تدفع السياسات التي ينتهجها الرئيس دونالد ترامب البلاد نحو تحول اقتصادي كبير يضع الرئيس في مصاف الرؤساء السابقين له الذين أحدثوا تحولًا في المسار الاقتصادي للبلاد مثل جون إف. كيندي ورونالد ريغان، وفقًا لما أعلنه خبراء اقتصاديون يعملون في البيت الأبيض، الأسبوع الماضي، في إطار كشفهم النقاب عن تقريرهم الأول بعنوان «التقرير الاقتصادي للرئيس».
ويطرح التقرير وجهة نظر شديدة التفاؤل إزاء الظروف الاقتصادية الراهنة والمسار المستقبلي لها، مع توقع تجاوز معدلات النمو غالبية الأرقام التي توقعها خبراء اقتصاديون مستقلون. وقد حذر خبراء اقتصاديون من أن جهود البيت الأبيض لتعزيز معدل النمو من الممكن أن تتسبب في تحفيز مفرط للاقتصاد، تتبعه حالة من الانحسار الاقتصادي.
إلا أن البيت الأبيض، من جانبه، يرى أن الاقتصاد في ظل رئاسة ترمب فاق في أدائه التوقعات بالفعل، مشيرين إلى حدوث نمو بمعدل 2.3 في المئة في إجمالي الناتج الداخلي الأميركي العام الماضي. وأضاف كذلك، أن جهود الإدارة لتخفيض الضرائب وتقليص التنظيمات من الممكن أن تدفع عجلة معدلات النمو على نحو يفوق بكثير المعدلات التي تحققت الفترة الأخيرة.
وقال البيت الأبيض لدى إعلانه التقرير الصادر في 568 صفحة، إن «إدارة ترامب هي الأولى منذ عهد الرئيس رونالد ريغان التي تشهد نموًا اقتصاديًا إيجابيًا يفوق التوقعات في عامها الأول"، وبالنسبة للفترة المقبلة، يتوقع فريق العمل المعاون لترمب تحقيق نمو في إجمالي الناتج الداخلي بنسبة 3 في المئة على امتداد الأعوام المقبلة. وجدير بالذكر، أن هذا أقل عن نسبة الـ4 في المئة التي تعهد ترامب بتحقيقها أثناء حملته الانتخابية، ومع هذا يظل ذلك المعدل المتحقق عند 3 في المئة، إنجازًا كبيرًا مقارنة بما كان عليه الحال في ظل إدارة الرئيس السابق باراك أوباما.
من جهته، أوضح الخبير الاقتصادي كيفين هاسيت، رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين المعاون لترامب «لقد أعدنا السياسات الاقتصادية إلى المسار الطبيعي الذي تتخذه أي دولة عاقلة وحكيمة"، بيد أنه في الوقت الراهن، يبدو مستوى أداء الاقتصاد في عهد ترامب مشابهًا إلى حد كبير لما كان عليه الحال خلال الأعوام الأخيرة من رئاسة أوباما. وتكشف الأرقام عن أن معدلات التوظيف خلال العام الأول لترمب في الرئاسة جاءت أبطأ عنها خلال الأعوام الأخيرة من عهد إدارة أوباما. كما أن معدل النمو الاقتصادي عام 2017 كان مشابهًا لما كان عليه عامي 2014 و2015. أما التغيير الوحيد اللافت، فتمثل في القفزة في ثقة الشركات والمستهلكين منذ الانتخابات، تبعًا لما كشفته استطلاعات رأي مستقلة.
الملاحظ أنه على نحو متكرر يعمد التقرير الصادر عن إدارة ترامب إلى تصوير فترة إدارة أوباما باعتبارها حقبة من «الجمود» الاقتصادي، تسبب الرئيس السابق خلالها في «تفاقم جرح» الأزمة الاقتصادية من خلال سياساته. في المقابل، يصف التقرير الاقتصاد تحت قيادة ترامب بأنه «نشط» و«داعم للنمو» ويقوم على رؤية واضحة.
وتجدر الإشارة إلى أن جميع الرؤساء منذ عهد الرئيس هاري ترومان ـ تحديدًا عام 1947 ـ حرصوا على إصدار تقرير اقتصادي سنوي يحدد رؤية إدارته لكيفية تعزيز النمو وتقليص معدلات البطالة، وذكر توقعات تتعلق بالعقد المقبل، وفي الواقع، تنطوي مسألة التوقع بالمسار الذي سيسلكه الاقتصاد في فترة لاحقة على صعوبة بالغة، وعجزت أمامها إدارات جمهورية وديمقراطية على حد سواء. على سبيل المثال، أثبتت الأيام أن التوقعات الاقتصادية التي أعلنتها إدارتا جورج دبليو. بوش وأوباما كانتا مفرطتين في التفاؤل. ويذكر أنه في عام 2011، توقعت إدارة أوباما حدوث ارتفاع شديد في معدل النمو الاقتصادي ليصل إلى 4 في المئة سنويًى خلال أعوام 2012 و2013 و2014، إلا أنه في واقع الأمر، لم تقترب معدلات النمو حتى من هذا المستوى.
والملاحظ أن معظم الخبراء الاقتصاديين المستقلين يعتقدون أن ترامب هو الآخر مفرط في تفاؤله، خصوصًا بالنظر إلى أن حالة التوسع الاقتصادي الراهنة قائمة منذ تسعة أعوام بالفعل؛ ما يجعلها واحدة من أطول الفترات في التاريخ الأميركي. ويتوقع ترامب أنه بمقدوره التفوق على حقبة التوسع الاقتصادي التي شهدتها تسعينات القرن الماضي لتصبح بذلك الفترة الراهنة الأطول أمدًا على الإطلاق.
من ناحية أخرى، يحذر خبراء اقتصاديون من أن ثمة تغييرًا دراماتيكيًا طرأ منذ التسعينات، ذلك أن المواطنين الأميركيين أصبحوا أكبر سنًا بكثير اليوم، ويدخل الكثيرون إلى سن التقاعد؛ الأمر الذي يتسبب في انحسار معدلات النمو. إضافة إلى ذلك، يرغب ترمب في فرض قيود على الهجرة؛ الأمر الذي يخلق صعوبات جمة أمام الولايات المتحدة كي تتمكن من الوصول إلى معدلات نمو الأعوام السابقة.
من جهتها، تتوقع مؤسسة «ماكرو إكونوميكس أدفايزرز» البارزة في مجال التوقعات الاقتصادية، تحقيق الاقتصاد معدل نمو بقيمة 2.7 في المئة هذا العام، و2.6 في المئة عام 2019، لكن بعد ذلك من المتوقع أن يتراجع النمو إلى 1.8 في المئة. في هذا الصدد، أعرب بين هيرزون، الخبير الاقتصادي رفيع المستوى لدى «ماكرو إكونوميكس أدفايزرز»، عن اعتقاده بأن «يرجع النمو الاقتصادي المتين الذي سنحققه العامين المقبلين بصورة جزئية إلى دفعة إيجابية ناشئة عن إقرار قانون الوظائف وخفض الضرائب»، لكنها تبقى دفعة مؤقتة في النمو الاقتصادي. ويتمثل السبيل الوحيد للوصول إلى معدل نمو 3 في المئة على أساس مستديم في تحقيق نمو أسرع في قوة العمل أو نمو أسرع في الإنتاجية. ولا أرى أن ذلك يحدث».
والملاحظ أن الإنتاجية كانت منخفضة على نحو مستمر في الولايات المتحدة منذ ما أطلق عليه «حقبة الدوت كوم»، وقد امتد هذا التراجع أيضًا إلى أوروبا واليابان كذلك. من ناحيته، يتوقع فريق العمل المعاون لترمب حدوث قفزة واسعة في الإنتاجية مع إقدام الشركات على استغلال التخفيضات الضريبية التي حصلت عليها في شراء مزيد من المعدات والمصانع والتكنولوجيات الجديدة. الملاحظ أن النفقات الرأسمالية من جانب الشركات ارتفعت عام 2017، لكنها لا تزال بعيدة عن النقطة التي كانت عندها في تسعينات القرن الماضي.
من ناحية أخرى، أشار إد يارديني، رئيس مؤسسة «يارديني للأبحاث» إلى أن إدارة ترامب تعتمد على «السياسات الاقتصادية القائمة على الثقة. أما ترمب، فيؤكد أنه بدأ لتوه في الانطلاق، في الوقت الذي يشيد التقرير بمزايا التخفيضات الضريبية. وبناءً على أحدث الأرقام الإجمالية، فإن الخبراء الاقتصاديين التابعين للبيت الأبيض أشاروا إلى أن «أكثر عن 300 شركة» أعلنت مكافآت وزيادات في الأجور وإسهامات إضافية في حسابات التقاعد. جدير بالذكر، أنه في الوقت الحاضر يتمتع أكثر عن 4.2 مليون عامل باستحقاقات التقاعد، حسبما ذكر خبراء اقتصاديون، وبدأ الأميركيون يرون مردودًا للمدخرات التدريبية في حساباتهم المالية.
وأعلن فريق العمل المعاون لترمب كذلك أن الاقتصاد سيتلقى دفعة أكبر من الاتفاقات التجارية الأكثر إيجابية بالنسبة للولايات المتحدة وتطوير البنية التحتية. جدير بالذكر، أن البيت الأبيض سيدفع المشرعين نحو تمرير قانون ينص على ضرورة إصلاح الطرق والممرات المائية وعناصر البنية التحتية الأخرى بالبلاد. إلا أن الإدارة تواجه موقفًا صعبًا داخل الكونغرس المنقسم على نفسه بسبب عدم توافر سبيل واضح لتمويل الخطة، ومن الممكن أن تصل العجوزات إلى تريليون دولار بحلول العام المقبل.
ولا يزال البيت الأبيض مصرًّا على أن التخفيضات الضريبية ستنعكس على تعزيز سرعة النمو الاقتصادي، لكن خبراء اقتصاديين مستقلين يختلفون مع هذا التقدير. من جانبها، تقدر اللجنة المشتركة المعنية بالضرائب التابعة للكونغرس، أن قانون الضرائب الجديد سيضيف تريليون دولارًا على الأقل إلى الديون على امتداد العقد المقبل، حتى بعد حساب بعض النمو الإضافي.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر