في قرار مفاجئ للأوساط السياسية اليمنية، أطاح الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ليل الاثنين، برئيس الحكومة الدكتور أحمد عبيد بن دغر وأحاله إلى التحقيق، في الوقت الذي قضى فيه قرار الإقالة بتعيين الدكتور معين عبد الملك سعيد، خلفاً له مع الإبقاء على الحكومة بقوامها الحالي دون تغيير.
واتهمت ديباجة القرار الرئاسي -على غير المتوقَّع- ابن دغر بالتقصير في إدارة الملف الاقتصادي للبلاد إلى جانب عدم تفاعله اللازم مع الحالة الإنسانية التي تعرضت لها محافظة المهرة اليمنية جراء العاصفة المدارية (لبان) التي ضربتها مع أجزاء من السواحل الجنوبية الشرقية خلال اليومين الماضيين.
وورد في نص الديباجة أن قرار الإطاحة بابن دغر جاء «نتيجة للإهمال الذي رافق أداء الحكومة خلال الفترة الماضية في المجالات الاقتصادية والخدمية، وتعثر الأداء الحكومي في تخفيف معاناة أبناء شعبنا وحلحلة مشكلاته وتوفير احتياجاته وعدم قدرتها على اتخاذ إجراءات حقيقية لوقف التدهور الاقتصادي في البلد، خصوصاً انهيار العملة المحلية، ولفشلها في اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة كارثة إعصار (لبان) بمحافظة المهرة، وما أصاب أبناء المهرة جراء هذه الكارثة دون تحرك فعلي من الحكومة، ولتحقيق ما يصبو إليه شعبنا من استعادة الدولة واستتباب الأمن والاستقرار، وللمصلحة الوطنية العليا للبلاد».
وفي أول تعليق لابن دغر على قرار إقالته غرد على «تويتر» مباركاً لخلفه الدكتور معين عبد الملك، قرار التعيين ومتمنياً له التوفيق في مهامه، وهي الخطوة التي لقيت ارتياحاً كبيراً في أوساط الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، لجهة ما اعتبروه «سلوكاً حضارياً ينمّ عن عقلية رجل الدولة على الرغم من قسوة الاتهامات التي حملها قرار إزاحته من المنصب».
كانت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية قد تفاقمت في عموم مناطق اليمن خلال الأسابيع الأخيرة، وانهار الريال اليمني أمام العملات الأجنبية مسجلاً أرقاماً قياسية في الهبوط خلال فترة وجيزة، إذ كسر الدولار الواحد حاجز 800 ريال يمني لتفقد العملة المحلية بذلك أكثر من 3 أضعاف قيمتها مقارنةً بما كانت عليه قبل انقلاب الميليشيات الحوثية.
واتسعت دائرة السخط الشعبي أخيراً في مختلف المحافظات اليمنية على الرغم من محاولات الإصلاح والتدابير الحكومية التي اتُّخذت في محاولة لوقف نزيف العملة وإعادة تفعيل دور البنك المركزي في السيطرة على السوق المصرفية.
وكان الرئيس هادي قد عيّن ابن دغر رئيساً لمجلس الوزراء في اليمن في أبريل (نيسان) 2016، خلفاً لسلفه آنذاك خالد محفوظ بحاح، حيث تمكن مع حكومته من اتخاذ أكثر من خطوة على صعيد مجابهة الانقلاب الحوثي، وقيادة الملف السياسي والمساعي الموازية من أجل إعادة الإعمار، وتطبيع الأوضاع الأمنية والخدمية في المناطق المحررة.
وتعليقاً على ما تضمنه القرار الرئاسي من إحالة رئيس الحكومة السابق أحمد عبيد بن دغر إلى التحقيق، استبعدت مصادر يمنية مطلعة في الحكومة أن يجد القرار طريقه إلى التنفيذ بخاصة أن الإطاحة بابن دغر من منصبه -حسب المصادر- جاءت على خلفية ملفات كثيرة يشوبها التعقيد بما في ذلك سعى الرئيس هادي نفسه إلى نزع فتيل التوتر بين الحكومة الشرعية وبين بعض الفصائل الجنوبية التي طالبت بإقالته.
وذكرت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن ابن دغر سيستمر في نشاطه السياسي المناهض للانقلاب الحوثي والمؤيد للشرعية والتحالف الداعم لها من أي موقع سيكون فيه، سواء من خلال إسناد مهام حكومية مستقبلية إليه أو من خلال موقعه الحزبي في «المؤتمر الشعبي العام».
إلى ذلك تباينت ردود فعل الشارع اليمني إزاء القرار الذي أطاح بابن دغر واختار وزير الأشغال في حكومته معين عبد الملك سعيد لخلافته في إدارة الحكومة، بين متفائل بمقدرة الأخير على إيجاد حلول عملية لإنقاذ الاقتصاد وإدارة مختلف الملفات الساخنة على طاولة الحكومة بما في ذلك الاستمرار في مقارعة الانقلاب الحوثي وقيادة المفاوضات السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة لإيجاد حل سلمي، فضلاً عن استكمال عملية الإعمار وتطبيع الأوضاع في المناطق المحررة... ومتشائم بسبب تعقد الملفات.
وفيما دعا الناشطون اليمنيون رئيس مجلس الوزراء الجديد معين عبد الملك، إلى سرعة العودة مع وزرائه إلى العاصمة المؤقتة عدن، لمزاولة أعمال الحكومة، رجح الكثير من المتابعين أنه باستطاعته إيجاد اختراق كبير على صعيد إدارة ملف الإعمار وترشيد الإنفاق وإصلاح المالية العامة للحكومة.
ويرى المتشائمون في الشارع اليمني أن الملفات المعقدة على الصعيد اليمني أكبر من أن يؤدي تغيير رئيس الحكومة إلى حلحلتها بسبب ثقل هذه الملفات وحاجتها إلى وجود تكاتف بين الفرقاء اليمنيين من جهة، وإلى وجود دعم دولي وإقليمي فاعل بخاصة في الملف الاقتصادي من جهة أخرى.
في غضون ذلك لقي تعيين هادي رئيس حكومة جديداً، ترحيباً من مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث خلال تغريدة تابعتها «الشرق الأوسط» على «تويتر»، جاء فيها أن رئيس مجلس الوزراء معين عبد الملك سعيد «شخصية عامة من الطراز الرفيع، ومعروف بسيرته المهنية». وأشار مكتب غريفيث إلى أن الأخير «يتطلع للعمل عن قرب مع رئيس الوزراء الجديد للتعامل مع الوضع الاقتصادي الحرج في اليمن، ولدفع العملية السياسية قُدماً».
في السياق نفسه، سرّبت مصادر حكومية يمنية، أمس، أن رئيس الحكومة الجديد، سيعرض على الرئيس هادي تعديلاً حكومياً مقترحاً يشمل تقليص عدد الوزارات الحالية إلى 16 وزارة وتحويلها إلى حكومة عمل مصغرة تُعهَد إليها إدارة الأوضاع الاقتصادية وتطبيع الأوضاع وإعادة الإعمار، إلى جانب توليها بقية الملفات السياسية بما فيها المفاوضات المرتقبة مع الميليشيات الحوثية.
وذكرت المصادر التي تحدثت إلى «الشرق الأوسط» أن اختيار الشخصيات التي ستشغل أهم الوزارات في حكومة معين عبد الملك سعيد، «ستخضع للتشاور بين الأطراف والقوى السياسية مع الرئيس هادي ورئيس مجلس الوزراء الجديد، غير أن الانتهاء من النقاش بشأن ذلك قد يأخذ بعض الوقت».
ويتطلع الشارع اليمني لأن يتمكن رئيس الحكومة الجديد في المقام الأول من اتخاذ تدابير جدية وفاعلة لإدارة الوضع الاقتصادي بما يضمن وقف تهاوي الريال وكبح جماح أسعار السلع الأساسية بما فيها الوقود، لتعود إلى سابق عهدها في الأشهر الماضية التي سبقت الانهيار المتسارع
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر