انتقد سياسيون يمنيون ما وصفوه بـ«التدليل الدولي» للميليشيات الحوثية، بخاصة بعد حرص الجماعة المدعومة من إيران على إفشال المساعي الأممية والدولية لإحلال السلام في اليمن، بما في ذلك اجتماعات مسقط الأخيرة التي قادها المبعوثان الأممي مارتن غريفيث والأميركي تيم ليندركينغ.
وفي حين يوشك الأول أن يغادر الساحة اليمنية إلى مهمة أممية جديدة بعد ثلاث سنوات قضاها من «الحرث في بحر الأزمة اليمنية»، حيث اصطدم طوال هذه الفترة بتعنت الحوثيين ومراوغاتهم في شتى الملفات المطروحة، شدد السياسيون اليمنيون على أهمية أن يتخلى المجتمع الدولي عن سياساته الراهنة لاتخاذ تدابير أكثر حزماً مع الجماعة التي تراهن على الوقت للتمدد عسكرياً في سياق سعيها لإطالة أمد الانقلاب واستكمال «حوثنة» المجتمعات المحلية الخاضعة لها.
- جماعة غير معنية بالسلام
في هذا السياق، يجزم الأكاديمي اليمني والسياسي الدكتور فارس البيل، أن الميليشيات الحوثية ومن ورائها إيران ليست معنية بالسلام ومساراته؛ «لأن السلام والدخول في عملية سياسية يعني القضاء على وجود ومهمة ميليشيا الحوثي العسكرية؛ ولأن إطفاء نار الحرب التي أشعلتها إيران يخمد مشروعها الاستراتيجي للسيطرة والنفوذ في المنطقة»
ويرى البيل، أن ذلك «يفسر بوضوح إفشال كل رؤى السلام ومبادراته لليمن؛ إذ إن إيران لم تنشئ وتدعم ميليشيا الحوثي لتتحول إلى مجرد فصيل سياسي، وإن كانت هذه وسيلتها المرحلية في البدايات، لكنها الآن ترى في الحوثي ذراعها العسكرية الأمكن في المنطقة، وترى أن تراجعها عما حققته من مكاسب عسكرية، هو إخفاق لاستراتيجيتها».
وبما أن هذه الغاية أصبحت واضحة أمام المجتمع الدولي «فعلى المجتمع الدولي - كما يقول البيل - أن يغير من آماله ورؤاه وخططه لتحقيق السلام في اليمن؛ لأن الحوثي لا يعنيه المستقبل السياسي في اليمن بقدر ما يهمه النفاذ في تحقيق مقاصد إيران التوسعية».
ويضيف الدكتور البيل «هذا الرفض الحوثي المستمر جاء رداً على التحركات الكثيفة لتحقيق السلام، كي لا يعود إلى الوراء، وإذا ما رضخ لهذه الضغوط فهو رضوخ مرحلي غير صادق، كما خبرنا ميليشيا الحوثي عبر كل الجهود من بدايات الحرب».
في المقابل يرى البيل، أن «على الحكومة الشرعية أن تدرك هذا الأمر وتتخذ التدابير المناسبة كي لا تجرها ميليشيا الحوثي إلى صفقات مرحلية لا تأتي بسلام حقيقي لليمن، أو أن تفرض الأطراف الوسيطة صيغ سلام منقوصة تؤجل الصراع ولا تحل المشكلة».
ويعتقد أن «تمسك الحكومة بثوابت السلام التي تعلنها دون انتقاص هو المهم الآن، مع ضغط عسكري مستمر وإنقاص لقدرات الحوثي وسيطرته ينبغي أن يتصاعد»، حيث لا يخفي البيل مخاوفه من حلول «ربما تفرض ولا تمنح اليمنيين سلاماً حقيقياً بعد كل هذا العناء، ولا تهزم مآرب الحوثي ومهماته».
- بيدق بيد النظام الإيراني
وكيل وزارة الإعلام اليمنية فياض النعمان لم يستغرب من رفض الجماعة للمقترحات الأممية والدولية وآخرها إفشال اجتماعات مسقط، ويقول لـ«الشرق الأوسط»، «ليس بجديد أن تتعامل الميليشيات الإرهابية الحوثية بهذا الأسلوب غير المسؤول مع جهود السلام الرامية لإنهاء الانقلاب والحرب التي أشعلتها ذراع إيران في اليمن؛ فقد رفضت كل المبادرات المقدمة من قبل السعودية والمجتمع الدولي، وهذا هو مشروعهم ومشروع ممولهم الذي يهدف لاستخدام الملف اليمني خدمة لمشروع إيران النووي مع العالم».
ويصف النعمان رفض الميليشيات الحوثية لكل جهود السلام بأنه «يؤكد المؤكد لدى الشعب اليمني والمجتمع الدولي بأن الجماعة مجرد بيدق بيد مشروع ولاية الفقيه والحرس الثوري الإيراني، وأن قادتها بلا قرار سياسي أو عسكري» فإيران - كما يقول «أفشلت المباحثات والمشاورات في السابق وستستمر في إفشال أي جهود للسلام في اليمن إذا لم تحقق مصالحها في المنطقة».
ويرى النعمان، أن الحكومة اليمنية ومعها التحالف الداعم لها معنيون اليوم «بالضغط على المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن لتنفيذ كل القرارات الدولية الصادرة تحت الفصل السابع بالقوة العسكرية والاتفاقات التي رعتها الأمم المتحدة في استوكهولم وعدم إعطاء أي فرصة للميليشيات الحوثية وإيران للاستمرار في المراوغة والتنصل عن تحقيق السلام وفق المرجعيات».
ويعتقد وكيل وزارة الإعلام اليمنية «أن استمرار التعامل السلبي للأمم المتحدة والمجتمع الدولي مع ميليشيات انقلبت على الدولة والتوافق الوطني لن يحقق سلاماً ولن ينهي الحرب»، كما أن هذا التعامل الذي يصفه بـ«العقيم» لن يستعيد الدولة ولا بد من إجراءات حازمة على الطرف المعرقل للسلام؛ حتى لا تستمر معاناة اليمنيين تحت إشراف الأمم المتحدة ومجلس الأمن».
- التفاوض لكسب الوقت
غير بعيد عن هذا الطرح، يقول الكاتب والصحافي اليمني وضاح الجليل في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إن «الجماعة الحوثية منذ 2014 وهي تستخدم المشاورات ولقاءات البحث عن حل سلمي للأزمة اليمنية وسيلة لكسب الوقت والتغطية على تحركاتها الميدانية ومحاولة تحقيق تقدم على الأرض».
وفي حين يذهب الجليل إلى أن «هذا الأمر الذي لم تفطن إليه مختلف القوى المعنية بالأزمة اليمنية، أو أنها تعلمه وتساعد الحوثيين على تحقيق أهدافهم»، يتابع بالقول «كل اللقاءات والمشاورات والاتفاقات السابقة باءت بالفشل بسبب رفض الحوثيين تقديم تنازلات حقيقية، وهو الأمر الذي يتماشى مع طبيعة هذه الجماعة الطائفية المناطقية الإرهابية».
وفي اعتقاد الكاتب والصحافي وضاح الجليل، فإن «الجماعة لن تقدِم على تقديم تنازلات حقيقية أو الدخول في مفاوضات جدية؛ إلا عندما تجد نفسها تحت ضغط دولي حقيقي يرفع الغطاء عنها، وإجراءات ميدانية تطبق العقوبات المفروضة عليها وأولها وقف تدفق السلاح إليها».
ويضيف «هذه الميليشيا تستثمر في الوقت وتلعب في المساحات التي تتيحها لها الأطراف الدولية، لدرجة أنها تتعامل بشكل مهين مع مبعوث الأمم المتحدة في أكثر من مناسبة وفي أكثر من مكان».
وعن مآلات هذا الرفض الحوثي لمبادرات السلام، يرى الجليل، أن ذلك سيؤدي «إلى تعقيد المشهد الميداني وزيادة العنف، حيث تسعى هذه الميليشيات إلى السيطرة على مأرب في أقرب وقت، فرغم فشلها طوال الأشهر الماضية؛ فإنها لم تيأس بعد، وما زالت تتحرك وكأن لديها ضوءاً أخضر من الأطراف الدولية لحسم المعركة هناك، وبالتالي السيطرة على أهم معاقل الحكومة الشرعية وإزاحتها إلى الهامش، والدخول في عملية تفاوضية جديدة يستطيعون فيها فرض إملاءاتهم وشروطهم المعقدة».
وفيما يتعلق بالسلطة الشرعية يقترح وضاح الجليل أن عليها «دعم الجيش والمقاومة في مأرب وتحويل العملية العسكرية هناك من دفاع إلى هجوم، ودفع الميليشيات بعيداً عن مأرب بما يجعلها محمية من إمكانية اقتحامها، أو حتى تهديدها بالاقتحام أو القصف المدفعي والصاروخي؛ لأن التحول في مسار المعركة على الأرض هو الكفيل بكسر غطرسة الحوثيين وإجبارهم على تقديم التنازلات»، بحسب تعبيره.
- أسباب تكتيكية
من جهته، ينظر الكاتب والإعلامي اليمني أحمد عباس إلى هذا التعنت الحوثي على أنه يحمل «دلالة واضحة تفيد بأن هذه الجماعة لا تريد السلام، فهي لا تؤمن به أصلاً ولا ترى إلا ما يوافق مصالحها».
ويشرح عباس أسلوب الجماعة مع المفاوضات ويقول «في أوقات سابقة ولأسباب تكتيكية كانت الحركة الحوثية توافق على الذهاب للمشاورات كما رأينا في مباحثات جنيف ومشاورات الكويت؛ لأنها كانت في موقف ضعف وتتعرض لضغوطات قوية، وما إن تخف هذه الضغوط أو ترى الجماعة نفسها في موقف قوة، إلا وترفض كل المبادرات كما هو الحال في رفضها المبادرة السعودية والمبادرات الأممية والأميركية؛ لأنها ترى نفسها الآن في موقع الهجوم، وتفسر كل تلك المواقف والمبادرات على أنها إشارات إيجابية واعتراف بالواقع، كما أن شطبها من قوائم الإرهاب جعلها تتعنت بشكل كبير وترفض كل مساعي السلام».
ولا يستبعد الكاتب والإعلامي اليمني أحمد عباس، أن تكون الجماعة وصلت إلى يقين بأنها باتت بعيدة عن العقاب وأن المجتمع الدولي سيدللها ولن يتخذ مواقف حازمة تجاهها.
لذلك؛ يعتقد عباس أن على الحكومة الشرعية - وهي المعول عليها بدحر الانقلاب واسترداد مقدرات الدولة من أيدي هذه الميليشيا - «ألا تكون مواقفها عبارة عن ردود أفعال تجاه ما يقوم به الحوثي على المستوى العسكري أو السياسي، ويجب عليها ألا تعول كثيراً على المجتمع الدولي والأمم المتحدة التي تحولت مهمتها في اليمن إلى تغيير مبعوث تلو آخر، وفي كل مرة يبدأ من الصفر للشروع في تجربة فاشلة جديدة».
قد يهمك ايضا:
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر