يمعن عبد الله أحمد، الموظف الحكومي في تعز، نظره صوب كومة نفايات تركت على شارع المدينة، يزفر غاضبًا ويقول "نعيش في وضع صعب وسط حصار مطبق من قبل الميليشيات الانقلابية لا تعرف الرحمة، ولا تستمع لأنين أطفالنا وصراخ أمهاتنا ونسائنا، وقصف مستمر على منازلنا ويقول إن "الأسعار مرتفعة " عندما نسأل التاجر أو بائع الخضراوات، لماذا هذا الارتفاع، يجيب بأن المنافذ غير مستقرة، ولا سبيل إلا منطقة الأقروض في مديرية المسراخ جنوب تعز، وعبر طرق جبلية ووعرة؛ ما يجعل فاتورتها تتضاعف حتى يوازنها جيب المواطن".
ويأتي ذلك في الوقت الذي صرّح فيه وكيل محافظة تعز، المهندس رشاد الأكحلي، بأن الجهود الحالية تتركز في المحافظة على ثلاثة محاور: دمج المقاومة بالجيش الوطني، الوضع الأمني، وإعادة مؤسسات الدولة للعمل.
وتحدثت مصادر صحافية مع سكان من تعز، فقالوا: إن أسواق المدينة - على غير عادتها - تشهد إقبالًا يقل مع مرور الوقت شيئًا فشيئًا، بعدما كانت جميع أسواق المدينة، بما فيها السوق المركزية في شارع جمال وسط المدينة، يشهد كثافة هائلة للقادمين من القرى المجاورة والمحافظات، والسؤال عن السبب قد يكون أكثر استخفافًا بمعاناة التعزيين؛ فهو ومن دون أدنى شك، نتيجة الحصار الذي تجاوز عامين للمحافظة.
ويقول الأكحلي: إن المحافظة "تواجه منذ أكثر من عامين حربًا عبثية من قبل ميليشيات الحوثي وصالح الانقلابية، حيث اتسمت هذه الحرب بالوحشية مع فرض حصار خانق تعرضت خلاله المحافظة لجرائم تدمير ممنهج للبنية الأساسية، كما طال التدمير المؤسسات الحكومية والمصالح الخاصة ومساكن المواطنين، وبات القتل سلوكًا يوميًا ناجمًا عن نهج الميليشيات المتمثل في القصف المتواصل على الأحياء والشوارع والساحات والأسواق بمختلف تنوع أحجام ومقاسات أسلحتها".
ويضيف الوكيل: "لقد بلغت معاناة أبناء تعز جراء هذه الحرب اللاأخلاقية وضعًا إنسانيًا قاسيًا ومؤلمًا، طال كل النواحي المعيشية والحياتية للمواطنين، والمؤكد أن خطورة ذلك تتصاعد مع كل يوم، في حين بلغ صبر أبناء تعز حدًا لا يطاق، واتسعت دائرة الفقر والجوع بشكل مخيف في المجتمع الذي لطالما كان يومًا ما ميسورًا".
ويتابع الوكيل: "انقطع الإمداد الإغاثي من عام إلا من بعض الأعمال الإغاثية المحدودة وغير المنظمة في توزيعها، الذي يعود لجهد بعض المنظمات العاملة في العمل الإغاثي"، وأكد أن "مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية أكثر جهة تقدم الدعم الإغاثي"، وقال إن "ما تحتاج إليه المحافظة 500 ألف سلة غذائية شهريًا، وهذا الرقم يحتاج إلى برنامج إمداد إغاثي منظم ومنتظم".
وشدد الأكحلي على تأكيده بأن "عملية حجز ومصادرة شاحنات الإغاثة القادمة إلى تعز من قبل الانقلابيين لا تتوقف، حيث كان آخرها مصادرة أكثر من مائتي شاحنة من نحو أقل من أسبوع، ولا شك أن استيلاء الانقلابيين المتكرر على الإغاثة القادمة لتعز قد حرم المحافظة من إمداد إغاثي كان يمكن أن يفيد في محاولات التخفيف من معاناة الناس، وكل هذا ليس مستغربًا من جماعة امتهنت القتل وفرض الحصار ولا يقيمون اعتبارًا للأعراف والقوانين الدولية، وكل ما يبدعون فيه هو القتل وقرصنة ونهب المواد الإغاثية"
وتساءل عن سبب "صمت وإصرار المنظمات الدولية الإغاثية إدخال هذه المساعدات عبر الحديدة، وهي تعلم فشلها المتكرر في حماية وإيصال هذه المساعدات، وعجز المنظمة الأممية عن تنفيذ قراراتها"، ولم تقتصر المعاناة في تعز من التوزيع العادل للمساعدات الإغاثية أو القصف المستمر وحصار المدينة المطبق من قبل الميليشيات الانقلابية أو غياب كلي للماء والكهرباء والمياه النظيفة والتعليم والإصحاح البيئي وغيره الكثير، وأردف قائلًا: إن ميليشيات الحوثي وصالح الانقلابية تريد استمرار حصارها على تعز من أجل "إبقاء تجويع وتفاقم مضاعفاته؛ الأمر الذي مثل خطرًا حقيقيًا على الوضع الإنساني".
وبشأن التحذيرات بأن اليمن مقدِم على أكبر كارثة إنسانية، وما ستؤول إليه تعز مع استمرار حصارها من قبل الميليشيات الانقلابية، شدد وكيل المحافظة بقوله إن "الوضع الإنساني في المحافظة تجاوز مرحلة التحذير التي طالت، وبلغ الحال حدًا لا يفيد معه إلا التدخل العاجل استجابة لنداء عاجل نطلقه من اقتراب كارثة إنسانية، كما أن هذا الوضع الإنساني الكارثي يهدد المحافظة جراء حصار الانقلابيين وما يمارسونه من قرصنة لنهب ومنع دخول المواد الإغاثية من ناحية، والصمت المحير والمستغرب من المنظمات الدولية الإغاثية".
ويرى الأكحلي أن "هذه الميليشيات لا تريد إنهاء الحرب للمرجعيات الثلاث، وبذلك يتأكد مع كل يوم يمر أن تراجع هذه الجماعة وجنوحها للسلم أمر ليس واردًا لديها، فلا مجال أمام الشرعية إلا هزيمة هذا النهج العدواني والمتوحش".
وأكد أن "السلطة المحلية تعمل جاهدة لتعافي أوضاع المحافظة، وقد تم التحرك بمسارات ثلاثة متداخلة تمثل أهدافًا حرجة، لا يمكن للسلطة المحلية السير باتجاه تعافي المحافظة واستقرارها إلا بإنجاز هذه الأهداف أولًا، وهي: دمج المقاومة بالجيش الوطني، الوضع الأمني وإعادة مؤسسات الدولة للعمل"، مشيرًا إلى أنهم قد قطعوا شوطًا طيبًا بذلك، لكنهم لا يستطيعون القول إنهم قد نجحوا، والإيجابي هنا أنهم لم يتوقفوا، ومن دون الدخول في التفاصيل يمكننا القول إن ترابط المسارات قد أثر على مستوى ما تحقق من تقدم على مستوى المسارات الثلاثة".
ويعود الموظف الحكومي عبد الله أحمد ليقول إن المساعدات الإنسانية ستصل لو فتح المجال أمام من يوصلها، لكنها "لن تصل من تلقاء من نفسها"، كما يشير إلى أنه فقد جزءًا غاليًا من ذكرياته التي "شوهتها هجمات الانقلاب وقصفه"، مضيفًا أن أبناءه أيضًا فاتهم ما استمتع به وهو في مراحل حياتهم، نزهة الريف والاستمتاع بصناعة الذكريات في مديريات المحافظة، وشاطئها الغربي، وطبيعة جنوبها.
ويحمل عبد الله أحمد أكياس الخضراوات وبضع حبات من البرتقال معه ليعود إلى منزله، وأطفاله الأربعة، وكله أمل بأن "ينقشع الحصار"، وأن تحتفظ مدينته بما تبقى منها، وأن يعوض ما فات أطفاله من ذكريات لم يصنعوها.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر