافظة إب يستعدون لافتتاح المدرسة التي زعموا أنهم سيجعلون منها مدرسة نموذجية للمتفوقين في الأيام المقبلة بعد استكمال التجهيزات التي تكفلت «اليونيسيف» بتمويلها.
وقالت المصادر إن قادة الجماعة قاموا مؤخرا بزيارة للمبنى الذي استولت عليه الميليشيات واطلعوا «على التجهيزات المكتبية من أجهزة حاسوب وآلات تصوير ملونة وعادي وكراسي وغيرها من الاحتياجات اللازمة للمدرسة استعدادا لاستقبال أول دفعة من الطلبة الذين اشترطت الجماعة أن يكونوا من أبناء قتلاها في الجبهات ومن أقارب قياداتها».
ويقع المبنى الذي حولته الميليشيات إلى مدرسة حوثية في منطقة صلبة السيدة في مديرية الظهار بمحافظة إب، وكان تم تشييده إبان حكم الرئيس الراحل علي عبد الله صالح ضمن مباني جامعة إب.
واتهمت المصادر المنظمة الأممية اليونيسيف بتمويل «المعدات والتجهيزات المكتبية والحواسيب وآلات تصوير والإذاعة المدرسية والكراسي والطاولات وغيرها، فيما تكفلت الجماعة بنفقات الافتتاح للمدرسة من حساب السلطة المحلية بالمحافظة».
وجاءت هذه الاتهامات بعد أيام من تصريحات حكومية رسمية كشفت عن قيام اليونيسيف بتمويل المراكز الصيفية الحوثية التي أقامتها الجماعة في صنعاء ومختلف مناطق سيطرتها في سياق استقطاب الطلبة وتلقينهم أفكارها الطائفية و«الملازم» الخمينية قبل استدراجهم إلى صفوف القتال.
ونقل الموقع الرسمي لوزارة الدفاع اليمنية «سبتمبر. نت»، عن مصادر وصفها بـ«الخاصة» قولها إن «منظمات أممية تقف وراء تمويل المراكز الصيفية التي تقيمها جماعة الحوثي في العاصمة صنعاء، وبقية المناطق الخاضعة لسيطرتها، والتي تستهدف من خلالها تطييف المجتمع واستقطاب الأطفال للجبهات».
وكشف الموقع الحكومي عن مصادر خاصة لم يسمها أن المنظمة الأممية تكفلت وعبر منظمة «الشراكة العالمية من أجل التعليم» والتابعة لوزارة التربية والتعليم الخاضعة لسيطرة ميليشيات الحوثي بصنعاء، بجميع التكاليف للمراكز الصيفية التي تقيمها الميليشيات للطلاب.
ووفقا للمصادر، فإن اليونيسيف تكفلت كذلك بدفع رواتب للعناصر الحوثية وللقائمين على المراكز الصيفية التي تروج لأفكار الجماعة الطائفية والملازم الحوثية، إضافة إلى تكريسها ثقافة الموت والشعارات الخمينية التي تهدف بشكل أساسي إلى استقطاب الطلبة وتجنيدهم للقتال في صفوف الجماعة.
ويقول ناشطون يمنيون إن الدعم الأممي الواضح للجماعة الحوثية لا يقتصر على ما تقوم به «يونيسيف» من مشاريع ذات طابع استثماري وخدمي ليعود بالربح على عناصر الجماعة، ولكنه يتعدى ذلك إلى كثير من البرامج الأممية الأخرى كما هو الحال مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
كان مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي آخيم شتاينر أنهى زيارة إلى مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية شملت صنعاء والحديدة، حيث نسبت له تصريحات في وسائل إعلام الجماعة بأن هدف زيارته تقديم الدعم لإعادة تشغيل ميناء الحديدة بكامل طاقته وهو الميناء الذي لا يزال تحت سيطرة الميليشيات.
وينتقد الناشطون اليمنيون أداء الحكومة اليمنية فيما يخص غياب التنسيق حول المشاريع والبرامج التي تنفذها المنظمات الدولية في مناطق سيطرة الحوثيين، مشيرين إلى أن أغلب المشاريع المنفذة عادة ما يتم توجيهها من قبل الجماعة لخدمة أجندتها الطائفية أو لتحويلها إلى غطاء دعائي لتلميع صورتها في أوساط السكان.
قد يهمك ايضا:
وزير يمني الوجود السعودي في المهرة استغلال لضعف الدولة
الحكومة اليمنية تدرس خيار الانسحاب من اتفاقية ستوكهولم
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر