لطالما شكلت بلدة حمّانا المتنية مركز اصطياف مشهور بحيث كانت وجهة معروفة للسياح من أهل الخليج. فكانوا يؤمون فنادقها في السبعينات، مثل «الوردة البيضاء» و«شاغور بالاس» و«كنعان» وغيرها. كما كان بعضهم يفضل امتلاك منزل فيها أو استئجار واحد من بيوتها عريقة الهندسة.ومع مرور الوقت تبدلت ملامح هذه البلدة، خصوصاً عندما اختارتها شركة الإنتاج «الصباح إخوان» موقعاً لتصوير أجزاء مسلسل «الهيبة» منذ عام 2018.
وبذلك تحولت ساحة البلدة ونبع المياه في وسطها وزواريب متفرعة منها إلى مواقع تصوير أساسية لمشاهد عديدة من هذا العمل الدرامي، الذي لا يزال يلاقي النجاح تلو الآخر بأجزائه الأربعة والخامس على الطريق.
وإذا ما قصدت بلدة حمانا اليوم فستطالعك في ساحة الميدان المطاعم والمقاهي الموزعة على جوانبها وقد أعيد بناء ديكوراتها من قبل البلدية. كما جرى رصّ أرضها بالبلاط الأسود الخاص بالمشاة. فهي في أيام عطلة الأسبوع تشهد كثافة زوار، بحيث يُمنع مرور السيارات على طرقات الميدان ومتفرعاتها وتصبح مخصصة فقط للمشاة.
ويتهافت اللبنانيون من أبناء المنطقة وخارجها على زيارة ساحة حمانا والتقاط صور تذكارية أمام «ملحمة الهيبة» ومركز «مختار الهيبة» و«مقهى الهيبة». وهي مواقع استحدثت بعضها لتتلاءم مع أحداث العمل الدرامي. ويقول أحد أبناء البلدة ميشال الزوقي: «تشهد بلدتنا في موسم الصيف خاصة إقبالاً كبيراً من قبل سياح عرب ومغتربين، وتمتلئ مطاعمها ومقاهيها بالزوار من كل حدب وصوب». ويتابع في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك أن مسلسل (الهيبة) أسهم في شهرة البلدة وتعريفها إلى جيل من الشباب لم يواكب حقبتها الذهبية في السبعينات. وهناك كثيرون يقفون أمام معالم الميدان المتسمة بطابع المسلسل يلتقطون صوراً تذكارية، فيكونون سعداء في الجلوس على كرسي جبل شيخ الجبل في مقهى الهيبة، أو زيارة الملحمة التي وقف الممثل عادل كرم أكثر من مرة يصور مشاهده فيها».
ويشير الزوقي إلى أنّ الملحمة تعود إلى لحام من البلدة وهو شربل ناصيف، وكان هو من يمارس مهنة الجزار في المسلسل، بعيداً إلى حد ما عن الكاميرا، لأنّ مهمة قطع اللحوم هي فن بحد ذاته، واختير ليقوم بها لأنّه يحترفها. ويعلق: «البلدة برمتها تنتعش في مواسم تصوير الـ(هيبة)، ولقد تعرفنا إلى أبطاله عن قرب«.
اليوم تستعد بلدة حمانا لاستقبال «الهيبة» في جزئه الخامس. ويقول إدمون رزق ابن البلدة: «كان من المقرر أن يبدأ التصوير في هذا الشهر من السنة، ولكنّه أُجّل حتى نهاية الموسم، لأنّ البلدة في الصيف تزدحم بسكانها وبالسياح، فيصبح من الصعب التحكم بالطرقات وإقفالها».
المعروف أنّ الجزء الخامس من المسلسل وعنوانه «الهيبة جبل» سيلعب بطولته إلى جانب الممثل السوري تيم حسن الممثلة اللبنانية إيميه صياح، ويشارك فيه باقي فريق العمل من وجوه تابعناها في الأجزاء الأربعة منه، وحده الممثل السوري أويس مخللاتي لن يشارك فيه. وتردد أنّ كتاب الجزء الخامس اختاروا نهاية لدور الفنان أويس مخللاتي في الجزء الأخير من المسلسل بحيث تعلن وفاته، وأنّ الطلاق بينه وبين الشركة المنتجة تمّ ويعود لخلافات بين الطرفين.
عملية تصوير المسلسل في جزئه الخامس انطلقت مع بداية شهر مايو (أيار) الماضي، في مواقع أخرى غير بلدة حمانا. ونشر بطل العمل تيم حسن على أحد حساباته الإلكترونية، صورة له، مشيراً إلى أنّها من ضمن أحد مشاهد الجزء الجديد.
بعض بيوت بلدة حمانا باتت ترتبط ارتباطاً مباشراً بأبطال الهيبة، كالمنزل الذي يقطنه شاهين ووالدته (الممثلان عبده شاهين وختام اللحام)، فهي تعود إلى واحد من أهالي حمانا هو جوزيف أبو فرح، فهو كغيره من أبناء البلدة تعاونوا مع شركة الصباح، وقدموا بيوتهم لاستخدامها في عملية التصوير. ويعلق جاك يمين من أبناء البلدة: «كثيرون من أهل البلدة يستفيدون مادياً من المسلسل، خصوصاً أصحاب أي موقع يستخدم في تصوير مشاهد العمل، فيجري دفع مبالغ مالية في مقابل استئجارها».
وما لا يعرفه كثيرون هو أن منزل جبل شيخ الجبل لا يمت لبلدة حمانا بأي صلة، بل هو يقع في بلدة بصوص. تم اختياره من قبل شركة الصباح ليكون منزل البطل الرئيسي للعمل الدرامي. ويعود هذا المنزل لأحد الأطباء اللبنانيين من آل طراد واستوحاه من العمارة الفرنسية القديمة، واستقدم لهذا الهدف المهندس المعماري فادي وردة، وتولى هندسته الداخلية فضل الله داغر وجورج عيد الهبر. ويتألف البيت من طابقين أحدهما مخصص لغرف النوم، وآخر للمطبخ وغرفتي جلوس، وتحيط به حديقة واسعة، واستخدمت جميع أقسامه في مشاهد رئيسية من المسلسل.
حالياً يروج موسم قطاف الكرز في بلدة حمانا الذي تنظم شركات نقل وأخرى تعمل في السياحة الداخلية رحلات خاصة للمشاركة فيه. ويقول عبده صاحب مطعم «أبو ملحم» في البلدة، إنّ الساحة تزدهر في فصل الصيف، ويصبح من الصعب في أيام عطلة الأسبوع حجز مقعد في مطعمه. ويتابع: «المطاعم في حمانا تقدم مأكولات مختلفة بينها اللبناني والإيطالي والفرنسي، إضافة إلى تلك المعروفة بوجباتها السريعة. وحاولنا الحفاظ على الطابع القروي في غالبيتها فأبقينا على هندستها العريقة. كما استخدمنا في معظمها كراسي الخيزران التي تذكرنا بمقاهينا القديمة».
وإذا ما زرت بلدة حمانا لا بد أن تتوقف عند باعة الحلويات فيها من آل عريضي، لتذوق أشهى كعكة كنافة بالجبن. وإذا ما أكملت طريقك نحو الميدان يستوقفك منزل الأديب الفرنسي لامارتين، الذي سكن بلدة حمانا لمدة طويلة. وهو معلم سياحي يزوره الناس من حمانا وخارجها، ويشغله اليوم أحد القضاة اللبنانيين.
وبين ملامح مسلسل «الهيبة» التي تطبع البلدة، ومقاهيها الزاهية الألوان الموزعة على «السوق التحتاني» والميدان، تمضي يوماً سياحياً بامتياز تختتمه بارتشاف فنجان قهوة في مقهى «أبو بطرس» الواقع وسط الساحة. وتعود منها محملاً بالكرز البلدي المقطوف للتو من قبل أهالي البلدة. كما ترافقك، في طريق الرجعة، كواليس مسلسل «الهيبة»، فتتفقد فرحاً ومع ابتسامة عريضة الصور التي التقطتها بقرب معالمها للذكرى.
قد يهمك أيضاّ :
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر