ذكرت العديد من المصادر العسكرية ان جماعة الحوثي الانقلابية في اليمن اتجهت مؤخرا نحو التصعيد مع المملكة العربية السعودية عبر استخدام الصواريخ الباليستية بعد تراجع جبهاتها الداخلية والتي أصبحت تخسر منها كل يوم، دون تحقيق أي تقدم عسكري يذكر منذ ثلاث سنوات.
وقالت لـ»القدس العربي» ان «جماعة الحوثي تفرغت خلال الثلاث السنوات الماضية من الحرب الراهنة في اليمن للتصنيع الحربي النوعي، عبر الاستعانة بخبراء عسكريين إيرانيين ولبنانيين، وكان من نتائج ذلك الصواريخ الباليستية التي كشفت العلاقة الوطيدة بين جماعة الحوثي وطهران وحزب الله اللبناني».
وأوضحت أن «التصعيد العسكري الحوثي باستخدام الصواريخ الباليستية ضد السعودية، يعد محاولة لتعويض خسائرها الداخلية التي تدفع ثمنها كل يوم منذ ثلاث سنوات، والتي تفقد خلالها الكثير من المواقع والجبهات بشكل منتظم، بالإضافة إلى استعراض العضلات بأن لديها قوة عسكرية ضاربة وقادرة على إيجاع السعودية».
وكانت الدفاعات الجوية السعودية اعترضت، أمس السبت، 4 صواريخ باليستية أطلقتها الميليشيا الحوثية من الأراضي اليمنية نحو الأراضي السعودية، ضمن مسلسل التصعيد العسكري الحوثي ضد السعودية، بمبرر رئاستها لقوات التحالف العربي في اليمن.
وذكر المتحدث الرسمي بإسم قوات التحالف العربي العقيد الركن تركي المالكي أمس السبت «ان الصواريخ الباليستية انطلقت في اتجاه مدينة جازان من قبل الميليشيا الحوثية بطريقة مُتعمدة لاستهداف المناطق المدنية والآهلة بالسكان».
وأضاف في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية «واس» «تمكنت قوات الدفاع الجوي السعودي من اعتراض الصواريخ، ونتج عن ذلك تناثر شظاياها على الأحياء السكنية ولم تسجل أي إصابات أو أضرار».
وأكد المالكي أن هذا «العمل العدائي من قبل الميليشيا الحوثية المدعومة من إيران يثبت استمرار تورط النظام الإيراني في دعم الميليشيا الحوثية المسلّحة بقدرات نوعية في تحدٍ واضح وصريح لخرق قرار الأمم المتحدة 2216 والقرار 2231 بهدف تهديد أمن المملكة العربية السعودية وتهديد الأمن الإقليمي والدولي، وأن إطلاق الصواريخ الباليستية باتجاه المدن والقرى الآهلة بالسكان يعد مخالفاً للقانون الدولي الإنساني».
وكان الرد السعودي النوعي استهداف القيادات العليا لجماعة الحوثي بعد أن نفد صبر الرياض، حيث فعّلت نشاطها الاستخباراتي في إطار القيادات الحوثية والتي نجحت الأسبوع الماضي في اغتيال رئيس المجلس السياسي الأعلى، صالح الصمّاد، الذي يعد بمثابة الرئيس السياسي لسلطة الحوثيين في صنعاء، في غارات جوية نوعية للقوات الجوية السعودية استهدفت موكبه وهو في محافظة الحديدة.
وعجزت القيادات الحوثية العيا أمس عن حضور مراسم تشييع رئيسهم السياسي صالح الصماد، في صنعاء، خشية استهدافهم، خاصة بعد أن وجهت عدة غارات على مقر وزارة الداخلية الحوثية في صنعاء مساء الجمعة، حيث كانت تجتمع قيادات أمنية وعسكرية حوثية لوضع اللمسات الأخيرة لإجراءات مراسم تشييع ودفن جثمان صالح الصماد.
وذكرت مصادر محلية في صنعاء أن الغارات الجوية التي استهدفت وزارة الداخلية الحوثية مساء الجمعة أسفرت عن مقتل قرابة 40 مسؤولا أمنيا حوثيا، بعضهم قيادات أمنية رفيعة.
وقال الإعلامي في حزب المؤتمر الشعبي العام كامل الخوداني، ان بين القيادات الحوثية التي لقيت مصرعها القيادي المروني الذي يعمل مديرا لمكتب نائب وزير داخلية الحوثيين أبو الكرار الخيواني. موضحا ان بقية القيادات الأمنية الحوثية ما زالت تحت الأنقاض، وأن هناك تكتما حول مصير أبو الكرار الخيواني، الذي تؤكد مصادر تواجده في الوزارة لحظة القصف الجوي عليها.
وأكدت مصادر أخرى مقتل نائب وزير الداخلية المعين من قبل الحوثيين عبد الحكيم هاشم الخيواني المكنى بـ»أبو الكرار» غير أنه لم يصدر تأكيد رسمي من قبل الحوثيين حول مقتله حتى مساء أمس، حيث يتكتمون على قتلاهم من القيادات الرفيعة للحفاظ على معنويات مقاتليهم وأتباعهم.
وذكرت هذه المصادر أن القيادي العسكري الأعلى في جماعة الحوثي عبد الله الحاكم المشهور بكنية «أبوعلي الحاكم» تغيب عن حضور مراسم تشييع جنازة صالح الصماد كما لم يحضرها وزير داخلية الحوثيين عبد الحكيم الماوري وكذلك نائبه عبد الحكيم الخيواني، وهو ما دفع بالعديد من المراقبين إلى التكهن باحتمال تواجدهم في اجتماع قيادة وزارة الداخلية مساء الجمعة الذي تعرض لقصف الغارات الجوية السعودية وبالتالي احتمال اصابتهم أو انهم لقوا مصرعم في تلك الغارات.
هذا التصعيد العسكري الحوثي ضد السعودية وكذا الاستهداف النوعي للقيادات الحوثية من قبل القوات السعودية، يعزز فرضية أن عمليات (كسر العظم) بين الحوثيين والسعودية بلغت ذروتها، وأن الطرفين لم يعودا يحتملا المزيد من الصمت جراء ما يحدث ضد كل منهما، وبالتالي رفع كل منهما وتيرة التصعيد العسكري ضد الآخر، في محاولة تحقيق نصر على الآخر أيا كان نوعه، حسب الأدوات التي يملكها كل طرف منهما.
وفي الوقت الذي شعرت فيه السعودية بـ(النشوة) لنجاحها في مقتل صالح الصماد، واعتبرته نصرا عسكريا ضد الحوثيين في اليمن، يرى الحوثيون أنهم يحققون انتصارات مستمرة عبر صواريخهم الباليستية، التي يطلقونها بشكل شبه أسبوعي منذ عدة أشهر، والتي استهدفت أبرز المدن السعودية وفي مقدمتها العاصمة الرياض.
وحاولت السعودية مؤخرا تحريك النشاط الاستخباري في أوساط القيادات الحوثية، عبر ضخ الملايين من الدولارات رصدتها لمن يدلي بمعلومات عن أماكن تواجد أو تحركات أبرز القيادات الحوثية، تتراوح بين 30 مليونا و5 ملايين دولار لرأس كل قيادي حوثي من قائمة مكونة من 40 مطلوبا أمنيا للسعودية من الصف الأول والثاني من القيادات الحوثية.
وكانت السعودية رصدت قبل عدة أشهر 30 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات عن تحركات أو مكان تواجد زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي وكذا 20 مليون دولار لرأس صالح الصمّاد و20 مليون دولار لرأس عبد الله يحيى الحاكم (أبوعلي) و5 ملايين دولار لرأس عبد الحكيم هاشم الخيواني.
وظلت تلك المبالغ المرصودة مجمدة إلى أن تم تحريكها مؤخرا عبر تحقيق أول هدف في الحملة السعودية بنجاحها في تصفية ثاني أكبر المطلوبين في القائمة السعودية، وأن تسليم تلك الملايين لمن أدلوا بمعلومات عن تحركات ومكان تواجد الصمّاد فتح شهية من يملكون مثل هذه المعلومات من الحوثيين وغيرهم، ما دفعهم لتسريب معلومات عن اجتماع القيادات الحوثية في وزارة الداخلية مساء الجمعة وهو ما جعل هذه القيادات تشعر بأخطر وضع أمني يهدد حياتها، وأكثر من أي وقت مضى.
وساهمت الخطة السعودية الجديدة في استهداف رأس الأفعى الحوثية بعد أن تعثرت الجهود السعودية خلال الثلاث السنوات الماضية في تدمير كافة الآليات والمعدات العسكرية الثقيلة وبالذات الصواريخ بعيدة المدى التي تهدد أمنها وسلامتها، كما خلق التوجه الجديد لدى الرياض شرخا في العلاقة بين القيادات الحوثية، عبر إثارة الخلافات العميقة بينها، والتي دفع ببعضها إلى تزويد الرياض بمعلومات عن خصومها لتصفيتها عبر الغارات الجوية والتي يعتقد أن حادثة مقتل صالح الصمّاد كانت إحدى تلك الحالات التي تتهم قيادات عسكرية حوثية رفيعة بتسريب معلومات عن تحركاته للتخلص منه بعد أن بلغت الخلافات معه حد الذورة.
ولا شك أن مقتل الرئيس الراحل علي عبدالله صالح من قبل الحوثيين نهاية العام المنصرم لعب دورا في تغيير المشهد العسكري والسياسي لدى الحوثيين، وضاعف خصومهم وجعلهم عرضة للاختراق والاستهداف من قبل حلفاء الأمس أتباع الرئيس الراحل علي صالح الذين كانوا يسيطرون على كافة مفاصل المؤسسات العسكرية والأمنية في العاصمة صنعاء وبقية المحافظات اليمنية.
ويعتقد مراقبون أنه على الرغم من نجاح جماعة الحوثي في استمالة الكثير من أتباع علي صالح إلى صفوفها بعد مقتله، إلا أنه ما زال لدى الكثير منهم نزعة للانتقام من الحوثيين بعد تعرض الكثير من الموالين لعلي صالح للانتقام الحوثي المفرط، سواء بالقتل أو الاعتقال أو غير ذلك.
ويقود نجل شقيق علي صالح، العميد طارق صالح، قوات جديدة مجهزة بأسلحة ثقيلة حديثة لمواجهة الميليشيا الحوثية بدعم من دولة الإمارات في محاولة منها للاستفادة من القوات التابعة والموالية للرئيس الراحل علي صالح لضرب الحوثيين، خاصة وأن هذه القوات كانت تقاتل في صفوف الحوثيين حتى اللحظات الأخيرة لمقتل علي صالح وتعرف خفايا وأسرار الخطط العسكرية الحوثية.
وبدأ التحالف العربي بقيادة السعودية تغيير استراتيجيته العسكرية في اليمن عبر العديد من المحاور، وفي مقدمتها التحرك العسكري على الأرض في أكثر من جبهة ومنها جبهات محافظة صعدة، التي تعد المعقل الرئيسي لزعيم جماعة الحوثيين عبد الملك الحوثي، وذلك عبر القوات الحكومية اليمنية المدعومة بغطاء جوي من قوات التحالف العربي، بالإضافة إلى تحريك جبهات الساحل الغربي ضد الميليشيا الحوثية، الذي يمتد من محافظة تعز جنوبا إلى محافظتي الحديدة وحجة شمالا.
وحققت هذه التحركات الحكومية المدعومة بقوات التحالف العربي مكاسب عسكرية ملحوظة خلال الأسابيع الماضية ضد ميليشيا الانقلابيين الحوثيين، وإن كانت بإجندات متعددة، حسب المناطق والمحافظات التي نشطت فيها مؤخرا، ولكن يجمعها هدف واحد، وهو القضاء على شوكة الحوثيين المتنامية و(المستأسدة) على الجميع.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر