صنعاء-اليمن اليوم
تواصل الحرب الدائرة في اليمن التأثير على حياة المواطنين الطبيعية، في ظل استمرار النزاعات منذ أعوام، واختفاء مظاهر الحياة التي عرفها الناس واعتادوا عليها. وقال المواطن اليمني فؤاد، 25 سنة: "لم يعد هناك من يتصل بك ليدعوك على الإفطار"، مشيرًا إلى عادة رمضانية تتمثل في دعوة كثير من العائلات معارفها وجيرانها من العزاب لمشاركتها الإفطار، وهي عادة بدأت تختفي هذا العام بسبب انتشار المجاعة. وليست العائلات وحدها من يعاني للحصول على الطعام، بل حتى جمعيات خيرية ومنظمات إغاثية تواجه أيضًا عجزًا في تقديم العون إلى الفقراء المعتمدين على معوناتها، خصوصًا مع ارتفاع أعداد الفقراء إلى 17 مليون شخص، من إجمالي عدد السكان البالغ 26 مليونًا، علمًا بأن 25% من هؤلاء لا يستطيعون الحصول على الغذاء، وفق بيانات الأمم المتحدة.
وأطلق شباب يمنيون من الجنسين مبادرات تهدف إلى مساعدة الفئات الأشد فقرًا، في وقت علقت فيه عشرات الجمعيات الخيرية نشاطها بسبب استهدافها من قبل ميليشيات "الحوثيين" والرئيس السابق، علي عبد الله صالح، فيما تبدو جهود المنظمات الإغاثية الدولية محدودة وغير قادرة على تغطية الاحتياجات كافة. ووزع يسلم بلحاج، 33 سنة، ورفاقه في مبادرة "سفراء الخير"، 20 أسطوانة غاز منزلي على 20 أسرة فقيرة في صنعاء، منذ مطلع رمضان الجاري. وقال بلحاج إنهم بصدد إنارة منازل 10 عائلات فقيرة في مدينتي الحديدة وعدن، بواسطة الطاقة الشمسية. كما أنشأ "سفراء الخير"، العام الماضي، 40 موضعًا لحفظ بقايا الطعام النظيف في حارات صنعاء وحضرموت، ليستفيد منها من هو بحاجة. وفي بلدة بيت الفقيه، في محافظة الحديدة الساحلية، يوزع غالب مقبول، 34 سنة، مع مجموعة من المتطوعين قوالب ثلج على الأسر الفقيرة في أربعة حارات من البلدة، التي ترتفع فيها الحرارة إلى أكثر من 40 درجة مئوية.
وكشفت مقبول عن الصعوبات التي يواجهها الفقراء، خصوصًا صغار السن، مشيرًا إلى الجهود المتواضعة التي يبذلها مع رفاقه المتطوعين، ومنها مشروع إفطار الطالب الذي نفذ في 10 مدارس. وامتد المشروع على فترة ستة أشهر، واستهدف 500 تلميذ من الفقراء وذوي الحاجات الخاصة، بمعدل شطيرتين من الجبن والبيض لكل تلميذ في اليوم. وتعد الحديدة وتعز من أكثر المحافظات جوعًا ومعاناة، فعلاوة على الجوع المتفشي فيها، تفرض الميليشيات الانقلابية على المدينة حصارًا مستمرًا منذ أكثر من 14 شهرًا، مع قصف للأحياء السكنية، جيث تصنف ضمن المدن اليمنية الأكثر تضررًا من حيث حجم الدمار وعدد الضحايا. وتوفر ثورة الاتصالات والإنترنت فرصًا إضافية للعمل الخيري والتواصل مع المتبرعين وأصحاب الحاجات، وتستعد مبادرة "كرماء" الشبابية لإطلاق موقع إلكتروني على شبكة الإنترنت، وإصدار تطبيق خاص بالهواتف الذكية بنظام "أندرويد".
وقال هاشم نضال، 34 سنة، إن تطبيق "كرماء" سيتيح للأسر الفقيرة تحديد حاجاتها وأماكن وجودها الجغرافي، بينما يمكن للمتبرعين في المقابل من التحقق من توزيع تبرعاتهم وهوية المستفيدين منها. وعلاوة على انهيار الاقتصاد الضعيف أصلاً، وانتشار الأوبئة، تسببت الحرب الأهلية التي أشعلها الانقلاب المسلح للحوثيين، والقوات العسكرية الموالية للرئيس السابق، في نزوح نحو ثلاثة ملايين شخص ومقتل وإصابة عشرات الآلاف، معظمهم من المدنيين. وأعلن "التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان"، وهو منظمة غير حكومية، في تقرير أصدره الأسبوع الماضي، أنه وثق 715 حالة قتل و897 إصابة شهدها اليمن خلال الشهور الخمسة الماضية.
ووفق التقرير، تصدرت ميليشيات الحوثيين وصالح قائمة المنتهكين لحقوق الإنسان، بـ440 حالة قتل و772 إصابة، بينهم نساء وأطفال. وهكذا حل شهر رمضان هذا العام كارثيًا، ليس فقط على الفقراء والعاطلين عن العمل، بل وعلى الموظفين الحكوميين أيضًا، خصوصًا من هم في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الميليشيات الانقلابية، ويشكلون نحو 80% من إجمالي الموظفين الرسميين، البالغ عددهم اكثر من مليون موظف. وقالت الحكومة اليمنية، التي تتخذ من مدينة عدن عاصمة موقتة لها، إن توقفها عن صرف رواتب الموظفين في المحافظات الشمالية، منذ ثمانية شهور، سببه امتناع الميليشيات الانقلابية التي تسيطر على صنعاء، ومعظم مناطق الشمال، عن توريد الضرائب والجمارك إلى البنك المركزي في عدن، ليدفع المواطنون الثمن مرتين.
وسُجلت حالات انتحار بين الجنسين بسبب الجوع والأوضاع المزرية، وتداولت وسائل إعلام يمنية وناشطون قصة انتحار سيدة وطفلتيها بالسم، بعدما انسدت أمامهم سبل الحصول على الغذاء، وهي الحادثة الثانية خلال أقل من شهرين. وتوصف حرب اليمن بالحرب المنسية، خصوصًا في جانبها الإنساني. وفي تقرير قدمه أخيرًا إلى مجلس الأمن، أبدى المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، تشاؤمه من إمكانية حدوث انفراجة في الوضع اليمني على المدى القريب، خصوصًا من ناحية تعافي الاقتصاد وتحسن الوضع الإنساني، مشيرًا إلى أنه اقترح خطة لإدارة ميناء الحديدة وتسليم المرتبات، إلا أن الحوثيين رفضوا حتى مناقشتها.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر