انتخب الحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني آندريا ناليس، وزيرة العمل في حكومة ميركل، رئيسةً للكتلة البرلمانية الاشتراكية في البرلمان الألماني (البوندستاغ) محل توماس أوبرمان. ورشح ناليس، 47 عاماً، لهذا الموقع زعيمُ الحزب الحالي مارتن شولتز الذي خسر النزال الأخير في الانتخابات في مواجهة المستشارة أنجيلا ميركل. ونالت زعيمة منظمة الشبيبة الاشتراكية السابقة 90 في المائة من أصوات أعضاء قيادة الحزب الديمقراطي الاشتراكي، وامتنع 14 عضواً في قيادة الحزب عن التصويت.
وبهذا تكون ناليس أول امرأة تقود الكتلة البرلمانية للحزب بعد أكثر من مائة عام من نشاط الاشتراكيين البرلماني. وهي أيضاً عضو سكرتارية الحزب منذ سنوات، وعُرفت نائبةً محاججة وقوية الشكيمة لا تتردد في الخبط على المنضدة بقبضة يدها إذا تطلب الأمر. كما أنها جمعت خلال عمرها السياسي القصير كثيراً من خبرة العملين الحزبي والحكومي بحكم وجودها على رأس وزارة العمل في حكومة ميركل الثالثة.
ولا يُفهم هذا الخيار "الهجومي" من قيادة الاشتراكيين غير التحول إلى معارضة فعالة ضد أي حكومة تختارها ميركل لإدارة أوضاع البلاد في السنوات الأربع المقبلة. وهذا ما قالته ناليس في أولى كلماتها بعد انتخابها، وبعد كلمات الشكر والامتنان التي وجهتها إلى قيادة الحزب؛ إذ شددت امرأة الاشتراكيين "الحديدية" على أن "الحزب لم ينتقل إلى المعارضة كي يبقى فيها". ونقلت صحيفة "دي فيلت" عنها قولها لوزراء "الاتحاد المسيحي" في آخر اجتماع وزاري قبل الانتخابات: "ستتلقون مستقبلاً لطمة على أفواهكم".
ودعت ناليس في كلمتها، قيادة الحزب الديمقراطي الاشتراكي إلى رسم استراتيجية واضحة لمواجهة حزب "البديل لألمانيا" اليميني الشعبوي في البرلمان المقبل. وقالت إن حزبها متمسك ببرنامجه الاجتماعي الداعي للعدالة الاجتماعية وتحسين أوضاع المتقاعدين والمسنين ومحاربة البطالة. وأضافت: "وجود حزب (البديل) في البرلمان الألماني ليس أمراً طبيعياً بالنسبة إليّ، وينبغي أن نعمل في السنوات الأربع المقبلة على إعادتهم إلى نسبة تقل عن 5 في المائة التي تسمح لهم بمعاودة عضويتهم البرلمانية في البوندستاغ".
ونوهت ناليس، المحسوبة على الجناح اليساري في الحزب، بضرورة عدم التفريط في ناخبي حزب "البديل لألمانيا"، خصوصاً أن العمال شكّلوا 20 في المائة من ناخبي هذا الحزب في الانتخابات الأخيرة. ومعروف أن الحزب الديمقراطي الاشتراكي يهيمن على الحركة النقابية الألمانية التي تميل في الحزب إلى اليسار، وتعد ناليس من أهم داعميها.
لا يمكن وصف مارتن شولتز باليساري رغم أنه لم يرفض التحالف مع حزب اليسار تماماً، وأبقى الباب مفتوحاً أمام تحالف ممكن بين حزبه وحزبي اليسار والخضر، إلا أن ناليس نفسها ليست من محبذي التحالف مع حزب اليسار، وقالت بعد انتخابها أمس، إنها لا ترى إشارات مشجعة على التعاون تصدر عن هذا الحزب.
كما رشح شولتز يسارياً آخر، هو الخبير المالي في الحزب كارستن شنايدر، نائباً لناليس على الكتلة البرلمانية الاشتراكية، إلا أنه فشل في فرضه بالضد من مرشح الجناح اليميني في الحزب هوبرتوس هايل، وهو عضو سكرتارية الحزب التنظيمية.
ويبدو أن خيار ناليس على أنها يسارية معتدلة في الحزب يعبر عن الاتجاه الجديد للاشتراكيين بعد أن حققوا أقل نتيجة للحزب في الانتخابات الأخيرة. ويعد الاشتراكيون التحالف الكبير مع ميركل، والانجراف وراء سياسة يمين الوسط، التي اعتمدتها ميركل، أضرت كثيراً بسمعة الحزب.
واضح أيضاً، وهذا ما يتنبأ به الجميع، أن آندريا ناليس ستكون مرشحة الاشتراكيين في الانتخابات المقبلة. ويريد الاشتراكيون مواجهة امرأة "المسيحيين" الحديدية ميركل بامرأتهم الحديدية الجديدة.
وعُرف عن ناليس أنها تنفذ ما تريد وبكل اندفاع ولا يمكن لأحد في الحزب مواجهتها في قوة الحجج والمشاكسة. تتحدث دائماً بلغة واضحة وصريحة دون لف ودوران، وكان موقفها إلى جانب إضراب عمال شركة "ثوسن" لا يُنسى ضد "الرأسماليين"، وكان مقترح اتحاد شركة "ثوسن" وشركة "تاتا" يهدد 4 آلاف عامل بفقدان موقع العمل.
ووصفت المستشارة أنجيلا ميركل وزيرة العمل ناليس بالـ"مفرملة"، لأن الأخيرة عرفت كيف تفرمل ميركل في حججها أمام البرلمان الألماني أكثر من مرة. وجرى ذلك على وجه الخصوص خلال مناقشة القضايا الاجتماعية وقضايا العمال والتقاعد وغيرها، بل إنها عُرفت أيضاً على أنها مفرملة لقادة حزبها، وعرفت كيف توقف المستشار السابق غيرهارد شرودر، ونائبه فرانز مونتفيرنغ، عند حدهما في الموضوعات الحساسة، وكانت في الثلاثين من عمرها آنذاك، ولم يتم ضمها إلى قيادة الحزب أو إسناد أي من الحقائب الوزارية إليها بعد. وتشير كل الدلائل إلى مواجهات ساخنة بين ميركل وناليس في البرلمان الألماني مستقبلاً.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر