رغم خفض راتبه بنسبة 25 في المائة، لم يقرر م. غ (37 عامًا) ما إذا كان سيواصل تسديد دفعاته المرتبطة بقرض الإسكان أم سيستفيد -مثل سواه- من أحد بنود موازنة عام 2020 الذي يعطيه فترة سماح عبارة عن 6 أشهر، لا يُسمح فيها لمؤسسة أو مصرف الإسكان بتقاضي أي غرامات إضافية من المقترض. ولعل ما يجعل الشاب الثلاثيني وغيره كثيرين في مثل وضعه يترددون في وقف دفع قروضهم السكنية هو أن دفعتهم الشهرية ستتحول إلى دفعة ونصف بعد انقضاء أشهر السماح الستة، مما سيضعهم أمام وضع أصعب بكثير من الذي يرزحون تحته الآن.
وبعكس م. غ، وجدت إحدى الشابات العاملات في مؤسسة إعلامية لبنانية خفضت رواتب موظفيها إلى النصف نفسها مضطرة إلى وقف تسديد الدفعات الشهرية المرتبطة بقرض مصرفي سمح لها بشراء سيارة قبل عامين، لعدم قدرتها على تقسيم نصف الراتب الذي باتت تتقاضاه بطريقة تؤمن احتياجاتها الأساسية. وتقول ل. م (27 عامًا): "منذ 3 أشهر، لم أسدد قرض السيارة، ولا أعرف إذا كنت سأتمكن قريبًا من ذلك، خاصة أنه لا مؤشرات توحي بأن المؤسسة حيث أعمل ستعود لتسديد كامل رواتبنا المستحقة".
وتراعي المصارف اللبنانية هذه الحالات، لذلك اتخذت قرارًا بعدم تقاضي غرامات من المقترضين غير القادرين على تسديد قروضهم. وتشير مصادر مصرفية إلى أنه "يتم التعاطي مع كل حالة على حدة، وبحسب ظروفها، لكن التوجه العام هو لخفض الدفعة الشهرية للمتعثرين مقابل زيادة مدة القرض، فإذا كان ينتهي مثلًا بعد 6 أشهر، بات ينتهي بعد سنة، في حال واظب المقترض على دفع نصف المبلغ الذي كان يسدده سابقًا".
وتضيف المصادر "نعلم أن الأزمة كبيرة، لكن عدد المتعثرين لا يزال ضمن المعقول. فحتى لو كان معظم الموظفين يرزحون تحت أوضاع صعبة، فهم يواظبون على الدفع، ولو بمبالغ أقل، لأنهم يعلمون تمامًا أن الأيام المقبلة قد لا تكون أفضل من الأيام الحالية".
وأقدم معظم المصارف على تعديل الاتفاقات مع المقترضين. فمن كان يسدد دفعاته بالدولار، بات يسددها بالعملة الوطنية من دون دفع أي غرامات، وذلك تماشيًا مع تحويل العدد الأكبر من المؤسسات المحلية الرواتب لموظفيها بالليرة اللبنانية.
وبحسب الباحث في "الشركة الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين، فقد وصل حجم التسليفات المصرفية في نهاية عام 2019 إلى 52.5 مليار دولار، منها 53 في المائة بالليرة اللبنانية، و47 في المائة بالعملات الأجنبية. أما عدد المستفيدين من القروض، فوصل إلى 630 ألفًا. ويشير شمس الدين، في تصريح لـ"الشرق الأوسط"، إلى أن "نحو 8500 مقترض، يمثلون نسبة 1.3 في المائة من المقترضين، يستحوذون على 50 في المائة من القروض، مما يثبت التركّز الكبير لهذه القروض لدى كبار المتمولين والشركات الكبرى".
وتتوزع القروض بين 35 في المائة للخدمات والتجارة، و19 في المائة للقروض السكنية، و11 في المائة للقروض الشخصية، و16 في المائة للبناء والمقاولات، و11 في المائة للصناعة، و1 في المائة للزراعة، و7 في المائة لقطاعات أخرى.
ويلفت شمس الدين إلى عدم وجود إحصاءات رسمية عن حجم القروض المتعثرة، موضحًا أن التقديرات هي بنسبة 15 في المائة، ويضيف: "مع إقرار قانون تأجيل سداد القروض، من المتوقع أن يرتفع عدد الممتنعين عن السداد، لا سيما القروض بالدولار".
وفي شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أطلقت مجموعة من الناشطين في "انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول)" حملة عصيان مدني تحت عنوان "مش دافعين"، تدعو لعدم دفع رسوم الخدمات والضرائب والصكوك للمصارف. والشهر الماضي، تقدم هؤلاء بمجموعة اقتراحات قوانين ترمي إلى الإعفاء من تسديد بعض القروض، وتخفيض الفوائد على بعض القروض، وتخفيض وتقصير الضرائب المتعلقة بالأماكن السكنية، وتعديل بعض أحكام قانون الإسكان، وتعليق المهل القانونية والقضائية والعقدية، وإخضاع عقود الاقتراض المصرفية إلى رقابة مصلحة حماية المستهلك لحماية المقترض من عقود الإذعان.
ولم تلق هذه الحملة كثيرًا من التجاوب، خوفًا من إقدام المؤسسات العامة، كمؤسسة الكهرباء والمياه وغيرهما، على قطع المياه والكهرباء عمن يرفض تسديد مستحقاته. وإضافة إلى ذلك، فإن القسم الأكبر من المقترضين من المصارف مقتنعون بأنهم سيسددون دفعاتهم عاجلًا أو آجلًا، وأن الامتناع عن الدفع سينعكس سلبًا عليهم في المرحلة المقبلة، خاصة إذا قررت المصارف عدم منحهم قروضًا جديدة قد يحتاجون إليها بعد سنوات.
ويشير كبير الاقتصاديين رئيس مديرية الأبحاث والتحاليل الاقتصادية في مجموعة بنك "بيبلوس" الدكتور نسيب غبريل إلى وجود 3 فئات من المقترضين من المصارف: الفئة الأولى عبارة عن شركات وأفراد يعانون من مشكلات في تسديد دفعاتهم منذ نحو 3 سنوات، والبنوك تراعي هذه الحالات بتوصية من مصرف لبنان (المصرف المركزي). أما الفئة الثانية، فعبارة عن شركات وأفراد يسددون قروضهم بشكل طبيعي، رغم تراجع مداخيلهم، حرصًا منهم على إبقاء علاقتهم جيدة بالمصارف، وكي لا تكون هناك أي مشكلة في المستقبل في الحصول على قروض جديدة. أما الفئة الثالثة، فأشخاص يرضخون لـ"حملات تحرضهم على عدم الدفع، تضرهم وتضر المصارف في آن، وهي فئة ضالة تهدد علاقتها مع المصارف، وبالتالي قدرتها على الاقتراض".
ويوضح غبريل، في تصريح لـ"الشرق الأوسط"، أن نحو 76 في المائة من القروض التي تعطيها المصارف هي مقابل رهن، وبالتالي فإن البنوك قادرة على تأمين حقوقها عبر القوانين والمحاكم، لكنه سيكون الخيار الأخير الذي ستلجأ إليه بعد استنفاد الخيارات الأخرى.
قد يهمك أيضًا:
تراجع الجنيه الإسترليني بعد تباطؤ النشاط الصناعي في بريطانيا
ترامب يُعلن رفع الجمارك على البضائع الصينية بنسبة 15%
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر