حين سقط اللاعب محمد صلاح على أرضية استاد برج العرب، بعد إحراز هدف التعادل للكونغو في شباك مصر، كانت لحظة معتمة في قلوب الجماهير، حضر النَحس برفقة التاريخ الدرامي الخائب مع التصفيات المؤهلة لكأس العالم، ومعها اهتز حِلم الشاب "محمد نوفل" المتواجد في المدرجات، إذ تمنى السفر وراء المنتخب إلى روسيا عبر الدراجة، كاد حلمه أن ينتهي قبل أن يُعيده هدف "صلاح" في اللحظات الأخيرة من عُمر المباراة.
على مدار أكثر من شهرين خاض "نوفل" تجربته الصعبة المُلهمة، عّبر 6 دول، في طريقه بـ "العجلة" إلى روسيا، لتشجيع المنتخب المصري هناك، عاش خلالهم ليالٍ صعبة، وأيام غارقة في اليأس تارة والسعادة مرة آخرة ولحظات نادرة لا تُنسى، وحكايات وثقها بالصوت والصورة، يحكي عنها، كواليس ما جرى خلال تلك الرحلة، وكيف أنقذه "محمد صلاح" من الأمن الروسي.
من ميدان التحرير تحرك "نوفل" في 7 إبريل الماضي "بعجلة نوعها Hiperd حاجة ما بين العجل التقيل بتاع الجبال، والسريع بتاع السباقات" يحمل معه خيمة وحقيبة وطعام يكفيه لأيام وملابس مناسبة لمختلف الأجواء "ولابتوب وكاميرا لأني قررت توثيق التجربة" كانت محطته الأولى هي نوبيع ومنها إلى العقبة "ومنها عديت سوريا طيران، نزلت بلغاريا، اتحركت منها لبوخاريست في رومانيا، ثم بيلاروسيا ومن هناك لحد موسكو".
الرحلة لم تكن وردية، يُدرك ذلك تماماً لكن الأزمات ظهرت مبكرًا حين وصل إلى مطار عمان متأخرًا عن موعد إقلاع الطائرة ولم يجدها"لحظة سودا، أول مرة تفوت عليا طيارة" ظل لساعات في مكانه يخشى أن تكون إشارة من الله بصعوبة التجربة، غير أنه سريعاً ما شعر بالتعويض حينما قضى يومين في الأردن من أجمل الأوقات "عملت حاجات كتيرة كويسة مكنتش هأعرفها لو لحقت الطيارة".
في اليوم الأول تعرف على عدد من الشباب طلبوا منه حضور "زفة ضخمة جدًا بالعجل" تواجد بين مئات الدراجات بكاميرته، وثق الحدث وملامح البهجة تعلو وجهه، وفي صباح اليوم التالي ذهب إلى مقام أهل الكهف "اتبسط إني روحت مكان بالأهمية الكبيرة دي" شعر أن الله اختار له فُرصة أفضل من خطته.
وحيدًا يسير الشاب المصري في شوارع بلاد عدة بدراجته، يقطع خلال 65 يوماً عشرات الكيلو مترات قبل أن يقف لساعات لالتقاط الأنفاس، وأحياناً للمبيت ينام في بيوت م للاستضافة "بتبقى فُرصة ناس تستضيفنا نسمع حكاوي بعض وبيكون مجاني" في مرات آخرى اضطر إلى قضاء ليلته داخل المساجد أو التخييم على الطرق "جمب بنزينة أو نقطة إسعاف وشرطة، مرة في مزرعة، بستأذن الناس وأفرش وأنام" لم يُنفق سوى 50 دولارا على الإقامة خلال الشهرين.
العابرون على الطريق لديهم صُحبة كبيرة، لذا لم تمر لحظات ملل على "نوفل" لكنه كان يتفقد أسرته رغم الاتصالات التي تجري بينه وأسرته يومياً "بتكلم مع والدي 4 مرات على مدار ليوم، معاه دايمًا اللوكيشن بتاعي كل ما افتح إنترنت من خلال برنامج" هذا اتفاق قبل رحلته من أجل الاطمئنان الدائم عليه ومتابعة خط سيره، وهي خطوة لم تقم بها أي جهات رسمية سوى السفارات المصرية في الدول التي مر بها "كانوا بيسلموني لبعض ويسهلوا الإجراءات".
حين وصل إلى رومانيا، اطمئن "نوفل" إلى نجاحه في قطع نصف المسافة بينه وروسيا، الخطوة التالي هي العبور إلى مالدوفا وأوكرانيا أولًا غير أن فوجيء بتعنت تلك الدول ورفض منحة تأشيرة للدخول "قعدت في رومانيا 23 يوم كانوا تقال عليا جدًا مش عارف أتصرف إزاي" هل يعود إلى القاهرة؟ أم يذهب إلى روسيا بالطائرة؟ تلك بدائل يكرهها، صار اليأس قريباً فلجأ إلى قوة "السوشيال ميديا".
منهكاً وصل العاشق للدرجات إلى الحدود الروسية، لم يصدق حينما تقدم إلى الدولة التي تستضيف تصفيات كأس العالم "مش مستوعب إن قدامي كام ساعة وأكون في موسكو" لكنه أفاق سريعاً حينما أجرى الأمن تحقيقا صارما معه لنحو 45 دقيقة، عشرات الأسئلة عن تفاصيل حياته "شغلي وأهلي وصحابي وهقعد فين" بدا الوضع مزعجاً حينما اتخذ التحقيق منحنى أخطر "روحت سوريا والعراق، ليك علاقة بالإرهاب" يبدو أنه قد وقع في ورطة، لكن "محمد صلاح" أنقذه.
كالحاوي، أخرج لهم "نوفل" من حقيبته شيء جعلهم يعاملونه بود شديد "صور تذكارية ليا مع صلاح كمشجع عادي، بس قولتلهم إنه صحبي" تغيرت طريقتهم، هم يعرفون صلاح جيداً ويحترمونه "لقيتهم خلصوا التحقيق واتصوروا معايا وسابوني امشي" يذكرها ضاحكاً.
في جولته المكوكية، تعلم "نوفل" الكثير من الأشياء، أهمها أن العالم يمتليء بالمصريين"في الأردن على الطريق وفي المحلات مصريين كتير، الصراحة مشفتش جدعنة كدا في حياتي" يمنحونه أي شيء دون مقابل، يرفضون الحصول على نقود "واتعرفت على ولد مصري بيسافر هو كمان بالعجل، ليه مواقف رجولة كتير معايا".
في بوخارست التقى عدد كبير من أبناء وطنه "كنا بنفطر على طول في المسجد، حسيت إني مصر" أجواء روحانية ونقاشات مسلية وطعام من جميع الجنسيات المسلمة"كان في روح حلوة، كل واحد بقدر ما هو مفتقد رمضان في مصر، لكن فيها حاجة من ريحتها معاه".
أيضًا كان يجلس ذات يوم في أحد طرق بلغاريا، حينما سمع صوت القرآن الكريم "لقيته اللي مشغله مصري، عايش هناك ويصدر رز لباقي دول شرق أوروبا" كانت صدفة غريبة وممتعة.
الآن بات "نوفل" على أعتاب موسكو، ينوي بعدها التحرك خلف المنتخب في المدن التي سيلعب بها "هيكون طيران أو بالقطر" لديه تذاكر لحضور مباراتي أوروجواي والسعودية "تبقى فرصة سعيدة لو اتوفرلي من اتحاد الكورة مباراة روسيا" أيام قليلة تفصله عن الوقوف مرة أخرى في المدرجات لتشجيع الفريق في تلك المناسبة التاريخية.
داخل روسيا، لدى الشاب المصري أمنيات عدة أبرزها أن يتألق المنتخب في مبارياته ويتمكن من الصعود للأدوار التالية، والثانية "إني أرجع على طيارة المنتخب زي ما حصل في الجابون" سيوفر ذلك الكثير من النفقات "وإني أحس باهتمام حتى لو بحاجة بسيطة".
عند عودته إلى القاهرة، يُخطط "نوفل" للعمل على فيلم وثائقي عن رحلته إلى روسيا "وهبدأ في كتاب بيتكلم عن التجربة" لديه العشرات من الحكايات التي يرغب في تمريرها لأبناء جيله والجمهور المصري، أن يمنحهم خُلاصة التجربة ومتعة المغامرة وقيمة الرحلة "دي هتفضل من أحسن الحاجات اللي حصلت في حياتي".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر