منذ اليوم الأول لاندلاع المواجهات بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، كان الدور المصري حاضرا بقوة سعيا للتهدئة، حتى تمكنت القاهرة من إنجازها وأعلن الجانبان الموافقة على مقترح التهدئة المصري ودخلت حيز التنفيذ صباح الجمعة. وأشاد خبراء ومراقبون بجهود مصر لإنهاء الحرب، واعتبروها امتدادا لدورها التاريخي والقيادي في تبني القضية الفلسطينية ورعاية وحماية الشعب الفلسطيني الشقيق.
وأوضح الخبراء أن الجهود المصرية في الأزمة الراهنة شملت أكثر من محور، أولها اتفاق الطرفين على وقف إطلاق النار ثم تثبيته، والوصول إلى تفاهمات لإبقاء الأوضاع هادئة لأطول فترة ممكنة، بما يُسهم في فعالية التحركات التي ستقوم بها الدولة المصرية في الفترة المقبلة، بداية من المشاركة في إعادة إعمار غزة، وصولاً إلى حشد دولي باتجاه حل الدولتين، واستثمار وجود إدارة أميركية مقتنعة به وحالة "توازن الرعب" لدى الطرفين بعد 11 يوما من المواجهات.
وتابع الخبراء أن تحركات القاهرة كانت ولا تزال على أكثر من مستوى، حيث أرسلت في بداية الأزمة وفدا أمنيا ودبلوماسيا إلى غزة وتل أبيب لإجراء مباحثات مع الجانبين ومتابعة تطور الأوضاع على الأرض. وتبنى الرئيس عبدالفتاح السيسي طرح الأزمة في قمة بباريس جمعته بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، وأطلق من هناك مبادرة لتخصيص نصف مليار دولار لإعمار غزة ووجه بفتح المستشفيات المصرية ومعبر رفح لنقل المصابين الفلسطينيين للعلاج داخل مصر.
ويرى اللواء دكتور نصر سالم، أستاذ العلوم الاستراتيجية والخبير في الملف "الفلسطيني - الإسرائيلي" أن التدخل المصري في الأزمة الراهنة، فاق التوقعات المحلية أو العالمية. وأوضح أن جهود "وقف إطلاق النار"، دور تؤديه مصر دوماً في أي صراع يندلع بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، مشيرا إلى أن الموقف المصري الساعي للتهدئة مدفوع بالحرص على استقرار المنطقة بالكامل، فضلا عن حماية الامن القومي المصري عندما تكون غزة هي ساحة المواجهات.
ويوضح أستاذ العلوم الاستراتيجية، في حديث لـ"سكاي نيوز عربية"، أن التحركات المصرية لم تقتصر على إرسال وفود للتباحث مع طرفي الصراع، لكن هناك اتصالات جرت في الغرف المغلقة وقادت للتفاهمات، وبعضها أعلن للعالم، بداية من مباحثات الرئيس عبدالفتاح السيسي في باريس، حتى جهود موظفي وزارة الخارجية أو "جهاز الاتصال المصري" مع الجانبين على مدار أيام الأزمة.
ويضيف اللواء سالم أن التحركات المصرية الراهنة هي المرحلة الأولى لرؤية مصرية متكاملة لحل القضية الفلسطينية، تبدأ بوقف إطلاق النار وتثبيته واستعادة الاستقرار، تمهيدا لطرح القضية على المستوى الدولي، وبحث حلول نهائية لها. ويشير إلى أن التحركات المصرية المقبلة ستتضمن عنصرين أساسيين، أولهما دخول الشركات المصرية المتخصصة في البنية التحية وأعمال المقاولات لتنفيذ مشروعات إعادة إعمار قطاع غزة، موضحاً أن مصر سترحب بمشاركة من يريد المشاركة في السلام والاستقرار والبناء والتعمير في القطاع. والمحور الثاني هو "الحشد العالمي لحل القضية الفلسطينية"، تأسيساً على الاتصالات والتحركات المصرية في الفترة الماضية، ورؤية الإدارة الأميركية الحالية المؤمنة بـ"حل الدولتين"، فضلا عن تغير مواقف دول أوروبية وبدء قبولها هذا الحل وإمكانية تنفيذه، بعدما كانت ترفضه لسنوات.
وأعرب السفير محمد إدريس، مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك، أمام جلسة الجمعية العامة الطارئة، عن الأمل في أن يسهم وقف إطلاق النار في اتخاذ عدد من الإجراءات السريعة الملموسة على الأرض، بما يؤدي إلى هدوء الأوضاع وإعادة الإعمار في قطاع غزة، وبما يتيح النظر في كيفية الشروع في مفاوضات سلام حقيقية جادة للوصول إلى حل دائم وعادل للقضية الفلسطينية.
وفي وقت سابق قال سامح شكري، وزير الخارجية المصري، في كلمة أمام جلسة افتراضية لمجلس الأمن، إن "حل الدولتين لا يزال الخيار العملي الوحيد لإزالة للاحتقان الحالي"، مؤكدا أنه "لا سلام دون حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية". وجاءت الموافقة على مقترح التهدئة المصري كثمرة لجهود القاهرة المتواصلة لوقف إطلاق النار، وقبيل إعلانها بساعات قليلة، كان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي تلقى اتصالا هاتفيا من نظيره الأميركي جو بايدن، وتم خلاله التوافق على احتواء التصعيد ووقف إطلاق النار، كما أجرى السيسي محادثات مماثلة مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، مساء الخميس.
وقال بيان الرئاسة المصرية إنه "إضافة إلى التهدئة والهدنة، ناقش السيسي وغوتيريش أهمية إطلاق جهد جماعي دولي يهدف لإعادة بدء مسار المفاوضات بين الجانبين، لتحقيق السلام المنشود وفق المرجعيات الدولية". ووجه الرئيس السيسي بإرسال وفدين أمنيين إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية للعمل على تثبيت الهدنة والاتفاق على الإجراءات اللاحقة التي من شأنها الحفاظ على استقرار الأوضاع بصورة دائمة.
ويقول الخبير في الملف "الإسرائيلي – الفلسطيني"، إن هناك حالة من "تبادل الرعب" بين الفلسطينيين والإسرائيليين حالياً؛ حيث يشعر الجميع أنهم "خاسرون" حتى لو زعموا عكس ذلك في العلن، ويجب أن تغذي مصر شعور أن "الكل سيكسب من السلام"، وتبني على هذا الأمر، لتثبيت الاستقرار. ويقول أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس والباحث في الصراع العربي الإسرائيلي، إن مصر تحركت مبكرا فور اندلاع المواجهات مع القوات الإسرائيلية والفلسطينيين في القدس والمسجد الأقصى وحي الشيخ جراح، وأجرت القاهرة تحركات مكثفة، حتى قبل بدء العدوان على غزة.
وأوضح الرقب أن التحركات المصرية الأخيرة مختلفة ومتطورة عن التدخلات السابقة وعادت معها مصر بقوة لريادتها في المنطقة، ودورها الطبيعي كونها القوة الإقليمية الكبرى والقوية، وباعتبار أن قطاع غزة ملاصق للحدود المصرية أيضاً، وملف أمن قومي مصري. ولفت الأكاديمي الفلسطيني، الذي شارك في مؤتمر إعادة إعمار غزة الذي احتضنته مصر عام 2015 عقب العدوان الإسرائيلي في 2014، أنه خلال الأزمة السابقة منع الاحتلال دخول مواد البناء والإعمار للقطاع بسبب عمل شركات دولية في المشروعات، لكن إعلان الرئيس عبدالفتاح السيسي عمل شركات مصرية على "إعادة الإعمار" أي تحت حماية الدولة المصرية، بما يعني نفاذ كافة المستلزمات اللازمة لإعادة إعمار القطاع، مضيفاً: "هذا من أهم التغيرات المصرية في إدارة تلك الأزمة".
وتابع الرقب قائلا إن الدولة المصرية عملت على تحقيق التوازن فى إدارة الأزمة وسعت بجد إلى التهدئة منذ بداية الاعتداءات على غزة، ويظهر ذلك في زيارة وفودها الأمنية لتل أبيب ورام الله وحماس، موضحاً أن كافة تلك الجهود كانت حقناً لدماء الشعب الفلسطيني، وهو جهد وطني وعربي مقدر يضاف إلى جهود مصر المستمرة للبحث عن حل دائم وعادل القضية الفلسطينية. ولم تتوقف جهود القاهرة عند المساعي الدبلوماسية، فمنذ اليوم الأول فتحت مصر مستشفياتها في 3 محافظات لاستقبال الجرحى الفلسطينيين عبر معبر رفح للعلاج في مصر.
ووجه حزب مستقبل وطن بمشاركة عدد من الأحزاب المصرية وتنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين قافلة مساعدات كبرى إلى غزة، تزامن وصولها إلى معبر رفح مع سريان وقف إطلاق النار الجمعة.وأرسلت وزارة الصحة المصرية في وقت سابق قافلة مساعدات تضم 65 شاحنة مساعدات طبية وإغاثية إلى غزة، وسلم الهلال الأحمر المصري قافلتين للهلال الأحمر الفلسطيني.
قد يهمك ايضا:
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر