كشفت السلطة القضائية العراقية، الثلاثاء، عن اعترافات أخطر موقوف على ذمة محكمة التحقيق المركزية في بغداد، أعلن خلالها عن خطة لتنظيم "داعش" تهدف إلى اقتحام قاعدة "إنجرليك" التركية. وتحدّث المتطرف، المدعو "أبو أسامة"، والذي ألقى جهاز المخابرات العراقي القبض عليه في مطار أتاتورك التركي، في عملية نوعية، عن توجيهات صدرت إليه بمراقبة القاعدة التركية، وتهيئة أماكن للانتحاريين المكلفين بمهاجمتها.
وذكر إعلام السلطة القضائية، في تقرير له، أن المتطرف "أبو أسامة" حاز شهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية من جامعة الموصل، والتحق بصفوف تنظيم "داعش" بعد فترة من احتلاله مدينة الموصل، في يونيو / حزيران 2014, وأشار "أبو أسامة" إلى أن الانضمام إلى عصابة "داعش" حصل في أحد الجوامع المعروفة في الموصل، مبينًا أن المشرف على توزيع المتقدمين تبيّن أنه ضابط كبير في الجيش السابق، يرتدي الزي المعروف بـ"القندهاري".
وأضاف: "عندما علم بخبرتي، وجّه بانضمامي إلى ديوان التطوير، حيث جرى إرسالي، برفقة 15 شخصًا آخرين، إلى جامعة الموصل، وتعلمنا هناك طرق صناعة العبوات والصواريخ، عبر تحويل أروقة الجامعة وبنايتها إلى ورش تفخيخ".
وأفاد المتطرف بأن المواد الأولية لمتفجرات العبوات كانت تأتي من مدينة المنبج السورية، في صناديق مغلقة، وبعد مضي فترة جاءت الأوامر من "داعش" للمدعو "أبو أسامة" بالانتقال إلى مدينة الرقة السورية، والمكوث في أحد فنادقها لأسابيع، ليتلقى بعدها توجيهات غريبة بالانتقال عبر الحدود إلى تركيا، والعيش فيها كشخص طائش غير ملتزم دينيًا وأخلاقيًا، بغية إبعاد الشبهات عنه. وقال: "التنظيم أرسل لي في البداية 15 ألف دولار، وأبلغني بضرورة السهر يوميًا في الملاهي، وإقامة علاقات غرامية مع فتيات الهوى، حيث مكثت في تركيا لأكثر من ستة أشهر، وتلقيت الأوامر من "أمير ديوان الجند" بأن واجبي هو رصد ومراقبة قاعدة "إنجرليك"، في مدينة أضنة، بغية استهدافها.
ويضيف المتطرف أنه استطاع الحصول على معلومات كبيرة أثناء رصد "إنجرليك" من أحد الأتراك، وعن سبب اختيار هذه القاعدة، أجاب "أبو أسامة" بأن التحالف الدولي كان يستخدمها في شن طلعات جوية ضد عناصر التنظيم في الموصل، فأراد تخفيف جزء من الضغط، لاسيما أن القوات العسكرية العراقية تحرز تقدمًا كبيرًا على الأرض، مضيفًا: "أعددت ملف كامل عن القاعدة ومقاسات ومساحات الطرق المؤدية إليها، بواسطة النظام الحسابي المتطور، وأرسلته إلى مسؤول ديوان الجند في الموصل، وألقت قوة تركية القبض عليّ في إحدى المرات، وسألتني عن سبب تواجدي في أضنة، وتذرعت ببحثي عن عمل، وتم إطلاق سراحي، وأبلغت المسؤولين في التنظيم بأن المخطط سيُكشف".
وأكمل المتطرف بالقول: "صدرت أوامر بالانتقال إلى ولاية جنوب أفريقيا على وجه السرعة، من خلال العاصمة السودانية، الخرطوم، وقبل ركوب الطائرة في مطار أتاتورك تم القبض عليّ، وإعادتي إلى بغداد، في نهاية العام الماضي".
وجاء نشر اعترافات "أبو أسامة" بالتزامن مع تقارير استخباراتية تفيد بأن تنظيم "داعش" يخطط لإرسال ما يعرف بـ "المهاجرين" من الجنسيات العربية والأجنبية للانتقال إلى بلدان أفريقيا وأوروبا، وباقي البلدان التي قدموا منها، لتنفيذ عمليات إرهابية، والبدء في تشكيل "ولايات" في بعض المناطق الرخوة، والاندماج وتفعيل الخلايا النائمة في تلك البلدان، وهو ما رصدته مراكز استخباراتية عراقية، وأخرى دولية، من خلال بيانات قيادات "داعش" المهزومة في المعارك في العراق، ومن بين البلدان والمدن التي ينوي التنظيم المتطرف استهدافها تركيا، والمنشآت الحيوية فيها.
وعلى الصعيد الميداني، كشفت قيادة عمليات صلاح الدين عن مقتل كامل طاقم الطائرة العسكرية٬ التي سقطت قرب بيجي، الأربعاء٬ مشيرة إلى أن الطائرة اصطدمت بعامود للكهرباء، نتيجة تحليقها المنخفض٬ فيما نفت أن يكون الحادث بسبب عمل إرهابي، في حين أعلن قائد عمليات الجزيرة في محافظة الأنبار أن قواته تمكنت من قتل 12 متطرفًا، في عملية أمنية استهدفت تجمعات التنظيم في منطقة الصكرة، جنوب قضاء حديثة، غرب الأنبار.
وقال مدير إعلام عمليات صلاح الدين٬ محمد الأسدي، في تصريحات إلى "العرب اليوم"٬ إن طائرة سقطت صباح الأربعاء، قرب بيجي٬ بسبب خلل فني، ما أدى إلى مقتل طاقمها، المتكون من طيارين اثنين، وفنيين اثنين".
وأضاف أن الطائرة كانت في تحليق منخفض٬ تسبب في اصطدامها بعامود للكهرباء٬ مشيرًا إلى أن القوات الأمنية فتحت تحقيقًا في الحادث. وأعلنت خلية الإعلام الحربي٬ في وقت سابق٬ سقوط طائرة تابعة لطيران الجيش، قرب قضاء بيجي، في محافظة صلاح الدين.
وفي محافظة الأنبار، أعلن قائد عمليات الجزيرة، اللواء الركن قاسم المحمدي، إن القوات العراقية، من الجيش والشرطة، شنت عملية عسكرية برية واسعة النطاق، استهدفت تجمعات "داعش" في منطقة الصكرة، جنوب قضاء حديثة، غرب الأنبار، مما أدى إلى مقتل 12 عنصرًا من التنظيم المتطرف، وتدمير مضافتين، مضيفًا أن القوات الأمنية تمكنت من تدمير أربع عجلات مثبت عليها سلاح رشاش من نوع "بكتا"، و"أحادية"، و"منصة لإطلاق الصواريخ"، مع تفجير عدد من العبوات الناسفة في منطقة الصكرة، القريبة من السواتر الأمامية لقضاء حديثة.
وأكد "المحمدي" أن الساعات القليلة المقبلة ستشهد انطلاق عملية تطهير المناطق الغربية للأنبار، بمشاركة قوات الجيش، وعمليات الجزيرة، والفرقة السابعة، وحرس الحدود، وقوات الشرطة، وأفواج الطوارئ، وبإسناد مقاتلي العشائر. فيما كشف مصدر أمني في قيادة عمليات الأنبار عن مقتل ثلاثة من الشرطة، وإصابة ثلاثة آخرين بجروح، في هجوم مسلح استهدف نقطة تفتيش في منطقة الكيلو 190، غرب الرمادي .
وقال المصدر إن عناصر من تنظيم "داعش" هاجمت مقرًا أمنيًا للقوات العراقية، في منطقة الكيلو 190، على الطريق الدولي السريع، غرب الرمادي، بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة، مما أدى إلى مقتل ثلاثة من عناصر الشرطة، وإصابة ثلاثة آخرين بجروح خطيرة.
وأضاف أن القوات الأمنية سارعت بالتوجه إلى منطقة الحادث، بحثًا عن المنفذين، الذين هربوا إلى المنطقة الصحراوية، فيما عززت قوات الشرطة مقراتها الأمنية في نقاط امتداد الطريق الدولي، خوفًا من وقوع هجمات مماثلة. ولفت المصدر إلى أن جميع الهجمات المتطرفة التي ينفذها تنظيم "داعش" ضد القوات العراقية تأتي من المناطق الصحراوية الواسعة، التي لم يتم تطهيرها حتى الآن من قبل القوات المشتركة، التي تنتظر ساعة الصفر لبدء عمليات الاقتحام والتحرير لقضاء عنه وراوه والقائم.
وبشأن معارك الموصل، بعد 80 يومًا من اندلاعها، بدت فكرة تخلي بغداد عن تحديد سقف زمني جديد لاستعادة مدينة الموصل من سيطرة تنظيم "داعش" بمثابة إحدى الفقرات الرئيسة في الخطة العسكرية الجديدة، والرابعة من نوعها، منذ انطلاق هذه المعركة، إذ أكد مسؤولون عراقيون في بغداد أن الحكومة والقادة العراقيين في الجيش، على حد سواء، يؤيدون عدم تحديد مواعيد أو سقوف زمنية جديدة لتحرير المدينة، بعد تعذر الموعد الأول والثاني، اللذين حددتهما الحكومة، فيما تفيد آخر معطيات المعارك الدائرة بأن القوات العراقية نجحت، بعد 80 يومُا من القتال، في تحرير 21 %% من إجمالي مساحة الموصل.
وأعلنت حكومة حيدر العبادي عن السقف الزمني الأول لتحرير الموصل في 26 ديسمبر / كانون الأول الماضي، قبل أن تعلن عن موعد جديد لتحرير الساحل الأيسر فقط من المدينة، قبل الأول من يناير / كانون الثاني، إلا أن ذلك لم يحدث.
وأكد عميد في الجيش العراقي أن فكرة تحديد مواعيد وسقوف زمنية غير مجدية، وتُعتبر مخاطرة بحياة الجنود والمدنيين المتواجدين أيضًا، كما أن الأميركيين لم يعودوا يضغطون على بغداد، كما كان قبل الانتخابات الأميركية، لتسريع وتيرة الهجمات.
وأضاف العميد، الذي يشرف على قيادة المحور الجنوبي الشرقي من الموصل، أن الخطة الجديدة قائمة على قضم الأحياء والأراضي بشكل تدريجي، وتعززت تلك الخطة مع تقارير أميركية تؤكد انخفاض عناصر تنظيم "داعش" من ستة آلاف إلى أقل من 3500 مقاتل، ما يعني أنهم يتعرضون لاستنزاف كبير خلال المعارك. وأكد الضابط، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن القرار النهائي هو عدم تحديد سقف جديد لنهاية معركة التحرير، وهو الأفضل حاليًا، في ظل تغييرات يومية تطرأ على محاور القتال.
وفي غضون ذلك، شهد الوضع الميداني في مدينة الموصل، الثلاثاء، مواصلة القوات العراقية المشتركة هجومها من ثلاثة محاور، بإسناد جوي وبري من قوات التحالف الدولي، إذ استمرت الطائرات الأميركية والفرنسية في التحليق في سماء المدينة، بينما قصفت المدفعية الأميركية والعراقية الأحياء الوسطى والجنوبية، وبعض الأحياء الشرقية.
ووفقًا لمصادر عسكرية عراقية، فإنه تم تحقيق تقدّم جيد في المحورين الشرقي والجنوبي، على عكس المحور الشمالي، الذي لم يتحقق فيه أي تقدّم ملحوظ، بسبب كثافة العمليات الانتحارية التي نفذها "داعش" في تلك المنطقة. وأفاد بيان للجيش العراقي بأنه تم إكمال السيطرة على حي الكرامة، ومبنى شركة مرسيدس، وأجزاء كبيرة من الحي الصناعي في الساحل الأيسر، عبر المحور الشرقي، إلا أن مصادر عسكرية أخرى أكدت استمرار الاشتباكات ومعارك الكر والفر ضد عناصر تنظيم "داعش"، في مناطق أعلنت القوات العراقية سيطرتها عليها سابقًا، في أحياء الميثاق والكرامة والقدس والقادسية الثانية.
أما في المحور الشمالي، فقال العقيد ناظم ريسان، من قوات الفرقة 16 التابعة للجيش العراقي، إن قطعات الجيش العراقي تحاصر الآن حي الحدباء من ثلاث جهات، وهو أكبر الأحياء الشمالية في مدينة الموصل بعد أن فرضت سيطرتها على منطقتي السادة والعركوب المجاورتين، بإسناد جوي من الطيران العراقي وطيران التحالف الدولي، فيما أفادت مصادر عسكرية بأن ما لا يقل عن 40 عسكريًا عراقيًا سقطوا خلال معارك الثلاثاء، ضد تنظيم "داعش" في الموصل، على مختلف محاورها.
وقال الخبير في الشؤون الأمنية العراقية، اللواء المتقاعد أحمد حسين، إن المعارك قد تستغرق وقتًا مماثلاً للفترة التي مرت منذ بدء المعارك، مضيفًا: "المعركة معقدة للغاية بفعل طبيعة الموصل الجغرافية، وتخطيط أحيائها ومناطقها السكنية، لذا يمكن اعتبارها معركة طويلة، وأي تسريع فيها سيؤدي إلى كوارث حقيقية في صفوف السكان المحاصرين داخلها"، معتبرًا أنها أضخم عملية تحرير رهائن عبر التاريخ.
وفي غضون ذلك، أجبرت العمليات العسكرية الجارية في الأحياء الشرقية والجنوبية لمدينة الموصل المدنيين على النزوح في اتجاه المناطق الشرقية للمدينة، بحثًا عن مناطق أكثر أمنًا، بعد اشتداد المعارك وعمليات القصف المكثف، التي تعرضت لها مناطق الانتصار والميثاق والسلام، جنوب شرقي الموصل.
ووصلت مئات الأسر إلى منطقة كوكجلي، شرق الموصل، سيرًا على الأقدام، وهي ترفع الأعلام البيضاء، هربًا من مناطقها التي تحوّلت إلى ساحات معارك، فعناصر تنظيم "داعش" لا يترددون في تنفيذ عمليات انتحارية، بعربات مفخخة بين المنازل، لعرقلة تقدّم القوات العراقية، كما لا تتردد القوات العراقية في استخدام المدفعية الثقيلة والصواريخ في قتالها ضد التنظيم، في مناطق الموصل المزدحمة بالسكان.
وحتى الآن، نجح 150 ألف مدني في الفرار من الموصل، وفقًا لوزير الهجرة العراقي، محمد الجاف، الذي أكد، في مؤتمر صحافي، أنهم وصلوا إلى مخيمات إيواء، وغالبيتهم نساء وأطفال فروا من مناطق القتال. وأكد نازح من منطقة الانتصار، الواقعة جنوب شرقي الموصل، بعد وصوله إلى مخيم الخازر، أن قوات الشرطة الاتحادية والتدخّل السريع التابعة للجيش العراقي طلبت من السكان مغادرة منازلهم، والذهاب إلى مخيم الخازر، مشيرًا إلى أن قوات الشرطة الاتحادية وقوات الجيش بدأت في استخدام الأسلحة الثقيلة في قتالها، في مناطق جنوب شرق الموصل، بعد أن أخرجت العائلات منها.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر