أنقرة ـ جلال فواز
تواصل الإضطرابات طريقها في تركيا، بعد مرور 5 أشهر على محاولة الانقلاب للإطاحة بإدراة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، حيث تم التخلص من عشرات اللآلاف من البيروقراطيين وضباط الجيش والشرطة والقضاة والأكاديميين ضمن عملية تطهير بسبب صلتهم المزعومة بفتح الله غولن الداعية المقيم في الولايات المتحدة والذي تعتقد الحكومة والكثير من المعارضة انه وراء محاولة الانقلاب
وأكدت الكاتبة في صحيفة "جمهوريت" التركية، عائشة يلدريم، أن رئيس تحرير الصحيفة مراد سابونشو هو واحد من العشرات من زملائها الذين قد يسجنوا، حيث اتّصل عليها مؤخّرًا وأخبرها أن "الشرطة في شقتي ويلقون القبض علي"، وقد تم إغلاق الكثير من وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية على خلفية هذه المحاولة بتهمة التحريض على الدعاية المتطرفة، في اشارة إلى منظمة فتح الله غولن أو حزب العمل الكردستاني وهي عبارة عن مجموعة انفصالية تقاتل ضد الدولة التركية، ويقول المنتقدون إن عمليات التطهير ذهبت لما هو أبعد من نطاق غولن وحركته حيث شملت المعارضين السلميين الذين عارضوا الرئيس والذي يسعى إلى تعديل الدستور التركي لتحويل البلاد من الديمقراطية البرلمانية إلى نظام رئاسي.
وتعد صحيفة جمهوريت مثالًا على ما سبق، وتأسست هذه الصحيفة في عام 1924 واستمرت لفترة طويلة رمزًا للنظام العلماني في تركيا لكنها وجدت نفسها في السنوات الأخيرة مرمى للحكومة وقد اعتقل رئيس تحريرها السابق جان دوندار العام الماضي عقوبة له على تقرير يدعي أن جهاز المخابرات الوطني كان يرسل شاحنات مليئة بالأسلحة للمقاتلين المتمردين في سورية تحت ستار المساعدات الإنسانية وبسبب تقرير الصحيفة في عام 2013 حول قضية الفساد التي استهدفت الدائرة المقربة من إردوغان، وخلال هذا الشهر اعتقل نحو 13 صحافيًا ومحاميًا وأعضاء مجلس إدارة بما فيهم الرئيس التنفيذي للصحيفة، كجزء من تحقيق التطرف الذي يدعيه كبار موظفي الصحيفة بأن "الجرائم ترتكب باسم" غولن وحزب العمل الكردستاني دون الذهاب لما هو أبعد من ذلك لاتهامهم بأنهم أعضاء في أي من المجموعتين.
وأكد المحرر السابق في صحيفة جمهوريت، أيدين أنجين، أن الحكومة تهدف إلى اسكات صوت الصحيفة، مضيفًا: "يريدون إسكات صحيفة جمهوريت لأنها الآن الصحيفة الوحيدة التي ليست عضو في الحزب، يحاولون إسكات تلك القلعة الأخيرة المتبقية وسيادة القانون في التجميد العميق"، وكان أنجين قد عاش في المنفى في ألمانيا لسنوات وسجن لأكثر من مرة بسبب كتاباته السياسية ثم اعتقل مرة أخرى في العملية الأخيرة وأطلق سراحه نظرًا لكبر سنه وضحك عندما سئل عن استجوابه والذي تضمّن اتهامه بارتكاب جرائم نيابة عن حزب العمل الكردستاني وغولن والعمل لصالح المخابرات الأميركية ورد أنجين على ذلك قائلًا "هذا جنون، لكنني لا أعتقد ان المدعين يعرفون معنى كلمة التناقض اللفظي".
وطوقت الشرطة الطرق المؤدية لمكاتب الصحيفة في إسطنبول، ووقف الصحافيّون يدخنون بشراهة وعصبية في ساحة الصحيفة، أمام لافتة معلّقة تحمل صورة كبيرة لمصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية على واجهة المبنى كتب عليها "الشجاعة هنا"، ولطالما اشتكى الصحافيون في تركيا من من شن حملة على الصحافة وعلى نطاق واسع من التخويف ولاسيما ضد وسائل الإعلام الكردية، حيث تم إغلاق الصحف ومحطات التليفزيون لاتهامها بالتعاطف مع مؤيدي غولن واستولت عليها الحكومة من قبل مجالس الأمناء التي عينتها وغالبًا ما يتم تحويل هذه الجهات المغلقة لوسائل تابعة للموالين للنظام، ويمكن للحكومة الآن أن تعين مجلس أمناء لإدراة الصحيفة خاصة بعد الاعتقالات لكن يبدو أن هذا التخويف سيحفّز على التغيير في السياسة التحريرية.
وصرح نائب رئيس الوزراء التركي ويسي كايناك أمام البرلمان بأن الحكومة تتعمد تجنب الاستحواذ وقال "نريد من صحيفة جمهوريت ان تصحح خطأها"، ويبدو هذا "الخطأ" أن سياسة التحرير التي تتعارض مع الحكومة على قضيتين رئيسيتين هما: موقفها من عمليات التطهير بعد الانقلاب والتي وصفت بأنها "مطاردة الساحرات" وبسبب موقفها من القضية الكردية حيث أيدت الحل السلمي للصراع على الرغم من التخلي عن محادثات السلام والعنف المتزايد في المناطق الكردية، ومنذ 20 عامًا كان القراء يدهشون لرؤية صحيفة جمهوريت تؤيد السلام مع الأكراد، وفي بداية عام 1990 كان رئيسها القوي إلهان سلجوق مقرب من كبار الجنرالات في تركيا والقوميون المتطرفون وأيد بالكامل استجابة الأمن للمطالب الكردية، وبعد وفاته في عام 2010 عملت الصحيفة على الإصلاحات الديمقراطية في تركيا لكن حتى مع كتابة صحفييها لأعمدة تعارض سياسة إردوغان وكانوا ضد الانقلاب بشدة ويعتقدون أن غولين كان وراء كل ذلك، ووفقًا لمحاضر استجواب الصحافيين وتكرار المدعين لسؤالهم عن التغيرات في سياستهم التحريرية وما إذا كانوا يبعثون برسائل خفية في عناوينهم الرئيسية لتأييد الانقلاب، وكشفت يلدريم: "كانت هذه تراجيدية كوميدية"، ويبدو ان الوضع الذي يجدون أنفسهم فيه هو سيريالي بالنسبة ليلدريم وزملائها، وفي يوم الاعتقالات حيث تجمعوا في غرفة الأخبار وتم استدعاء المزيد والمزيد من الموظفين إلى مركز الشرطة للإدلاء بشهادتهم أو اعتقالهم، وواحد من هؤلاء الموجودين في غرفة الأخبار في هذا اليوم كان مدير التحرير بولنت أوزدوغان والذي كان يعمل في الصحيفة لمدة 16 عامًا ووقال وهو يبدو عليه الإرهاق حيث توجد هالات سوداء حول عينيه وصوته أجش "لقد أصبحنا الخبر ولا أعرف ما إذا كان هذا جيدًا أم لا، نريد أن نقدم أخبارًا لا أن نكون نحن الخبر وسنستمر لنكون صحيفة جيدة وهذا كل ما أستطيع قوله".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر