اختفت هذه الحوادث، رغم مناخ التضييق على حرية الإعلام في تركيا بحسب المنظمات الدولية المعنية بالصحافة ومنظمات حقوق الإنسان، إلى أن أطلت بقوة وبمعدل أسرع قبل انتخابات الإعادة في إسطنبول بعد خسارة الحزب الحاكم فيها في الجولة الأولى. وشهدت هذه الفترة ظاهرة الاعتداء على الصحافيين بمضارب البيسبول أو بالضرب المبرح أو باستخدام آلات حادة وتعرض حياة بعضهم لخطر الموت.
بدأت الموجة الجديدة بالاعتداء على كاتب العمود في صحيفة «يني تشاغ» اليومية ياووز سليم دميرآتس، بمضارب البيسبول على يد مجهولين تعقبوه منذ خروجه من عمله في برنامج بإحدى القنوات المعارضة إلى منزله في أنقرة في 10 مايو الماضي بصحبة أحد زملائه وأصيب بجروح خطيرة في رأسه ووجهه وأنحاء جسمه وقبض على 6 أشخاص بعد بيان صدر عن جمعية الصحافيين الأتراك دعت فيه إلى تقديم الجناة إلى العدالة، وألقت باللوم في هذا الاعتداء الإجرامي، على أجواء الشقاق والتنازع التي خلقها حزب العدالة والتنمية التنمية الحاكم، فضلاً عن عدائه «الفج» لحرية التعبير واعتبارها جريمة، مؤكدة أن الاستهداف المستمر للصحافيين والصُحف من قبِل السياسيين الذين يجدون صعوبة في الإيمان بمبدأ حرية الصحافة والفكر والتعبير، يلعب دوراً رئيسياً في الهجمات العنيفة ضد الصحافيين والكتّاب والمبدعين.
المثير أن المتهمين الستة بالاعتداء على الصحافي التركي أفرج عنهم بعد احتجازهم لفترة وجيزة للتحقيق بدعوى أن «الصحافي لم يتعرض لخطر الموت»، وعلق المتحدث الرسمي باسم حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، فايق أوزتراك بأن الإفراج السريع عن المشتبه بهم هو مؤشر واضح جداً على أنهم كانوا محميين من قبِل السلطات التركية.
ولم يمض سوى 5 أيام على هذا الاعتداء، حتى وقع اعتداء شبيه على كاتب العمود في صحيفة «أكدينيز ييني يوزيل»، إدريس أوزول، خارج مكتب الصحيفة في أنطاليا (جنوب تركيا)، وقالت جمعية الصحافيين المعاصرين، إن أحد المعتدين عليه كان يعمل سائقاً لرئيس فرع حزب الحركة القومية، الحليف لحزب إردوغان في أنطاليا، تالو بيلجيلي، الذي هدد الصحافي قبل الاعتداء.
وكالعادة، احتجزت الشرطة التركية المعتدين لفترة وجيزة، قبل إطلاق سراحهم، قال أوزول «52 عاماً»: «لقد تعرضت للهجوم بسبب آرائي السياسية، هم يحاولون أن يخيفوا الناس».
وفي اليوم التالي للهجوم على أوزول، الذي وقع في 15 مايو، بعث المعهد الدولي للصحافة، إلى جانب 20 منظمة دولية أخرى تعمل لصالح حرية التعبير، برسالة مشتركة إلى إردوغان، قالوا فيها: «نود أن نطلب منكم إدانة هذه الهجمات بأقوى العبارات الممكنة ودعوة الشرطة والنظام القضائي إلى ضمان تقديم مرتكبي هذه الهجمات إلى العدالة».
وأضافوا: «في الوقت الذي تستعد فيه تركيا لإعادة الاقتراع على رئاسة بلدية إسطنبول في الانتخابات المتنازع عليها بشكل كبير، فإن الأسابيع المقبلة ستمثل اختباراً مهماً لديمقراطية البلاد، التي تواجه بالفعل تحدياً كبيراً من خلال سجن الصحافيين».
لكن بعد أقل من أسبوع على تلك الرسالة، تعرض رئيس تحرير موقع «جوناي خبر»، أرجين تشيفيك، للضرب المبرح في أنطاليا أيضاً على يد 3 مجهولين ألقي القبض عليهم لاحقاً قبل أن يطلق سراحهم أيضاً.
وفي 24 مايو، كان هاكان دنيزلي، مؤسس صحيفة «إيغمان» اليومية في أضنة (جنوب تركيا) ضحية لهجوم بالأسلحة البيضاء، وقبع في العناية المركزة، فيما تعرض كاتب العمود في موقع «أودا تي في»، صباح الدين أونكيبار، للضرب أثناء عودته إلى منزل في أنقرة لكتابته تقريراً يتعلق بانتخابات إسطنبول أشار فيه إلى تعرض أعضاء اللجنة العليا لمغريات من أجل إلغاء فوز إمام أوغلو برئاسة البلدية، وفي الواقعتين أطلق سراح المعتدين بعد احتجاز لفترة وجيزة.
وقال مجلس الصحافة التركي: «هذه الحوادث التي تستهدف حياة زملائنا الذين يمارسون الصحافة الناقدة تحدث بطريقة منظمة ومخطط لها مسبقاً. وتعطي أساليب المهاجمين انطباعاً بأنها موجهة من المصدر ذاته»، لافتاً إلى أن وسائل الإعلام التركية وصلت إلى حد الاختناق في ضوء الحملة الشرسة ضد حرية التعبير من جانب الحكومة.
- ممارسات قمعية
بحسب تقرير حول مراقبة وسائل الإعلام لعام 2018 في تركيا، باتت الممارسات القمعية ضد الصحافيين أمراً معتاداً، حيث حكم في العامين الماضيين على 7 صحافيين بالسجن لمدة تتراوح بين 5 سنوات و45 سنة، وعلى 64 آخرين بمجموع أحكام بالسجن لمدة تصل لأكثر من 480 سنة، كما حكم على 52 آخرين بالسجن لمدة تصل لأكثر 122 سنة على خلفية اتهامهم بدعم محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016.
وذكر التقرير أن الصحافيين يواجهون خطر فقدان وظائفهم إذا لم توافق الحكومة على تقاريرهم، فمنذ عام 2016، تم فصل المئات منهم أو إجبارهم على الاستقالة أو تركهم عاطلين عن العمل بعد إلغاء البرامج التي يعدونها أو إغلاق المنافذ الإعلامية والصحف التي يعملون بها. ووفقاً لبيانات نقابة الصحافيين الأتراك، فإنه تزامناً مع الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة في 3 مايو الماضي، يقبع في السجون التركية 142 صحافياً.
وفي مقال نشره معهد «غايتستون إنستيتيوت» الأميركي، أشار الصحافي التركي بوراك بكديل إلى تنامي ثقافة العنف السياسي في تركيا في ظل حكم حزب العدالة والتنمية ورئيسه رجب طيب إردوغان.
ولفت بكديل إلى أن الحوادث التي يواجهها الصحافيون المعارضون ليست مصادفة، ففي سبتمبر (أيلول) 2015، هاجمت مجموعة من الحزب الحاكم مقرات صحيفة «حرييت»، أوسع الصحف انتشاراً في تركيا، وكانت تابعة للمعارضة. حطم الحشد النوافذ بالعصي، والحجارة، مطلقين صيحات التكبير، كما لو كانوا في حرب دينية. في الواقع، ظن الحشد أنه كان يخوض حرباً مماثلة، لأنها كانت «صحيفة علمانية» منتقدة لإردوغان. ولفترة طويلة، شاهدت القوى الأمنية الحوادث بفريق وحيد من الشرطة. أنزل الحشد العلم عن «مجموعة دوغان» التي كانت تملك «حرييت» وأحرقته. وبعد مطالب متكررة، نُشر المزيد من عناصر الشرطة. كان نائب الحزب الحاكم عن مدينة إسطنبول رئيس فرع الشباب في الحزب عبد الرحيم بوينو كالين، ضمن الحشد. وقال عبر «تويتر»: «نتظاهر ضد الأخبار الكاذبة أمام (حرييت) ونحن ننشد آيات من القرآن لأجل شهدائنا».
ما حصل أن مهاجمة صحيفة كان عملاً مقدساً عند هؤلاء. وبعد ذلك بشهر تعرض الكاتب في الصحيفة أحمد هاكان لاعتداء تسبب في كسر أنفه وعدد من ضلوعه. ثم تكرر الاعتداء على الصحيفة مرة أخرى. وقبل أشهر قليلة من هذه الحوادث، اتهم إردوغان مالك «حرييت»، رجل الأعمال البارز أيدن دوغان، بأنه «محب للانقلاب» واتهم الصحافيين بأنهم «دجالون».
قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ :
وزير الخارجية البريطاني يُعيِّن أمل كلوني سفيرة لحرية الإعلام
احتدام المنافسة بين الحزب الحاكم والجمهوريين قبيل بدء إعادة الانتخابات المحلية
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر