لندن - كاتيا حداد
يجلس صانع المكانس اليمني، طائي النهاري، الذي يبلغ 53 عامًا، على الرمال خارج كوخ من القش يعيش فيه في قرية القزا، في مقاطعة الحديدة في اليمن، وتبدو عظامه النحيلة من خلال جلده، وكان النهاري يعمل صيادًا قبل بدء الصراع في اليمن عام 2015، لكنه حاليًا يصنع اثنين من المكانس يوميًا ما يحقق له دخل يومي يعادل دولارًا واحدًا، ويقول النهاري: "قصفت الطائرات الحربية السعودية الزوارق التي كنا نعمل عليها، وحاليا أنا وعائلتي ليس لدينا ما يكفي من الطعام لنأكله"، ويعد الصراع المحرك الرئيسي لأزمة الجوع التي حذرت الأمم المتحدة من تحولها إلى مجاعة هذا العام إن لم يتم فعل شئ.
وأطلقت الأمم المتحدة، الأربعاء، نداءًا لجمع 2.1 بليون دولار لمنع حدوث مجاعة في أفقر دولة في العالم العربي، حيث هناك ما يقرب من 3.3 مليون شخص بينهم 2.1 مليون طفل يعانون من سوء تغذية حاد، ويعد هذا النداء الإنساني هو الأكبر من أجل اليمن ويهدف إلى تقديم المساعدة لإنقاذ حياة 12 مليون شخص هذا العام، وأفاد جيمي ماكغولدريك منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في اليمن: "الوضع في اليمن كارثي ويتدهور بسرعة، وعلى الأقل فقد 10 آلاف شخص حياتهم في الصراع".
ويعيش النهاري في إحدى المناطق الأكثر تضررا من الأزمة في اليمن، موضحا أن الصيادين لا يجرؤون على الإبحار بالقوارب خوفا من تعرضهم للقصف من قبل الطائرات السعودية التي تقصف في كثير من الأحيان أهداف داخل البلاد، وتهدف هذه الهجمات إلى مواجهة تقدم المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران والذين يسيطرون على العاصمة صنعاء، وتابع النهاري: "الحرب قتلت مصدر دخلنا الوحيد حيث كنت أعمل كصياد والأن نحن بلا وظيفة وبلا أمل"، ولم يربح النهاري الكثير كثياد لكن دخله كان يكفيه لشراء الطحين وبعض المواد الغذائية الأساسية، مضيفا "نحن منحرون وليس لدينا ما يكفي من المال ولا الطعام، ليس لدينا شئ نأكله أو نعمل به".
وتعتني السيدة فاطمة باثنين من أحفادها هما علي يبلغ11 عاما، ومحمد يبلغ 4 أعوام في قرية "الموجليس" في مقاطعة الحديدة، ويعاني الطفلان من مرض الثلاسيميا وتفاقمن حالتهم بسبب عدم وجود الأغذية الغنية بالمواد الضرورية، وتقول فاطمة: "ليس لدينا المال لعلاج أحفادي أو إطعام أنفسنا، منذ فقدنا وظائفنا لم يعد لدينا دخل وليس لدينا شيئا لنأكله"، واعتاد أطفال العائلة العمل في مزرعة مانجو قبل القصف، وتضيف فاطمة: "في تلك الأيام كنا نبيع المكانس ونشتري لأنفسنا بعض الطحين ونأكله مع الماء، إما أن نموت من القصف أو الجوع، حفيدي يحتاج إلى العلاج وفوق كل ذلك يحتاج إلى أن يتناول طعام صحي، حفيدي لا يعرف كيف يكون مذاق اللبن"، وتشير فاطمة إلى أن العالم يغض الطرف عن التفجيرات السعودية ما أثار انتقادات للمملكة المتحدة التي تصدر الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، وتتابع فاطمة: "ألقي باللوم على العالم كله لمشاهدتنا نموت ولصمتهم تجاه التحالف الذي تقوده السعودية".
وتوضح أشواق أحمد محرم التي تعمل كطبيبة نسائية متطوعة في مقاطعة الحديدة في اليمن أن الوضع الإنساني في الحديدة يعد الأسوأ من بين 22 محافظة في اليمن، وأردفت أشواق " كان الوضع في الحديدة سئ والأن أصبح أسوأ بكثير، إذا كانوا أفقر من قبل فهم أكثر فقرا الأن، عندما أزور المنازل هنا لم أجد حتى أساسيات الحياة اليومية البسيطة، فلا يوجد طعام يومي وكانت معظم الناس تأكل الاسماك فقط وتبيع ما تبقى لديها، ولكن الأن بعد استهداف قوارب الصيد من قبل قوات التحالف الذي تقوده السعودية لم يتبقى شئ للناس لتحقيق أي دخل من خلاله" .
وتعيش السيدة سعيدة المعاقة، التي تبلغ 60 عامًا، في قرية الحجب في حي المنصورة في مقاطعة الحديد في اليمن، وكان يتم دعمها ماليا في الماضي من قبل ابنها الوحيد الذي كان يعمل في مزعة مانجو، وتوضح سعيدة " عندما بدأت الحرب فقد ابني وظيفته، وحفيدي يبحث عما يتبقى من طعام الجيران، وأشعر بالخوف طوال الوقت من صوت الطائرات السعودية المحلقة في الهواء، ولا يمكنني حتى الهروب من الكوخ الخا ص بي لأنني من ذوي الإعاقة، قبل الحرب كنا نتناول وجبة الإفطار والغداء، وكان لدينا 3 دولار يوميا وكان الوضع آمن ولكن الأن ليس لدينا شئ، ابني عاطل عن العمل، كانت حياة صعبة فيما سبق لكنها الأن أكثر صعوبة عما كانت عليه، أحيانا أتمنى أنني لم أولد في هذه الحياة، لقد تعرضت المزارع للقصف وكذلك قوارب الصيد وانتشرت الأمراض على نطاق واسع، وتقتل الحمى العديد من الأطفال".
ويعاني "رداد" الذي يبلغ 11 شهرا ابن السيد "غالب ماشن" من سوء التغذية وانتفاخ البطن، وتعيش عائلته في قرية الحجب، ويقول ماشن: "ابني لديه عيب خلقي وحالته تسوء عندما يجوع وليس لدي المال لعلاجه، وذهبت إلى الحديدة لمدة يومين ولم أتمكن من البقاء لفترة أطول لمواصلة علاجه، ابني يحتاج للعلاج وزنه أصبح 3.5 كيلو جرام وزاد وزنه بعد أسبوع واحد في مركز سوء التغذية إلى 4.5 كيلو غرام، كل شئ تغير وحياتنا أصبحت جحيم، السعودية تقصفنا وتقتل جيراننا".
وتم استهداف كوخ جمعة إسماعيل موشاشا الذي يبلغ 54 عامًا، من القش في قرية "جاه" في مقاطعة الحديدة في 12 يناير/ كانون الثاني، وكان موشاشا ونجله علي الذي يبلغ 21 عاما، بالخارج منتظرين دعوتهم للإفطار عندما بدأ القصف في السادسة صباحا، وكان بداخل المنزل حينها الإبن الثاني أحمد الذي يبلغ 18 عامًا وزوجته ووالدته وقُتلوا في الحال جراء القصف، ويقول علي "كانوا يجهزون الإفطار في الكوخ الخاص بنا وكان عبارة عن بسكويت وبعض من الشاي وفجأة ضربت الصواريخ الكوخ، واسرعت للمنزل، لأرى ماذا حدث وصدمت لرؤية أفراد عائلتي قتلى وجثثهم ممزقة، واحتضنت ما تبقى من جسد زوجتي ووالدتي وابني وبكيت كثيرا، رسالتي للعالم هي: "من فضلكم أوقفوا الحرب، لكني اعتقد أن رسالتي لا طائل منها، إنهم لن يستطيعوا استعادة ما فقدته".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر