ارتفعت أسعار السلع الاستهلاكية في السودان بصورة أعجزت ذوي الدخول المحدودة والمتوسطة، بل حتى العالية، عن توفير حاجاتهم الأساسية، وأدى ذلك إلى حالة سخط شعبي متنامٍ؛ لم تفلح الحكومة بمواجهته إلا بوعود لا تصمد كثيرًا أمام واقع الغلاء الماثل. ولم تفلح المبررات التي تسوقها السلطات كمبرر للغلاء الفاحش في إقناع الناس بالأسباب، ما جعلهم يتهمون الحكومة بـ"العجز الشامل" عن توفير حياة كريمة للمواطنين. فمنذ إعلان موازنة العام 2018 المثيرة للجدل، تضاعفت أسعار السلع بنسب كبيرة، فيما ظلت الدخول ثابتة، وأصبح دخل الأسرة لا يلبي ربع حاجاتهم.
وكشفت دراسة حديثة أن الحد الأدنى للأجور الحالي في البلاد يغطي 7.3 في المائة فقط من حاجات أسرة تتكون من 5 أفراد، وحددت الدراسة تكلفة المعيشة في الحد الأدنى بـ5900 جنيه سوداني، وذلك قبل اشتعال الأسعار الأخير.وتذكر الدراسة، التي أعدها مكتب النقابات المركزي التابع للحزب الشيوعي السوداني العام الماضي، أن الحد الأدنى للأجور في السودان 625 جنيهًا شهريًا ـ زهاء 22 دولارًا بسعر الدولار الرسمي، أو 17 بسعر السوق الموازية.
ووفقاً لتلك الدراسة، فإن الحد الأدنى للدخول يغطي فقط نسبة 7.3 في المائة من حاجة الأسرة المتوسطة، ولا يشمل ذلك "الصيانة، والأثاث، والاتصالات، ومصاريف الأعياد، أو الملابس، أو العلاج، وغيرها".
ووفق الدراسة المعدة وفقاً لميزانية العام 2017، فإن كلفة معيشة أسرة مكونة من خمسة أفراد "أب وأم وثلاثة أبناء"، تبلغ 5900 جنيه شهرياً، في وقت يبلغ فيه الحد الأدنى للدخول 625 جنيهًا.
أما ميزانية العام 2018 التي وصفت بـ"الكارثية"، فقد أدت لمضاعفة الأسعار لأضعاف خلال الأشهر الماضية من العام، في وقت فشلت فيه الدولة في السيطرة عليها بشكل كلي.
وأدت هذه الميزانية إلى ارتفاع سعر الخبز إلى "جنيه واحد" لكل قطعة خبز، بعد أن كان السعر جنيهًا لقطعتي الخبز، بزيادة بلغت في المائة، وارتفع سعر كيلو اللحم العجالي إلى 140 جنيهًا، بعد أن كان سعره 70 جنيهًا العام السابق، فيما ارتفع سعر عبوة الزيت زنة 4.5 لتر إلى 265 جنيهاً من 105 جنيهات نهاية العام 2017، وبلغ سعر عبوة الحليب زنة 2.25 كيلو 450 جنيهاً، بعد أن كان سعرها 225 جنيهاً خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وارتفع سعر كيلو الطماطم إلى 60 جنيهاً بعد أن كان سعر الكرتونة لا يتجاوز 40 جنيهاً، كما ارتفع سعر كيلو السكر إلى 30 جنيهاً بعد أن كان سعره 10 جنيهات العام السابق.
تقول السيدة "ن. م" زوجة موظف وأم لثلاثة أبناء، إنها كانت تتسوق للشهر خلال العام 2017 بمبلغ قدره 3 آلاف جنيه، ويشمل ذلك الخبز واللحم، أما منذ بداية العام 2018 فقد ارتفعت فاتورة تسوقها إلى 6 آلاف جنيه شهريًا.
وتضيف "مبلغ 6 آلاف جنيه لا يكفي لشراء مشتريات مثيلة لتلك التي كنت أشتريها في العام السابق"، وتتابع "اضطررت لاختصار الكثير من الحاجات، والتخلي عن المعلبات مثل المربى والتونة والساردين، وغيرها، وقصر استخدام الحليب على الشاي فقط، ونقصت حصة الأرز والعدس والمعكرونة والشعيرية التي كنت أشتريها للنصف أو أقل، واستغنيت عن أنواع الصابون ومستحضرات النظافة التي كنت أستخدمها، واضطررت لشراء الصناعة السودانية" .ووفقاً لحسابات السيدة "م. ن"، فإن الدراسة التي أجراها مكتب النقابات التابع للحزب الشيوعي السوداني، لم تعد مُعبرة عن واقع معيشة الأسر المتوسطة ناهيك عن الأسر الكبيرة، أو الأسر معدومة الدخل من النازحين والمشردين وفقراء المدينة الذين يعيشون في أطرافها.
وانتقد الحزب الشيوعي، في بيان صادر أبريل (نيسان) الماضي، مطالباً اتحاد العمال برفع الحد الأدنى للأجور إلى 1200 جنيه شهرياً، ويقول إن جهات رسمية حددت الحد الأدنى للمعيشة لأسرة مكونة من 5 أفراد بـ6 آلاف جنيه مع حد أدنى للأجر يبلغ 625 جنيهاً، ويضيف: "أوصت هذه الجهات برفع الحد الأدنى إلى 1200 جنيه على الرغم من أنه يكفي فقط مئونة 5 أيام من الشهر".
وذكر الجهاز المركزي للإحصاء (حكومي) أن الأرقام القياسية ومعدل التضخم صعدت إلى 57.65 في المائة في أبريل (نيسان) الماضي، بعد أن كانت 55.60 في المائة في مارس (آذار) 2018، بعد أن كانت في يناير (كانون الثاني) من العام نفسه بحدود 52.37 في المائة، وفي ديسمبر (كانون الأول) 2017 كانت في حدود 25.15 في المائة.
وتعتبر مجموعة الأغذية والمشروبات تعد الأكثر مساهمة في معدل التضخم، حيث بلغت نسبة مساهمتها 55.74 في المائة في المعدلات. وأقرت الحكومة مطلع العام الحالي إجراءات اقتصادية تضمنت رفع سعر الدولار في البنوك إلى 18 جنيهاً، مقارنة بـ6.9 جنيه، ورفع الدعم عن القمح، وأوكلت استيراده للقطاع الخاص، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الخبز بنسبة 100 في المائة.ووفق الجهاز المركزي للإحصاء، فإن مجموعة الأغذية والمشروبات أسهمت بشكل كبير، يناير الماضي، في زيادة معدل التضخم، بنسبة 56.21 في المائة لسبب ارتفاع أسعار مكوناتها مثل "الخبز، والحبوب، ومجموعة السكر، ومجموعة الشاي، ومجموعة الزيوت"، فيما بلغ معدل التضخم في مجموعة النقل 64.7 في المائة، وفي التجهيزات المنزلية 70.3 في المائة، وسجلت المناطق الحضرية ارتفاعًا بلغ 46.43 في المائة، بارتفاع تجاوز مائة في المائة عنه في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حيث كان في حدود 21.97 في المائة.
ووجه رئيس الوزراء بكري حسن صالح بإقامة "أسواق مخفضة" للسلع الرئيسية، بيد أن التجربة تواجه انتقادات حادة من المواطنين، يقول "ح. ع" عامل، "أسعار السلع المعروضة في تلك الأسواق لا تقل كثيراً عن أسعارها في الأسواق، فضلاً عن رداءة نوعية الكثير منها، وعدم توفر سلع كثيرة فيها".
ومنذ تفجر الأزمة الاقتصادية والتدهور المريع في سعر صرف الجنيه السوداني، الذي تجاوز 40 جنيهًا للدولار الواحد، دأب الرئيس البشير على عقد اجتماع دوري مع وزراء القطاع الاقتصادي والبنك المركزي. واتخذت في تلك الاجتماعات قرارات بإعلان الحرب على المضاربين بالعملات وتهريب الذهب ومحاربة الفساد، والحد من السيولة الزائدة بتقييد السحب من الحسابات المصرفية، بهدف وقف تدهور سعر العملة "الجنيه" مقابل العملات الأجنبية. وبالفعل ارتفع سعر الجنيه في السوق الموازية إلى 37 جنيهاً للدولار، بيد أن أسعار السلع الرئيسية والاستهلاكية واصلت الارتفاع دون جدوى.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر