شكّلت الأندية الثقافية في مدينة عدن، خلال ثلاثينات القرن الماضي، خطوة أولى على طريق وحدة الحركة الوطنية في شمال اليمن وجنوبه، ويأتي ذلك من خلال الأعمال، والاسهامات التي قامت بها بعض الأندية، من خلال البعثات التعليمية التي ابتعثتها إلى بعض الأقطار العربية، أو الأدوار التي لعبها بعض رؤساء الأندية بهدف إصلاح أوضاع البلاد، ويأتي في مقدّمة تلك الأندية 'نادي الإصلاح العربي'، في 'الشيخ عثمان'، ورئيسه الأستاذ أحمد محمد سعيد الأصنج.
تأسس 'نادي الإصلاح العربي الإسلامي'، عام 1930م، في مدينة 'الشيخ عثمان'، وقد سعى إلى تأسيسه عدد من مثقّفي وشباب المدينة، وتولّى رئاسته أحمد محمد سعيد الأصنج، أحد أبرز مثقّفي اليمن في النّصف الأول من القرن العشرين.
وكان من أهم أهداف 'نادي الإصلاح' في 'الشيخ عثمان':
1- العمل على رفع مستوى الأخلاق بين الناس.
2- محاربة الدَّجل والخرافات والعادات الدّخيلة على الإسلام.
3- نشر العلم، وتنشيط المعارف، وتوسيع قاعدة المثقفين.
4- السعي لتوظيف العاطلين في الدوائر الحكومية والمؤسسات التجارية.
[علوي عبدالله طاهر، "الهيئات الشعبية اليمنية- القسم الرابع"- ص76، "مجلة الإكليل"، عدد 2، السنة 6، 1988].
كان الأصنج متأثراً بروَّاد النهضة العربية في مصر، وبلاد الشام، والمغرب العربي، وقد ارتبط بعلاقة وثيقة، وقوية بالشيخ عبدالعزيز الثعالبي، الزعيم التونسي الأشهر، وحاول أن يقتفي أثره، وانتهج طريقه إلى إصلاح المجتمع، عبر التعليم، ونشر المعرفة، ومحاربة الآفات الاجتماعية التي تنخر جسد المجتمع، وتقديم النّصح للإمام في صنعاء، والضغط على المستعمر لتحقيق عدد من الإصلاحات التي تخدم السكان.
وقد سعى 'نادي الإصلاح العربي الإسلامي' للضغط على الاستعمار البريطاني في الجنوب، بحيث رفع مطالب إلى حاكم عدن لتحقيق بعض الاصلاحات والمنجزات، لصالح سكان مدينة عدن، وقام بالتوقيع عليها عدد من أبناء المستعمرة، وقد تم إرسال تلك الوثيقة إلى حاكم عدن البريطاني، بحسب المؤرخ اليمني سلطان ناجي "بتأريخ 16 إبريل 1940م"، وفيها يطالبون بتحقيق ما يلي:
1- رفع مستوى التعليم في عدن لدرجة عالية، تمكِّن الطلاب -من أبنائها- من الاندماج في الجامعات الكُبرى لطلب الهندسة وغيرها.
2- إرسال الطلبة من عدن لطلب العلم في الخارج على نفقة الحكومة.
3- تعليم الكيمياء والعلوم للطلبة في عدن.
4- تعليم الطلبة إلى مستوى يُؤهلهم لطلب درجات عالية غير الوظائف الكتابية.
5- إنشاء مدرسة للصناعات والفنون.
6- إنشاء كلية عدن.
7- تطوير مدرسة البنات، بحيث يتعلمن التطريز، والخياطة، وترتيب المنزل، والصحّة.
[سلطان ناجي، "الحالتان التعليمية والثقافية في عدن- خلال تبعيتها للهند"، ص 96، "مجلة الإكليل"، عدد 1، السنة الثانية، 1982].
يأتي التعليم لدى 'نادي الاصلاح' ومؤسسه في مقدِّمة الأولويات، وكان يرى أنها البذرة الأولى، في سبيل تحصين الهُوية اليمنية، والحفاظ على الرّوح الإسلامية داخل مدينة عدن، فحاول -ومعه عدد من مثقفي المدينة- التصدِّي للسياسات التعليمية التي كان يسعى الانكليز لتكريسها في المدارس، فكتب في أوائل الثلاثينات رسالة إلى صحيفة 'الشورى' حول التعليم الانكليزي في عدن، منبهاً إلى مخاطره، جاء فيها "إن ناشئة عدن أصبحت في خطر التفرنج، بفعل المدارس التبشيرية، وأن الأحداث صاروا يجادلون بعضهم بعضاً في الأمور الدِّينية. فالحدث، الذي يطلب العلم عند الأجانب، يميل إلى غير دِينه، ويحارب دِين آبائه وأجداده"، [أحمد محمد سعيد الأصنج، "جريدة الشورى" بتأريخ 12 – 2 – 1930]، ولم يقفْ عند حدود النّقد، والكلام، بل انطلق النادي، وبادر في العمل على إنشاء مدرسة ابتدائية في 'الشيخ عثمان'، تولى رئاستها الشيخ أحمد العبادي، الذي قاد نهضة إصلاحية في 'الشيخ عثمان'، وكان من الأصوات التي ارتفعت لمناهضة الاستعمار" [علوي طاهر، "مصدر سابق"، ص77].
وكان الهدف من إنشاء هذه المدرسة الأهلية وغيرها الحفاظ على الهُوية الوطنية، وعدم ذوبانها، وقد تخرّج منها عدد من ألمع علماء اليمن، ومثقفيه، وشعرائه، ومفكِّريه في القرن العشرين، أمثال الشيخ محمد سالم البيحاني، والشعراء أمثال: محمد سعيد جرادة، وإدريس حنبلة، والأستاذ والمؤرخ الكبير عبدالله محيرز، وجميع هؤلاء لعبوا دوراً كبيراً في نهضة اليمن، ومواجهة استبداد الإمامة في الشمال، والاستعمار في الجنوب.
ومن داخل 'نادي الإصلاح العربي'، في 'الشيخ عثمان'، خرجت أول دعوة، ودوَّت أول صرخة مطالبة بإخراج المستعمر البريطاني من جنوب اليمن، ومواجهته بالسلاح، وكان صاحب هذه الصرخة الشيخ أحمد محمد العبادي، مدير المدرسة، "أول المنادين لمواجهة الاستعمار بالسلاح، وتحرير جنوب الوطن من الاحتلال البريطاني"، [محمد سعيد جرادة، "دور العبادي في مناهضة الاستعمار"، "مجلة الحكمة اليمانية"، عدد 1 أبريل، 1971].
وإلى جانب تلك المدرسة، وما لعبته في الجانب التعليمي، وحفاظها على اللغة العربية، وهي حصن الهُوية الأول، من خلال المنهج الذي اعتمدته، في تعليم الناشئة، فإن النادي وعبر فعالياته وأنشطته عمل على "خلق جوٍ من الجدل الفكري، والحوار الثقافي من خلال الآراء الجريئة، التي كان الأصنج والعبادي يطرحانها، منتقدين فيها بعض علماء الدِّين التقليديين، إذ أبرزا محاسن الإسلام، ودعا إلى تخليصه من كل ما علِق به من شوائب ومفاهيم خاطئة". [علوي طاهر، "مصدر سابق"، ص77]. كما أسهمت تلك الأندية في تنمية الحسّ العربي والقومي، وتدعيم الوحدة الوطنية، حيث "نلمس في كتابات هذه المرحلة بوادر وعي وطني بأهمية الوحدة الوطنية داخل المدينة، وأهميتها بالنسبة لعموم اليمن، كما نجد حديثاً عن 'الرابطة القومية' و'الرابطة الإسلامية'، ويظهر هذا واضحاً في مقالات الأصنح عن 'الاجتماع' في كتابه "نصيب عدن من الحركة الفكرية". [هشام علي، "المثقفون اليمنيون والنهضة"، ص119].
كما سعت الأندية ألى ربط سكان مدينة عدن والمحميّات بالقضايا العربية، والتفاعل معها، وذلك من خلال الأنشطة والفعاليات التي كانت تُقيمها، ومنها الوقوف إلى جانب المناضِلين، والثوّار الفلسطينيين، إذ ظل رؤساء الأندية يجمَعون التبرّعات، ويَقومون بإرسالها إلى قادة الثورة، والزعماء الفلسطينيين، ودعم أبناء 'طرابلس الغرب' ضد الاحتلال الايطالي.
ويبرز اهتمام الأندية بالقضايا العربية، وخصوصاً قضية فلسطين، التي تعتبر 'قضية العرب الأولى'، من خلال الاحتفاء والاحتفال الذي أقامه 'نادي الأدب العربي'، و'نادي الإصلاح العربي الإسلامي'، بقيادة الأستاذين: لقمان، والأصنج، للزعماء الفلسطينيين، الذين قام الاستعمار البريطاني بنفيهم إلى جزيرة 'سيشل'، وحين أُطلق سراحهم أواخر عام 1938م، رست سفينتهم في طريق عودتها إلى فلسطين بميناء عدن، فقامت الأندية في مدينة عدن بإعداد احتفال لم تشهده المدينة من قبل، لتكريم أبطال الثورة الفلسطينية.
أظهر الاحتفال، الذي أقامته الأندية للثوّار الفلسطينيين، مدى الدّور، والتأثير الذي وصلت إليه الأندية، داخل مدينة عدن وخارجها، وقدرتها على تحشيد الناس وجمعهم، حيث خرج الناس بالآلاف لحضور حفل تكريم قادة الثورة الفلسطينية العائدين إلى دِيارهم، الأمر الذي أثار خوف وقلق السلطات الاستعمارية في المدينة، فاستدعت مدير 'نادي الأدب العربي'، للتعبير عن غضبها من الأمر، بل إن نائب الحاكم العام كان قد أعدّ قراراً بنفي لُقمان من المدينة، غير أنه تم نقله إلى العمل في منطقة خارج عدن قبل تنفيذ القرار.
قد يهمك أيضا
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر