صنعاء-اليمن اليوم
وسط حرارة الشمس، وقف الشاب أحمد أمين 30 عاما، أمام أحد المكاتب الحكومية في العاصمة صنعاء، للبحث عن ماله المودع، لدى الهيئة العامة للبريد، والذي كان عبارة عن مبلغ مالي، إدّخره لعدة سنوات من راتبه الحكومي، الذي كان يتقاضاه من المؤسسة العامة للكهرباء، التي يعمل فيها.وقف أحمد حائرا، حينما وجد نفسه بين مطرقة الحاجة، وسندان انعدام السيولة التي يعاني منها البريد، أدت الى توقف معظم خدماته، وبات غير قادرا على الوفاء بالتزاماته تجاه المودعين، سبّبَ لدى البعض منهم حالة من اليأس والاحباط؛ لعدم قدرتهم على سحب فلوسهم المودعة، والتي ادخروها لوقت الحاجة.
يقول أحمد، منذ عدة شهور، وأنا أبحث من مكتب الى أخر، لكي أسحب فلوسي المودعة لدى البريد، ولكن دون جدوى، نتيجة عدم وجود السيولة لديهم كما يقولون، وكل يوم يواعدونا من وقت الى أخر دون أي فائدة، وان اعطوني مبلغ بسيط عشرين الى ثلاثين الف ولكن هذا المبلغ لأسبوع كامل.يضيف أحمد في حديثه لــ "العاصمة أون لاين"، لدي مرض، وأحتاج الفلوس وحانب كيف أفعل؟ هل اجلس الاحق من بريد الى أخر لكي أستلم فلوسي، أم أذهب من مستشفى الى أخر، بحثا عن علاج والدتي؟ مشيرا الى أن لديه مبلغ مودع من 2011 نحو 2 مليون ونصف، وتمكن من سحب قرابة 300 الف ريال فقط، خلال شهر ونصف.
وقوف على الأطلال
أشار أحمد الى الصراف الآلي الذي كان يقدم الخدمة الالية للعملاء، عبر بطاقة خاصة، يتم بموجبها سحب المبلغ المطلوب، في أي وقت، خلال أربعة وعشرين ساعة، وهي التي أغرته بالتعامل مع خدمة البريد الحكومية. يقول أحمد "بت أقف أمام الصراف الالي كمن يقف على أطلال الماضي الذي ذهب، وذهبت معه كل مقومات وجود الدولة ولو في حدودها الدنيا".
يضيف، لاحظ كيف بات الصراف الآلي معطل، وربما قد خرج عن أداء الخدمة بشكل نهائي؛ نتيجة عدم توفر الخدمة منذ دخول الحوثيين صنعاء في سبتمبر 2014م، وعدم توفر السيولة النقدية؟ وكيف أضحى مغطى بالأتربة والغبار، كحالة تعبيرية عن الحالة التي وصل اليها الشعب اليمني، بعد دخول هذه الجائحة الحوثية الى العاصمة ومختلف المناطق التي وصلت اليها". حد صفه.
وساطة ومحسوبية
وتابع أحمد، "مكاتب البريد باتت تعطي مبالغ المودعين، للمعارف والوسطاء، يعني اذا كان معاك كذا ممكن تحصل فلوسك، والا باتحنب". وقال "بسبب الظروف الحالية، وعدم وجود سيولة لدى البريد، فمن الصعب تحصل على حقك، إلا اذا كان معاك قريب موظف بأحد مكاتب البريد، بيقدر يجمع لك من الايرادات اليومية التي يتم تحصيلها من ايرادات الهاتف النقال والانترنت، ويعطيك اياها ولو بشكل جزئي، أما غير كذا فتذوق المر والعلقم حتى تحصل فلوسك". حد تعبيره.
وأستطرد حديثه بالقول، "الموظفين في مكاتب البريد معظم خدماتهم للمودعين باتوا يقدموها على هذا الأساس، فمن جهة استغلال لظروف الشخص المودع المضطر لسحب فلوسه، ومن جهة ثانية حاجة الموظفين الذين يعانون أيضا من انعدام الرواتب وغيرها من الأمور التي لم تعد تحفى على أحد".
خروج نهائي
وليست معاناة البريد مع المودعين وحدها هي المشكلة، إذ بات البريد غير قادر كذلك على القيام بخدمات التحويل من والى المحافظات، نظرا لعدم توفر السيولة النقدية.
وفي وقت سابق، تحدثت مصادر اعلامية، عن خروج منظومة خدمات البريد المصرفية، في العاصمة صنعاء بشكل نهائي، وتحديدا منتصف شهر أكتوبر المنصرم، وباتت غير قادرة عن تحويل أي مبالغ مالية في العاصمة اليمنية صنعاء، الى أي مكان أخر لذات السبب.
وأشار عدد من المواطنين الى أن موظفي البريد عادة ما ينصحوهم بالذهاب الى المصارف الخاصة التي انتشرت مؤخرا في العاصمة بشكل غير مسبوق، لضمان استلام حوالاتهم، إذ أن السيولة قد تتوفر أحيانا لدى بعض الفروع من خلال الايرادات اليومية، لكنها قد لا توجد في الفرع الأخر المُرسل اليه، فلا يتمكن العميل من استلام حوالته، وهو الأمر الذي دفع الادارة العامة للبريد لتوقيف هذه الخدمة بشكل نهائي.
كيان موازي
وفي هذا الصدد، يؤكد عبد الله أحمد، أحد موظفي الهيئة العامة للبريد في العاصمة، ان الهيئة لم تتمكن من توفير السيولة المطلوبة لكي تواصل أداء مهامها، دون ان يشير الى الأسباب التي أدت الى هذا العجز.
وأوضح عبدالله في حديثه لــ "العاصمة اون لاين"، أن الهيئة ربما كونها قطاع حكومي، قام الكثير من التجار والقائمين عليها، بمحاولة سحب البساط منها، وفتح مصارف خاصة بهم، والعمل على توفير السيولة المالية لمشاريعهم الخاصة، معتقدا أن البعض تعمد تعطيل هذا المرفق الحكومي لكي يتسنى له بناء مشروعه الخاص، وخصوصا أن الكثير من قيادة جماعة الحوثي بدأوا بإنشاء كيانات خاصة بهم، موازيه للدولة. دون ان يقوم بتوضيح أكثر عن هذا الأمر.
لافتا الى أن البريد كان يتكفل بدفع رواتب الكثير من موظفي المؤسسات الحكومية، المدنية والعسكرية، وكان يقدم أرقى أنواع الخدمات المصرفية، جعلها يحظى بثقة كبيرة، وهو الأمر الذي دفع الكثير من رجال الأعمال الموالين للحوثيين عقب سيطرتهم على العاصمة، بمحاولة إضعاف هذه المؤسسة وغيرها من المؤسسات الحكومية المختلفة، وتقديم الخدمات التي كان يوفرها البريد، عبر هذه المؤسسات المصرفية الخاصة، لذات السبب.
حلول جزئية
من جهته، أوضح على قاسم، أحد موظفي الهيئة العامة للبريد، أن الهيئة قامت بعمل حلول ولو جزئية للمشكلة التي يعاني منها البريد نتيجة انعدام السيولة، تجاه كبار العملاء والمودعين، لدى البريد، وعدم قدرته احيانا على توفير خدمات الارسال، وشعور الادارة بالحرج الشديد لعدم تمكنها من الوفاء بالتزاماتها تجاه عملائها.
وأوضح في حديثه لــ "العاصمة أون لاين"، ان الادارة شرعت في اتخاذ بعض الاجراءات لحل هذه المشكلة، تمثلت في وضع حد أقصى لسحب مبالغ مالية لكبار المودعين، حُددت بسحب مبلغ خمسون الف ريال لكل مودع ، شريطة أن لا تتم عملية السحب بشكل يومي، وإنما كل ثلاثة أيام فقط.
وتأتي هذه المعاناة في ظل انخفاض القيمة الشرائية للريال اليمني، مقابل العملات الأخرى، وصل الخميس الماضي وفقا لوسائل اعلامية الى 430 للريال اليمني مقابل الدولار، وكذا 115 للريال اليمني مقابل السعودي، الأمر الذي زاد من ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وسط مخاوف من استمرار تهاوي العملة اليمنية، وعدم وجود خطة اقتصادية لإنقاذه من قبل الحكومة الشرعية.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر