تونس - اليمن اليوم
لم تستسغ أطراف برلمانية وسياسية في تونس دعوة شورى حركة النهضة إلى تشكيل حكومة سياسية في ظل الوضع الصعب الذي تمر به البلاد خاصة على المستوى الصحي الناجم عن استفحال وباء كورونا.وفي بيان له، دعا مجلس شورى النهضة المنعقد مؤخرا إلى "تكوين حكومة سياسية قوية في المرحلة القادمة تكون قادرة على مواجهة القضايا الراهنة وتتحمل مسؤوليتها أمام الشعب". كما شدد البيان على "مناقشة المسائل الخلافية بعيدا عن الشحن والتشنج وفي كنف احترام الرموز الوطنية ومؤسسات الدولة ومقتضيات العيش المشترك بين التونسيين والتونسيات".وتشير أطراف مقربة من النهضة إلى أن الحركة لا تنوي التخلي عن رئيس الحكومة الحالي هشام المشيشي، وهو ما قد يطرح خلافا جديدا مع رئيس الجمهورية قيس سعيّد الذي يرغب في رحيل الرجل.وقوبلت هذه الدعوة برفض واسع من الأطياف البرلمانية التي ترى أن تشكيل حكومة جديدة مهما كان نوعها سياسية أو مستقلة هو خلط غير منطقي لسلّم الأولويات، خاصة وأن الوضع الوبائي بلغ درجة غير مسبوقة وصفتها اللجنة العلمية بـ"التسونامي".
قفز على الأولويات
وقال النائب عن الكتلة الوطنية مبروك كورشيد لـ"سبوتنيك"، إن أولويات الشعب التونسي لا تتمثل في تشكيل حكومة سياسية كانت أم تكنوقراط، وإنّما في الالتفات إلى الوضع الوبائي الذي يتّسم بالخطورة الشديدة.وأضاف: "كان من الأفضل لحركة النهضة أن تجهد تفكيرها في استنباط حلول لإخراج البلاد من هذه الكارثة الصحية وإنقاذ المواطنين الذين تتساقط أرواحهم يوميا والعمال الذي يفقدون مواطن رزقهم بسبب الغلق".واعتبر كورشيد أن الحديث عن حكومة سياسية في هذه المرحلة هو قفز على الأولويات ومحاولة جديدة لاستقطاب سياسي لا فائدة منه وسعي من حركة النهضة إلى إلقاء الحجر في المياه الراكدة وشغل الناس بمسألة ليست ذات أهمية بالنسبة إليهم.ولا يعارض النائب مسألة تغيير هذه الحكومة التي يقول إنها فشلت في جميع الاختبارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأخيرا الصحية، مضيفا "ولكن قبل ذلك يجب أن يتّحد الجميع بما في ذلك رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية والبرلمان ومختلف الأطراف الوطنية لمجابهة هذا الوباء الذي عصف بحياة التونسيين والتونسيات".ويرى كورشيد أن حركة النهضة تغرّد خارج سرب الشعب الذي فقد ثقته في الحكومة وفي الدولة عموما وملّ من الاستماع إلى الخطابات الرنانة والمزايدات السياسية، بينما بقي وحيدا في مجابهة وباء لعين.
إجهاض لمبادرة الحوار الوطني
وفي تصريح لـ"سبوتنيك"، اعتبر النائب عن حركة الشعب عبد الرزاق عويدات أن دعوة شورى النهضة إلى تشكيل حكومة سياسية برئاسة هشام المشيشي هي محاولة لإجهاض عملية إغاثة الحوار الوطني الذي أطلقه الاتحاد العام التونسي للشغل في كانون الأول 2020. وأضاف أن هذه الدعوة "مواصلة لمسار التعديل الوزاري الذي أعلنه المشيشي في يناير 2021 بدفع من الحزام البرلماني الذي تقوده النهضة والذي أفرغ الدعوة إلى الحوار الوطني من محتواها".ويرى عويدات أن تغيير الحكومة في الوقت الراهن ليس الحل الأنسب لإخراج البلاد من الأزمة الراهنة، مضيفا أن الحل يكمن في جلوس مختلف الفرقاء السياسيين إلى طاولة المفاوضات ومناقشة الملفات العالقة وعلى رأسها الوضع الصحي المتأزم بعيدا عن الخلافات السياسية. وقال: "ما يعنينا هو الدعوة إلى حوار وطني ينتهي بثلاثة مخرجات أساسية، أولها تشكيل حكومة انقاذ وطني تلتزم بتنفيذ الاصلاحات المتفق عليها، وثانيها الاتفاق على شكل آخر للنظام السياسي يخرج بنا من النظام الحالي الي جعل تونس في وضعية بلشلل دائم، وثالثا مصادقة البرلمان على نظام انتخابي جديد يفرز مجلسا تشريعيا مختلفا عن الحالي في تكوينه ونمطه.
الصدام مع الرئيس من جانبه، يرى النائب عن الكتلة الديمقراطية رضا الزغمي في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن مقترح النهضة ليس الحل الأسلم والقادر على إخراج تونس من أزمتها الراهنة.وأوضح: "حتى لو تم الاتفاق على حكومة سياسية جديدة فإن احتمال رفضها من قبل رئيس الجمهورية يبقى من الفرضيات المطروحة بقوة، وبالتالي فإن هذا المقترح سيعيد إنتاج الأزمة من جديد". ولا يستبعد الزغمي وجود اتفاق خفيّ بين رئيس الجمهورية قيس سعيّد ورئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في لقائهما الأخير الذي بقيت مخرجاته مجهولة. وتابع: "وجود اتفاق بين الرجليْن أمر وارد الحدوث خاصة وأن الفعل السياسي أصبح يمارس داخل الغرف المغلقة والمظلمة أكثر منه في العلن، وحتى رئيس الجمهورية الذي شجّب وانتقد هذه الممارسات أصبح بدوره يعقد اجتماعات داخل غرف مغلقة ودون إعلام الرأي العام بفحواها". ويرى الزغمي، أنه في حال لم يكن هناك اتفاق بين سعيّد والغنوشي فإن ذلك سيحيل البلاد إلى المأزق الثاني وهو الصدام مجددا مع الرئيس وتكرار سيناريو التحوير الوزاري بشكل أشد وأكثر تعقيدا من المرحلة السابقة.
إنقاذ الائتلاف
واعتبر النائب أن دعوة النهضة إلى تشكيل حكومة سياسية بقيادة المشيشي هي محاولة للخروج من أزمتها وإنقاذ الائتلاف البرلماني الذي يجابه أزمة حقيقية. وأضاف أن تمسك النهضة برئيس الحكومة الحالي هشام المشيشي، الذي يُجمع أغلب الفاعلين السياسيين والاقتصاديين على أنه فشل في مهمته، يعود إلى كونه الشخصية الأكثر طواعية للحركة والأكثر تماهيا مع مخططاتها، وفقا لقوله. وأشار الزغمي إلى أن حديث شورى النهضة عن تشكيل حكومة سياسية هو مغالطة، على اعتبار أن الحكومة الحالية هي حكومة انتماءات سياسية غير معلنة تتظاهر بكونها حكومة كفاءات مستقلة، ذاكرا على سبيل المثال رئيس كتلة الإصلاح بالبرلمان حسونة الناصفي الذي يقول الزغمي إنه من أصحاب الحكم في القصبة.واعتبر الزغمي أن هذه المسائل لا يجب أن تأخذ بمقترحات اعتباطية وإنما الرجوع إلى المضلّة الجامعة وهي الاتحاد العام التونسي للشغل والالتزام بمبادرته في المضي نحو حوار وطني يفضي إلى معالجة الملفات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.وختم الزغمي حديثه بقوله: "للأسف هذه الدعوة على أهميتها لم تجد آذانا صاغية لا من رئيس الجمهورية قيس سعيّد ولا حتى من عدد من الكتل البرلمانية والأحزاب السياسية وعلى رأسهم حركة النهضة والائتلاف الحكومي الذين أبدوا تلكأ في دعم المبادرة".
قد يهمك ايضا
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر