دخل العام الثاني على التوالي ولم يستلم الموظفون في اليمن مرتباتهم في ظل الحصار والحرب الذي تشهده البلاد ونهب للمال العام، إضافة إلى انتشار للأوبئة والأمراض وارتفاع كبير لنسبة الفقر والمجاعة في اليمن التي تعد البلد الأفقر على مستوى العالم.
وفي وقت تزداد درجة الحرارة انخفاضًا إلى تحت الصفر في العاصمة صنعاء يستيقظ حسين الحرازي مع طلوع الفجر يوميًا، لتوزيع الخبز للمحلات التجارية والمطاعم، وحسين معلم لغة انجليزية في احد مدارس العاصمة يعمل في المخبز مقابل الطعام له ولأسرته .
وبيدين سوداوتين من أثر العمل المرهق من الصباح الباكر إلى منتصف الليل يعمل حسين مقابل 4 دولارات فقط لينقذ أسرته المكونة من 8 أفراد معظمهم من البنات من الموت جوعًا، ويقول صاحب الـ32عامًا: "لم أستلم راتبي منذ عامين ما جعلني أجوب في شوارع العاصمة صنعاء بحثًا عن عمل لأتمكن من توفير الطعام والشراب لأسرتي، وبالكاد تمكنت من الحصول على العمل في أحد المخابز".
"نصف راتب… وعود كاذبة"
أصدر المجلس السياسي الأعلى قرارات بتسليم مرتبات الموظفين في أوقات تشهد المحافظات الواقعة تحت سيطرتهم انتفاضات ضدهم لامتصاص ثورة الجياع بالتزامن مع نهب لكافة المباني الحكومية ومحلات الصرافة في العاصمة صنعاء شمال اليمن، وقالت مصادر محلية في العاصمة صنعاء إن مليشيات الحوثي الانقلابية تحاول امتصاص غضب الموظفين في القطاعات المختلفة من خلال إعلانها أنها بصدد صرف نصف راتب خلال الأيام المقبلة.
ووفقًا للمصادر، فإن وزير مال المليشيات المدعو حسين مقولي، وجه بصرف نصف راتب لشهر يوليو 2017 لجميع موظفي الدولة بقطاعاتها العسكرية والأمنية والمدنية، وكذا صَــرْفَ 50% من استحقاقَات المتقاعدين الأمنيين والعسكريين والمدنيين، وصرف 50% من استحقاقات شهر يوليو 2017 للموظفين المتعاقدين.
وليست هذه هي المرة الأولى التي تكذب فيها جماعة الحوثيين على الموظفين في المناطق الخاضعة لسيطرتها وليست هذه الخدع التي يسوقها وزير مال الحوثيين سوى عملية تخدير مدروسة من قبل الحوثيين لمنع الموظفين من القيام بعمليات احتجاج واستباقًا لاندلاع ثورة جياع في صنعاء تقتلع المليشيات.
ولا تتوان مليشيات الحوثي عن قمع أي مظاهرات ووقفات احتجاجية سواءً كانت نسائية أو رجالية للمطالبة بالمرتبات، وخرجت السبت الماضي، تظاهرة نسائية حاشدة، في ميدان التحرير، وسط العاصمة صنعاء، للمطالبة بالعصيان المدني، ردًا على البطش الذي تمارسه مليشيات الحوثي بحق المواطنين، ونهب المرتبات، في المحافظات التي يسيطرون عليها بالقوة، ونفذت النساء المتظاهرات في ميدان التحرير وقفة احتجاجية غاضبة موجهة رسائل قوية لمليشيات الحوثي التي تسيطر على المؤسسات الحكومية وتنهب المال العام دون صرف المرتبات منذ أكثر من عام، ورفعن شعارات ولافتات تطالب كافة الموظفين في القطاع العام والخاص بالإضراب الشامل عن العمل ردًا على مهزلة المليشيات الحوثية بقوت المواطنين وحقوقهم في المحافظات التي يسيطرون عليها .
لكن المليشيات لم تحترم الوقفة الاحتجاجية بل اعتدت على النساء بالغازات المسيلة للدموع وفرقت المحتجات باستخدام النساء العسكريات الحوثيات" الزينبيات" إضافة إلى قذفهن بالسب والشتم والكلام البذيء.
الموت البطيء
نام عبدالله وعيناه تفيض بالدموع محتارًا أمام بناته السبع اللواتي نمن بجانبه والجوع يعتصر أمعائهن، عبدالله محمود السبعيني، موظف في المرور، بنصف راتب يستلمه في بعض الأشهر لم يستطع سد جوع أهله عقب توقف الدولة عن صرف المرتبات، فاستيقظ صباحًا وذهب لإلى المخبز المجاور للمنزل ليستدين منه بعض الخبز لكن صاحب المخبز رفض إعطائه، فالديون عليه أصبحت تفوق العشرين ألف ريال "50دولارًا".
ويقول عبدالله السعدي، "لم أستطع أن أنام وأسمع أنات بناتي من شدة الجوع وأصبحنا نتغذى على فتات الأكل الذي يعطينا الجيران، ونشعر أننا في مرحلة الموت البطيء، وقد ذهبت إلى المراكز والمحلات التجارية لأستدين بعض قطع الخبز لكني رجعت فارغ اليدين"، مضيفًا "بعد تراكم الديون وإيجارات المنزل التي لم أستطع سدادها توقفت المحلات التجارية عن إعطائي أي شيء"
وتابع عبدالله: "لقد بعت كل ما تملك أسرتي من مجوهرات وحلي مقابل الطعام حتى نفد كل ما لدينا"، موضحًا "أن صاحب المنزل يطالبه بإيجار المنزل لمدة عام كامل وهدده بالطرد من المنزل في حال لم يسلم ماعليه من الإيجارات السابقة"، يخرج عبدالله حاملًا على ظهره عدة البناء كل صباح رغم كبر سنه وعدم قدرته على العمل بسبب إصابته بمرض السكري لكنه ويذهب إلى السوق باحثًا عن أي عمل لسد رمقه، ويعود أغلب الأوقات خائبًا، فالمكان مليئًا بالعمال لكنه يفضل العمل على مد اليد إلى الناس.
وأكد الخبير الاقتصادي اليمني، خليل الحضرمي، أن مليشيات الحوثي تنهب المال العام وتوزعه على مشرفيها تحت ما يسمى المجهود الحربي، مضيفًا أن الموظفين للعام الثاني لم يستلموا مرتباتهم ما ينذر بكارثة إنسانية كبيرة لم يشهدها العالم قط"، متابعًا أن العشرات من الموظفين يتغذون على وجبة واحدة من المنظمات الإغاثية وفاعلي الخير، مشيرًا إلى أن سعر الدولار يرتفع مقارنة بالريال اليمني إلى أكثر من 500 ريال، أي أكثر من ضعف سعره الرسمي، مبينًا أن المواد الغذائية والاستهلاكية ارتفعت إلى أكثر من 30% بسبب ارتفاع الدولار واعتماد اليمن على الاستيراد بنسبة 80%.
راتب لعشرة آلاف من قتلى الحوثيين
اعتمدت مليشيات الحوثي الانقلابية، راتبًا شهريًا منتظمًا ومواد غذائية لأسر 10 آلاف من قتلاها "القناديل" المنتمين للعرق السلالي الحوثي والذين لقوا حتفهم في المواجهات مع القوات الحكومية في مختلف الجبهات، وقالت مصادر مطلعة إن مليشيات الحوثي وزعت أكثر من 10 آلاف بطاقة لأسر كبار قتلى الجماعة المنتميين لعرقهم السلالي، وتضمن هذه البطاقة صرف راتبًا شهريًا مع سلة غذائية مما نهبته المليشيات من المواد الإغاثية عبر المنظمات الدولية.
وتأتي عملية صرف المرتبات الشهرية والمواد الغذائية لأسر قتلى "قناديل" الجماعة، والتي أنجزت بجهود كبيرة من وزارة الخدمة المدنية ومصلحة الأحوال المدنية "التي تسيطر عليهما مليشيا الحوثي"، في الوقت الذي ترفض المليشيات صرف مرتبات ومواد مماثلة لأسر قتلى الجماعة العاديين وأبناء القبائل الذين استدرجتهم إلى صفوفها بشتى الوسائل، كما ترفض معالجة جرحاها البسطاء والمهمشين، فلم تنهب مرتبات الموظفين وحسب بل أجبرتهم على مزاولة أعمالهم تحت تهديد الفصل من الكشف الوظيفي.
أمال وأمنيات
صراع سياسي وعسكري منذ ثلاثة أعوام نتائجه وخيمة كشفت عن فقر مقعس وتدهور الاقتصادي الوطني وإيصال 11مليون شخص إلى حافة المجاعة، ويأمل اليمنيون أن تتوقف الحرب بعد دخولها العام الرابع ليعود السلام والأمن إلى البلاد حتى يتوقف الجوع والفقر في البلاد المطحونة بالصراعات المعقدة.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر