يترقّب العراقيون، غدًا الخميس، موعد تصويت البرلمان على موازنة السنة الماليّة المقبلة 2017، بعد وصولها من الحكومة، والتي تحمل في طيّاتها الكثير من التقشّف، ليتمّ وصفها بموازنة "شدّ الأحزمة على البطون"، بسبب الأزمة الماليّة التي تعصف بالبلاد، على خلفيّة انهيار أسعار النفط، والحرب المستمرة منذ نحو ثلاث سنوات ضد تنظيم "داعش".
ويبلغ إجماليّ قيمة الموازنة المقدرة للسنة الماليّة المقبلة نحو 102 تريليون دينار (85 مليار دولار)، بعجز متوقع 32 تريليون دينار (26.6 مليار دولار)، وفقًا لرئيس الوزراء حيدر العبادي، الذي أكد في تصريحات صحافيّة مؤخرًا، احتساب الموازنة على أساس سعر بيع النفط بقيمة 42 دولارًا للبرميل الواحد. وكانت موازنة العام الحاليّ تقدر بنحو 105 مليارات دولار، بعجز متوقع 28 مليار دولار.
وبحسب مصادر برلمانيّة، فإن كتلا سياسيّة تعدّ جملة من الاعتراضات حول مشروع قانون الموازنة، وبخاصّة فيما يتعلق بالتمييز في منح المشاريع الضروريّة للمدن، وإهمال ملفيّ النازحين والمهجرين.
وقالت عضو اللجنة الماليّة، نورة البجاري، إن "الموازنة تتضمن تخفيض الإنفاق العام للعديد من القطاعات المهمة".
وكان رئيس البرلمان، سليم الجبوري، قال، في مؤتمر صحافي مساء الإثنين الماضي، إن "المرتبات والنفقات الشهريّة شكّلت 75% من موازنة 2017، وبلغت تخصيصات الأمن والدفاع 32% من إجماليها"، مضيفاً "حرص البرلمان على تقليل نفقات الرئاسات الثلاث والمناصب العليا في الدولة".
وتضمن مشروع قانون الموازنة، زيادة نسبة الاستقطاع من رواتب الموظفين لنفقات "الحشد الشعبي" إلى 4.8% من مجموع الرواتب والمخصصات لجميع موظفي الدولة والقطاع العام والمتقاعدين، بعد أن كانت هذه النسبة 3% في موازنة العام الحالي.
كما تمّ إلغاء وتأجيل نحو خمسة آلاف مشروع ترفيهيّ وكمالي، وفقًا لمصادر برلمانيّة عراقيّة، فضلاً عن طرح عدد من شركات القطاع الحكوميّ للخصخصة، وخفض الدعم للمستشفيات وقطاع التعليم والبلديات والرعاية الاجتماعيّة.
ووصف محمد عدنان، المستشار السابق لسوق بغداد للأوراق الماليّة، الموازنة المقبلة، بأنها شدّ الأحزمة على البطون، قائلا في تصريح خاص "هناك تجميد للكثير من المشاريع وتقليص نفقات مختلفة ستمس المواطنين على وجه الخصوص، من بينها تقليل دعم استيراد بعض المواد الغذائية والدوائية، فضلا عن الوقود"، معتبرا أنه تم إعداد الموازنة من قبل فريق دولي يتواجد حالياً في بغداد.
وأعلنت اللجنة الماليّة النيابيّة، يوم الإثنين الماضي، أن حجم الموازنة لعام 2017 بلغ 100 تريليون دينار. وفيما أشارت الى أن حجم الإيرادات النفطيّة فيها سيبلغ 67.5 تريليون، وبعجز وصل الى 21%، أكدت إقرارها ضمن المدة الدستوريّة المحددة لها، فيما أشار خبراء اقتصاد، الى أن الموازنات الحكوميّة لا تطابق الواقع الاقتصاديّ، مطالبين بضرورة كشف الحسابات الختاميّة للأعوام السابقة.
وقال عضو اللجنة مسعود حيدر، في حديث الى "المدى برس"، إن "الموازنة العامة لعام 2017 بلغت 100 تريليون بإيرادات نفطيّة تقدر بـ67.5 تريليون و11.6 تريليون ايرادات غير نفطيّة وبعجز 21%"، مضيفًا أن "مجموع القروض الخارجيّة في الموازنة هو 5.6 تريليون دينار".
وأضاف حيدر أن "سقف الإنتاج النفطي في الموازنة بلغ 3 ملايين و750 الف برميل بما فيها 550 الف برميل من اقليم كردستان، لافتا الى أن "سعر البرميل المقدر بالموازنة بلغ 42 دولارًا"، مشيرًا إلى أنه "من المتوقع أن يتمّ إقرار الموازنة خلال المدة الدستورية المحددة لها".
بدوره، قال الخبير الاقتصاديّ عدي عبد الأمير عامر، في حديث إلى "المدى"، إن "موازنة العام المقبل محكومة بعوامل عدّة منها تكلفة الحرب على "داعش"، التي تصاعدت بصورة تدريجيّة لتحتل ما يقارب ثلث الموازنة الاتّحادية إضافة الى تراكم الديون الخارجيّة والداخليّة".
وأضاف أن "الإنفاق المستحدث الذي شهدته موازنات 2016 و2017 ومنها إغاثة أكثر من 3 ملايين نازح وأعمار المدن المحررة بالتزامن مع انخفاض أسعار النفط العالميّة، إضافة الى تراجع دور القطاعات المنتجة كالصناعة والزراعة والسياحة، ستؤثر بشكل كبير على موازنة العام المقبل، من دون العمل الجدي من قبل الحكومة للبحث عن ايرادات مالية متعددة تزيد مداخيل الدولة".
وأوضح عامر أنه "يتوجب على الحكومة اعتماد موازنة واقعيّة وفق توقع لا يزيد عن 40 دولارًا للبرميل الواحد لمواجهة أي انخفاض جديد لأسعار النفط مستقبلا، إضافة الى مراجعة مفاصل الصرف الأساسيّة في الدولة، والعمل على ترشيد الإنفاق الماليّ بصورة مكثفة".
وبيّن أن "مواجهة عمليات الفساد الماليّ والاداريّ وهدر المال العام يتطلب تفعيل الجهات الرقابيّة كديوان الرقابة الماليّة من شأنه توجيه نفقات الموازنة نحو مشاريع استثماريّة مفيدة تعود بالنفع العام للبلاد وتوفر فرص عمل جديدة للعاطلين، وتولد أموالًا جديدة ترفد الخزينة العامة".
ويذكر أن عددًا من الخبراء توقعوا بأن تزيد ميزانيّة العراق لعام 2017، قليلا عن 100 تريليون دينار، وبعجز مقدار 30 تريليون دينار، باعتماد سعر البرميل 35 دولارًا وبطاقة تصديريّة مقدارها 3.880 مليون برميل يوميًا، فيما تبلغ ميزانيّة العام الجاري 105.8 تريليون دينار أي نحو 95 مليار دولار، وبعجز متوقع يبلغ نحو 24 تريليون دينار بما يعادل نحو 20.5 مليار دولار.
من جانبه، وصف خبير اقتصاديّ الموازنات الحكوميّة بأنها خياليّة ولا تطابق الواقع الحقيقيّ للاقتصاد العراقيّ، الذي استنزف نتيجة اختلاس المسؤولين والمتنفذين مليارات الدولارات خلال الأعوام السابقة.
وقال الخبير الاقتصاديّ عباس البهادلي إن "الموازنات الحكوميّة تعتبر ورقية لعدم الأخذ بها من قبل مؤسسات الدولة التي تهدر الاموال دون ادنى محاسبة قانونية اضافة الى عدم وجود حسابات ختامية تدل على كمية الاموال المصروفة خلال عام كامل".
وأوضح أن "إلغاء مزاد العملة في البنك المركزي سيخفض سعر صرف الدولار الى سعره الحقيقي والذي يبلغ 1190 ويقلّل من عملية التداول اليومي للدولار، وذلك سيدفع نحو الاعتماد على الصناعة والزراعة الوطنيّة التي من شأنها تحقيق الاكتفاء الذاتيّ لعدد غير قليل من البضائع والخدمات المستورد بأموال بيع النفط".
وبيّن البهادلي أن "تفاقم العجز الحقيقي في مسودة قانون الموازنة سيؤدي الى تراجع الفعاليات الخدميّة للحكومة نتيجة نقص السيولة مع تذبذب اسعار النفط وتصاعد الانفاق العام للدولة"، مؤكدًا أنّ "تقليل رواتب ومخصصات المسؤولين التي تقدر بملايين الدولارات سنويًا أولى الخطوات التقشفيّة، التي يجب على الحكومة اتّخاذها، من دون اللجوء الى حلول ترقيعيّة كاستقطاع جزء من رواتب الموظفين والمتقاعدين، الذين خدموا البلد على مدار 30 عامًا".
ويعتمد العراق على إيرادات النفط، بنسبة تصل إلى نحو 95 في المئة لتغطية نفقات الدولة، وهو ما أدى إلى عجز ماليّ لعامين متتاليين واللجوء إلى القروض الداخليّة والخارجيّة لتغطيتها، بسبب تدني أسعار النفط الى ما دون 50 دولارًا للبرميل.
وكان رئيس مجلس النواب سليم الجبوري أعلن، الأحد الماضي، تسلّم رئاسة البرلمان قانون الموازنة الماليّة للعام المقبل 2017، بعد تعديله من قبل مجلس الوزراء، فيما وجّه بإدراجه على جدول أعمال الجلسة الـ25.
وأعلن رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي، يوم الثلاثاء (18 من تشرين الاول 2016)، إرسال مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2017 إلى مجلس النواب، بعد إجراء تعديلات عليه، فيما أكد أن المشروع تضمّن الاتفاق السابق مع إقليم كردستان، فيما لفت إلى إجراء تعديل على مشروع قانون العفو العام.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر