يؤدي دونالد ترامب اليمين الدستورية، الجمعة، ليصبح الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأميركية، ويتسلّم قيادة البلد الذي يعيش حالة انقسام بعد أن فاز بالانتخابات، ليضع واشنطن على مسار جديد يلفه الغموض في الداخل والخارج. وفي مراسم يرجّح أن يحضرها 900 ألف شخص، من بينهم محتجون، يؤدي ترامب ونائبه مايك بنس اليمين في الساعة (17:00 بتوقيت غرينتش) خارج مبنى الكونغرس الأميركي، وسيقود المراسم رئيس المحكمة العليا القاضي جون روبرتس.
ويتوقّع أن يكون هناك آلاف المحتجين ضد ترامب بين الحشود التي ستحضر مراسم التنصيب. ويبدأ ترامب ولايته بكلمة تستغرق نحو 20 دقيقة كتبها بنفسه بالتعاون مع كبار مساعديه. وقال شون سبايسر، المتحدث باسم ترامب، إن الكلمة "ستكون عرضا شخصيا وملخصا للغاية بشأن رؤيته من أجل البلاد". وحين يدخل ترامب (70 عاما) البيت الأبيض، فإنه سيحتاج إلى بذل جهد لتحسين صورته. وخلال فترة انتقالية شهدت توترات منذ فوزه المفاجئ بالانتخابات في نوفمبر/تشرين الثاني خاض مرارا هجمات على موقع "تويتر" ضدّ منتقديه.
وأظهر استطلاع أجرته شبكة (إيه.بي.سي) نيوز بالتعاون مع صحيفة واشنطن بوست، أن 40 في المائة من الأميركيين ينظرون إلى ترامب بإيجابية، وهو أدنى مستوى من التأييد لرئيس قادم منذ الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر عام 1977. وجاء تعبير ترامب عن رغبته في تحسين العلاقات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن والتهديدات بوقف التمويل لدول حلف شمال الأطلسي، ليثيرا قلق حلفاء الولايات المتحدة من بريطانيا إلى دول البلطيق من تراجع الدعم الأمني التقليدي الذي توفره لها واشنطن.
وبالنسبة للشرق الأوسط، قال ترامب إنه يريد نقل السفارة الأميركية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، وهو ما يهدّد بإغضاب العرب. ولم يحدد بعد كيف يخطط لتنفيذ وعد قطعه خلال حملته الانتخابية بالقضاء على "داعش". وتجرى الاستعدادات والتدريبات لتنقل المواكب والوفود كافة خلال يوم تنصيب الرئيس الجديد دونالد ترمب على قدم وساق منذ أسابيع تحضيراً للحظة القسَم التي تسمح بدخول ترامب البيت الأبيض.
وفي هذا السياق، يقول الخبير في مراسيم نقل السلطة، دان مهافي، من مركز دراسة الكونغرس والرئاسة، إن "الدستور الأميركي يتطلب فقط أداء اليمين، كل البقية هي أُبهة وتقاليد ومراسيم!". وينطلق النهار بصلاة في كنيسة سانت جونز المتاخمة للبيت الأبيض، يلي ذلك لقاء بين الرئيس والرئيس المنتخب في المكتب البيضاوي ومن ثم رحلة طولها ثلاثة أميال إلى مبنى الكونغرس، حيث يتم أداء القسم الذي يديره رئيس المحكمة العليا. يتبع ذلك خطاب رئاسي ومأدبة غداء يليها موكب يعود بالرئيس الجديد إلى البيت الأبيض.
ومن الطرائف التاريخية أن حفل تنصيب الرئيس الأميركي الأول، جورج واشنطن، لم يتم في واشنطن التي حملت اسمه، بل في العاصمة القديمة للولايات المتحدة، أي نيويورك. أما الرئيس توماس جيفرسون فهو الذي أتى بتقليد المشي سيراً على الأقدام من مبنى الكونغرس حتى البيت الأبيض. ويتفاوت عدد الأميركيين الذين يحضرون مراسم التنصيب بين عام وآخر، حيث شارك نحو 300 ألف شخص في حفل التنصيب الأول للرئيس جورج بوش الابن، ونحو مليوني شخص حضروا تنصيب الرئيس الأفريقي الأميركي الأول، باراك أوباما عام 2009، بينما يتوقع حضور نصف هذا العدد في حفل تنصيب ترامب.
هذا وقد وصل أمس الخميس ترامب إلى قاعدة جوية في واشنطن، برفقة زوجته ميلانيا وأفراد من عائلته على متن طائرة حكومية بعد أن اعتاد التنقل بطائرته الخاصة. كما شهدت واشنطن الخميس بحضور ترامب وعائلته حفلا ضخما تحت شعار "لنجعل أميركا عظيمة مجددا" وهو الشعار الذي رفعه ترامب في حملته الانتخابية. وتشهد واشنطن إجراءات أمنية مشددة، إذ فرض طوق أمني بمساحة نحو 8 كيلومترات من وسط واشنطن فضلا عن الاستعانة بقرابة 28 ألف عنصر أمن لحماية الحفل واستخدام سياج يمتد لعدة كيلومترات وحواجز طرق وشاحنات محملة بالرمل.
ومن المرتقب أن تكون المنطقة التي يقام فيها حفل تنصيب ترامب، مغلقة بشكل معزّز أكثر مما كان الوضع عليه قبل أربع سنوات، بحسب وسائل إعلام محلية. ومن جهتها تتوقع الشرطة أن يتدفق نحو 900 ألف شخص من المؤيدين والمناوئين لترامب على حد سواء إلى ساحة الاحتفال لحضور المراسم. وفي المقابل، امتنع أكثر من 50 نائبا ديمقراطيا في مجلس النواب عن حضور المراسم، فضلا عن شخصيات فنية من هوليوود، أعربت عن رفضها لمواقف الرئيس الأمريكي المنتخب إزاء الأقليات الدينية والعرقية. وحصلت نحو 30 جماعة من المعارضين والمؤيدين لترامب على تصاريح بتنظيم تجمعات حاشدة أو مسيرات قبل وأثناء وبعد التنصيب. ومن المتوقع تنظيم مزيد من الاحتجاجات دون تصاريح. وأكدت الشرطة ومسؤولو الأمن عدة مرات أنهم ملتزمون بضمان الحقوق الدستورية للمحتجين في حرية التعبير والتجمع السلمي.
وولد الملياردير ترامب في كوينز، إحدى ضواحي ولاية نيويورك الأميركية، في 14 يونيو/حزيران عام 1946، لأب كان تاجر عقارات، كوّن ثروة تعدت البضعة ملايين من الدولارات. وأم تنحدر من أصول اسكتلندية. وتخرج ترامب من كلية وارلتون بجامعة بنسلفانيا الأميركية التي تحتل مركزا متقدما بين الجامعات بالبلاد في مجال الاقتصاد وإدارة الأعمال. وانضم للعمل في شركة والده "إليزابيث ترامب أند سن"، ليغير اسمها لاحقا إلى "ترامب أورغانايزيشن". ويصبح مديرا عاما لها عام 1971، ويقوم بتوسيعها.
وبدأ ترامب حينها يركّز على بناء مبان ضخمة، بتصميمات أفضل، ساهمت في تعزيز سمعة شركته في مجال العقارات بالولايات المتحدة. وفي عام 1973 قدمت الحكومة الفيدرالية شكوى ضده، تتهمه بالتمييز بين مستأجري عقاراته على خلفيات "عنصرية"، الاتهامات التي نفاها ترامب. وانتهت القضية بالتسوية بعد أن تعهد بتدريب العاملين لديه على قانون السكن العادل، والتعريف بممارسات شركته لتنفيذ القانون.
ومع نهاية السبعينيات بدأ ترامب يتجه للاستثمار بالكازينوهات، إذ امتلك 3 من أكبر الفنادق والكازينوهات في "أتلانتيك سيتي" بنيو جيرسي، أحدها كان "تاج محل" أكبر ملهى في العالم، إلا أنه أغلق أبوابه العام الماضي بعد أن أفلس وخسر ترامب، ما تبقى من حصته فيه. وفي منتصف تسعينيات القرن الماضي واجه ترامب إفلاسا وشيكا، حين ارتفعت مديونيات شركته، وواجهت نقصا حادا في السيولة المالية، حتى قدرت مجلة "فوربس" ما يملكه في ذلك الحين بـ500 مليون دولار، بينما كان مديونا بـ900 مليون دولار. إلا أنه عاد ليعلن أن ثروته استعادت نموها ووصلت إلى 2 مليار دولار، مع نهاية التسعينيات.
وفي عام 2004 أذاع ترامب برنامج"ذي ابرينتيس"، وكان يتسابق فيه مبتدئون في عالم إدارة الأعمال والعقارات على وظائف في شركة ترامب العملاقة "ترامب أورغانيزيشن" وفي عام 2005 افتتح دونالد ترامب "جامعة ترامب الهادفة للربح، والتي قدمت محاضرات في مجالات التطوير العقاري، وإدارة الأعمال، وتكوين وتنمية الثروات. وواجه المشروع عددا كبيرا من الصعوبات القانونية، نتيجة رفع الكثير من الدعاوى ضده، التي سواها ترامب مقابل ملايين الدولارات.
ويمتلك ترامب كذلك "مؤسسة دونالد جاي ترامب" التي تقدم تبرعات للمشروعات غير الهادفة للربح، التي أسهها عام 1988. إلا أن تقارير أفادت بأن المؤسسة لم تحصل على أموال من ثروة ترامب منذ عام 2008، وأن أموالها، منذ ذلك الحين، تأتي من ممولين آخرين. وأعلن ترامب نيته الترشح لرئاسة الولايات المتحدة عن الحزب الجمهوري في 16 يونيو/حزيران 2015، وفاز في الـ8 من نوفمبر/تشرين الثاني 2016، بالانتخابات الرئاسية الأميركية. وترامب متزوج من ميلانيا كناوس، عارضة الأزياء من أصل سلوفيني، تصغره بعشرين عاما. تزوج ترامب مرتين قبل كناوس. ولديه ثلاثة أبناء، هم دونالد جونيور، وإيفانكا، وإيريك، يعملون جميعهم معه في شركة "ترامب أورغانايزيشن".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر