لفَظَهنَّ المجتمع فوجدن أنفسهن في الشارع بين ليلة وضحاها، بسبب خطيئة ارتكبنها. هن نساء جزائريات كغيرهن، لكن شاءت الأقدار أن يتلطخ جبينهن بوصمة عار، ويتمنين لو يعود الزمن قليلا إلى الخلف أو تتوقف عقارب الساعة لمحو "العار" الذي وضعهن بين قساوة الحياة ومجتمع لا يرحم.
وككل عام تحتفل النساء الجزائريات كغيرهن من نساء العالم بعيدهن العالمي المصادف اليوم الأربعاء في 8 مارس / آذار ، وفي وقت تنتهز الكثيرات منهن هذه الفرصة لإبراز التقدم الذي أحرزهن في مختلف المجالات، لازالت " الأمهات العازبات " يراوحن مكانهن، ويتجرعن مرارة الخطيئة التي حولت حياتهن إلى جحيم، وما زاد من معاناتهن احتقار المجتمع لهن.
بدايتها سلام فتعارف فحب، ونهايتها حمل غير شرعي، مصيبة وقعت فيها الكثيرات وهن في ريعان شبابهن، دخلن عالم الجحيم، عالم لا يوجد فيه لا ملجأ و لا معين، وضعن أرقابهن تحت سيف عدالة المجتمع الجزائري القاسي، الذي لا يرحم ولا يتسامح إطلاقا مع الشرف.
الحب والخطيئة
بقلب يتقطع حسرة وندما، سردت " جملية " لـ " اليمن اليوم "، قصة حب ساقتها إلى عالم الأمهات العازبات، قائلة " جمعتني صداقة مع شاب كان يدرس معي بنفس القسم في الجامعة، وبمرور الوقت تحولت الزمالة التي كانت قائمة بينا إلى حب، تقاسمت معه كل الأيام الجملية، ولم يكن يخطر ببالي يوما انه يرغب في أذيتي "، وتابعت المتحدثة قائلة وعيناها تذرف دما " في لحظة ضعف وهوى وقع ما لم يكن في الحسبان وتحولت بين ليلة وضحاها إلى أم عازبة، باعت عواطفها لرجل فتح أبواب الجحيم في وجهها، رفض تحمل مسؤوليتها وطالب منها إجهاض الجنين، وهو الأمر الذي رضته جملة وتفصيلا.
وقررت بعدها جملية الفرار من بيتها خوفا من أهلها إلى الشارع لتجد عالم جديد ملئ بالمساوئ، فأصبحت في النهار تمتهن السرقة لإطعام ابنها، وفي الليل تأوي إلى مداخل العمارات لقضاء ليلتها رفقة ابنها لتنهض في الصباح الباكر بحثا عن قوت يسد رمق ابنها الجائع، وبعد مرور 10 أعوان عن ميلاد ابنها المجهول النسب، لازالت جميلة تعاني من سخط المجتمع لها، وحيدة تبحر يوميا في بحر الهموم، وتتكبد معاناة اجتماعية.
وفي وقت يلفظ المجتمع الجزائري الأم العازبة، أولت الدولة الجزائرية اهتماما بهذه الظاهرة وخصصت منحة مالية، كما أن المشرع الجزائري سن قوانين خاصة من شأنها توفير الحماية القانونية للأم العازبة.ورغم عدم وجود مادة صريحة تقر بحمايتها، أنشأت الحكومة الجزائرية مراكز إسعاف اجتماعي لإيواء هؤلاء النسوة.
أضافة إلى هذا وحسب تصريحات عدد من المحامين، منح لها القانون الجزائري الحق في التخلي عن طفلها الذي يولد في المستشفى أو في إحدى دور الحضانة وتذهب لتكمل حياتها بعيدا.وأقر المشرع الجزائري، اخيرا، جملة من التعديلات القانونية التي من شأنها أن تدافع على حقوق المرأة وتوفر لها الحماية أكثر، ومن بين هذه الإصلاحات منح الأمهات العازبات منحة شهرية تقدرما بين 10 آلاف و15 ألف دج على كل طفل أنجبته خارج الزواج.
ودعت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، وهي أبرز تنظيم حقوقي في الجزائري، السلطات إلى التكفل أكثر بفئة الأمهات العازبات وأطفالهن والنساء ضحايا كافة أشكال العنف، مؤكدة أن هذه الظاهرة تحتاج إلى مواجهة موضوعية من طرف المجتمع.
و انتهزت الرابطة، مناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، لإثارة قضية الأمهات العازبات بالجزائر، وقالت في بيان لها تحوز " العرب اليوم " على نسخة منه، إن هذه الظاهرة تحتاج إلى مواجهة موضوعية من طرف المجتمع، بعد أصبحت من بين أهم المواضيع التي يُتجنّب الحديث عنها باستمرار، نظرا لحساسيتها البالغة، على اعتبار أن هذه الأم قد حملت بطريقة غير شرعية، لأن الأمر يتعلق أولا وقبل كل شيء بشرف الأسرة ومكانتها في أعين الآخرين".
أكثر من عشرة آلاف أم عازبة في الجزائر وحسب الإحصائيات التي كشفت عنها الرابطة، فإن عددهن عددهم بلغ حدود عشرة آلاف أم عازبة، علما أنّه يتّم تسجيل في كل سنة أزيد من 1000 أم عازبة، ولعل المتمعن في هذه الأرقام يتساءل لماذا تُحمّل المرأة المسؤولية دون الرجل.
ومن بين أسباب انتشار ظاهرة الأمهات العازبات في الجزائر إلى السكوت عن جريمة الاغتصاب خوف من العار وشرف العائلة، التفكك الأسري والتربية غير السليمة والاضطرابات النفسية وعدم تقدير العواقب واضطرابات المراهقة والحرمان العاطفي.
وأبدى الأمين الوطني للتنظيم الحقوقي البارز، هواري قدور، استيائه مما وصفه "الخطابات الرنانة من طرف المسؤولين التي لا تعكس الصورة الفعلية للوضع الحقيقي.
وقال إنهم دائما يؤكدون أن الجزائر حققت تطورا غير مسبوق في مجال حماية الأمهات العازبات والنساء ضحايا كافة أشكال العنف، في حين على أرض الواقع نجد نقيض هذه الخطابات السياسية الرنانة التي نسمعها كل سنة، وذلك ما تعانيه من هشاشة وإقصاء يجعلها أكثر عرضة لمختلف أنواع وأشكال العنف والتمييز".
وأضاف أن "مسار الأمهات العازبات، صعب مليء بالأشواك والهزات النفسية يترجمه واقع إنساني محطم، تبقى المرأة فيه مكبلة أمام أمواج العنف والرفض من شريك يرفض الاعتراف بحملها، وعائلة تبرئ من فعلتها ومجتمع لا يرحم ضعفها، بعضهن تلجأ العديد من النساء إلى عمليات إجهاض محاولة تجنب هذه الأوضاع المأساوية، تكون فاشلة بأغلب الأحيان.
تسجيل أزيد من 300 عملية إجهاض سنويا خارج المستشفيات
وحسب الأرقام التي كشفت عنها الرابطة تم تسجيل أزيد من 300 عملية إجهاض سنويا، خارج المؤسسات العمومية الاستشفائية.
ومن بين الحلول التي اقترحتها الرابطة ضمان الحق في الحياة والسلامة النفسية والجسدية للأمهات العازبات وأطفالهن وضمان حقوق أطفال الأمهات العازبات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وكذا انسجام وملائمة القوانين التشريعية والقانونية مع المواثيق الدولية ولاسيما اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو".
و اقترحت الهيئة إنشاء صندوق وتمكين الأمهات العازبات من منحة شهرية وشقة، وهذا سيتيح الفرصة لإسعاف هذه الفئة مع الأطفال والحيلولة دون انغماس أمهاتهنّ في المحظور، إضافة إلى اتخاذ الخطوات اللازمة لحماية كرامة المرأة وكيانها الشخصي والاعتباري من قيل الحكومة بما يمنع عنها التجاوزات آيا كان نوعها أو مصدرها.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر