حلَّ النازحون منذ أيام الثمانينات، في عدد صغير من البلدان المضيفة بالقرب من مناطق الحرب، في ما عُرف بالمخيمات الإنسانية. وعادة ما تكون هذه الأماكن بعيدة وقاحلة وخطرة مع حظر صارم على النشاط الاجتماعي والاقتصادي للاجئين فيها. وقد صممت هذه الأماكن للتعامل مع مرحلة الطوارئ فقط. إلا أن هذا النموذج استمر لسنوات ما أدى إلى انقطاع السبل بالعائلات، حيث أن هذه الاستراتيجية الاستقلالية والكرامة والإمكانات البشرية تركز على نقاط الضعف لدى هؤلاء الناس بدلا من التركيز على إعادة بناء حياتهم. وبالطبع شعر النازحون بخيبة الأمل واختاروا المضي قدمًا في المناطق الحضرية في الدول المضيفة أو المخاطرة بحياتهم وعبور المحيطات متجهين إلى بلدان أخرى.
وهناك حاجة إلى إعادة التفكير في "المخيم الإنساني" والحقوق التي يجب أن يحصل عليها اللاجئون. ونظرا لاستمرار اللجوء لسنوات فإن مجرد حقهم في الحماية لم يعد كافيا، حيث يحق للاجئين محاولة الاستقلال ذاتيا وإعادة الاندماج في المجتمعات المضيفة بدلا من ترك اللاجئين في مأزق دائم. إلا أن الاندماج لا يعد حلاً بسيطًا في ظل استخدام الهجمات الإرهابية لمنع حق اللجوء في أوروبا، فضلا عن صعود اليمين المتطرف. ويتمثل التحدي الأن في النظر في سبل التصدي للاغتراب والخوف. ويواجه السياسيون معضلة كيفية التوفيق بين الديمقراطية واللجوء بطرق تستوعب سياسة الأغلبية، وتشير استطلاعات الرأي إلى أن القلق العام بشأن اللجوء لا يتعلق بالأعداد ولكن بفقدان السيطرة على الوضع.
ويعد من المنطقي وجود نحو 90% من اللاجئين في العالم البلدان المجاورة لبلادهم مثل لبنان والأردن وتركيا وأوغندا وكينيا وإيران وباكستان، إلا أن هذه الدول غالبا ما تكون غير مجهزة تجهيزًا كاملًا لتحمل هذه الأعباء، وعندما يفر اللاجئون من أزمة عادة ما يتم تقديم المساعدات الأولية لهم ثم تقديم طرق لهم لإعادة الاندماج، إلا أن استمرار الأزمة على المدى الطويل أدى إلى الاعتماد بشكل أساسي على المعونة وهو ما خفض الاحتياجات التي يمكن تقديمها للاجئين حتى اقتصر الأمر على تقديم الاحتياجات الأساسية ممثلة في الغذاء والمأوى، وأصبحت المخيمات من أكثر الطرق فعالية لتوفير ذلك.
وكان الهدف في الأصل من هذه الاستيراتيجية لاستيعاب اللاجئين تعزيز حقهم في الحصول على الاستقلال الذاتي مع التركيز على الحق في العمل وحرية التنقل بموجب اتفاقية عام 1951 المتعلقة باللاجئين. إلا أن الدول المضيفة قيدت مشاركة اللاجئين في أسواق العمل ما أدى إلى تآكل المهارات والتطلعات مع تفاقم الشعور بالاغتراب، ونادرا ما يفكر الاقتصاديون في اللاجئين، والحقيقة أن اللاجئين يقودون حياة اقتصادية معقدة ومتنوعة فهم المستهلكون والمنتجون والمشترون والبائعون والمقترضون والمقرضون ورجال الأعمال، وفي ظل السوق الجديدة والسياقات التنظيمية والشبكات الاجتماعية غالبًا ما يكونون مبتكرين للغاية ويخرجون بطرق مبتكرة لدعم أنفسهم.
واشارت دراسة حديثة أجريت على اللاجئين في أوغندا والتي تسمح لهم بالعمل إلى أنهم يمكنهم المساهمة في الاقتصاد، ففي كمبالا يدير 21% من اللاجئين أعمالًا توظف شخصًا واحدًا على الأقل، بينما كان 40% من مواطني البلدان المضيفة.
ولا يعد اللاجئون مختلفين اقتصاديًا عن أي شخص آخر ولكن الشيءالوحيد الذي يجعل الحياة الاقتصادية للاجئين متميزة عن حياة المواطنين هو التنظيم الذي يؤثر عما إن كان يمكنهم المشاركة الكاملة في الاقتصاد أو لا، وكثيرًا ما يُحرم اللاجئون من الحق في امتلاك أنواع معينة من الممتلكات وتفرض قيود على حقهم في التنقل والعمل، وأحيانا ما يتفاعل اللاجئون والمواطنون في أسواق مخصصة على حدود المخيمات والمستوطنات، ويعتبر منع اللاجئين من المشاركة في الاقتصاد أمرًا غير فعال، حيث أن الاختلاف الشديد في القوة السوقية بين من يملكون الفرص والأفراد البائسين الذين يسعون في الحصول عليها يجعل الناس أكثر انفتاحا على الاستغلال، ومن المنطقي أن نبدأ في كسر القيود التي تعيق مشاركة اللاجئين في الاقتصاد خاصة وأن أغلب هذه الحواجز سياسية.
ويجب تغيير كيفية التفكير في اللاجئين كضحايا سلبيين للكوارث الإنسانية واعتبارهم عوامل محتملة للتنمية، وهناك عدة تجارب للاجئين حصولا على استقلالهم الذاتي وفرص العمل. وتعتبر الأردن رائدة التجارب الفعلية في هذا المجال، وأظهرت الأردن سخاءً هائلًا تجاه اللاجئين باعتبارها بالقرب من سورية والعراق والمملكة العربية السعودية وإسرائيل. وتقدر المفوضية العليا لشؤون اللاجئين استضافة الأردن ل 600 ألف لاجئ سوري على الرغم من إشارة الحكومة إلى أن العدد يتجاوز المليون في بلد يبلغ سكانه 6.5 مليون نسمة فقط، وتوجد قلة من اللاجئين في مخيمات مثل الزعتري والزرقا مع استقلالية اقتصادية محدودة، من جانب آخر هناك منافسة على الموارد الاقتصادية. ويشعر الأردنيون بالقلق إزاء المنافسة على الوظائف وتدني الأجور وتصاعد أسعار المنازل واستنزاف الموارد الطبيعية مثل المياة، وعلى الرغم من الدراسات التي أشارت إلى عدم وجود تأثير للاجئين السوريين على أسواق العمل الأردنية إلا أنه ما زال هناك قلق.
ويتمثل التحدي السياسي في الأردن وحول العالم في معالجة المخاوف التنموية والأمنية للبلاد المضيف، وربما يكون هناك حل يمكن أن يفيد الأردن ويساعد في تمكين اللاجئين، ولا تخلو مخيمات اللاجئين من الابتكار، حيث تعطى الأسر في المخيمات عربات كبيرة للعيش فيها إلا أن العائلات تقوم بتحويلها إلى أثاث، وهناك سوق سوداء لبيع الطوب والأسمنت، كما يمكنك إيجاد رسومات لا حصر لها مثل الجداريات الضخمة وأعمال البستنة الحضرية وغيرها، ويمثل اللاجئون بالنسبة للأردن فرصة للإنتقال للتصنيع. فاللاجئون السوريون ماهرون ومتعلمون ويشتركون في اللغة مع الأردنيين. وعملت كل من حكومة الأردن والحكومة البريطانية مع البنك الدولي على مدى الأشهر المقبلة للتفاوض من أجل شراكة لمنظمة Jordan Compact، حيث قدمت المملكة المتحدة القوة والتمويل وقدم البنك الدولي تمويل بشروط ميسرة على أساس القروض، ولكن العنصر الأكثر أهمية هو الالتزام غير المسبوق للاتحاد الأوروبي بتوفير امتيازات تجارية امنتجات معينة مصدرة من المناطق الاقتصادية الخاصة مع تقديم تنازلات في قطاع الملابس وهي صناعة تخصص فيها العديد من السوريين في الأماكن التي تتعرض لقصف لا هوادة فيه مثل حمص، وتمثل هذه الصفقة نوع جديد من الشراكة بين الحكومات والشركات وهو ما يضع الحلول للاجئين.
ويصبح السؤال ما مدى إمكانية تحقيق فرص عالمية للاجئين السوريين؟، وأوضحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في خطابها أن ألمانيا استقبلت أكبر عدد من اللاجئين عن أي بلد آخر في أوروبا، وظاهريًا يبدو أن نصف اللاجئين الذين انتقلوا إلى ألمانيا يعيشون في وضع جيد، إلا أن الوضع لم يكن كذلك، ووفقا لوكالة التوظيف الاتحادية الألمانية فهناك أقل من 10% من معدل التوظيف للوافدين الجدد، ولا تعد هذه النتيجة مفاجئة باعتبار أن ألمانيا مكان مميز في الإنتاج العالمي وغير ملائم للاجئين من بلد فقير، كما أن الإنتاج في ألمانيا متخصص في الأسواق العالمية التي تتطلب مهارات عالية وسنوات من التدريب، فضلا عن أن الحد الأدنى للأجور في ألمانيا أعلى بكثير من الأجور في سورية، وهو ما يعكس متوسط مستويات إنتاجية العمال السوريين، حيث يزيد الدخل الفردي في ألمانيا بنحو 20 ضعفا عن مثيله في سورية قبل الحرب، وبالتالي يعد إدراج السورين المقيمين في ألمانيا في الاقتصاد العالمي أمرًا صعبًا.
وإذا نجحت الشركات الألمانية في الوصول إلى تركيا فيعد ذلك ميزة للاجئين حيث أنه من المسموح لهم العمل الى جانب المواطنين، ويتطلب ذلك بالطبع أن تسمح حكومات البلدان المضيفة للاجئين بالعمل مع إعطائهم تصاريح العمل المطلوبة، وتضمن الاتفاق الدولي الذي وافقت عليه الحكومة الأردنية في مؤتمر لندن في فبراير / شباط 2016 على الالتزام بتوفير تصاريح عمل للاجئين في مقابل خلق فرص عمل جديدة. ويعتمد توليد فرص عمل للاجئين اعتمادا كليا على شركات التصنيع التي تفتح مصانع جديدة في البلدان المختلفة، خاصة وأن جميع البلدان التي تستضيف اللاجئين السوريين هي بلدان متوسطة الدخل، حيث تنتج العديد من الشركات الدولية والمحلية السلع التي يمكن توريدها لسلاسل التسويق العالمية.
ويمكن للعولمة أن تعمل لصالح اللاجئين السوريين حيث أن الشركات التي تخلقها الشركات الأجنبية تخلق بدورها وظائف أخرى، ويتم إنفاق الإيرادات التي يحصل عليها هؤلاء العمال الجدد على الخدمات والأغذية المنتجة محليا، ويمكن للأعمال التجارية الدولية أن تحدث فارق حقيقي في حياة اللاجئين، وتستطيع الحكومات أيضا إحداث فارق حاسم من خلال تحفيز العملية، وفي أعقاب مؤتمر لندن حرض ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني على اتباع الحكومة نهجًا لتحقيق ذلك، وعيّن مبعوثة خاصة للتعاون مع القطاع الخاص، وسافر وزير الأعمار البريطاني ساجد جافيد مع مجموعة من المديرين التنفيذيين إلى الأردن، وهكذا جاءت اتفاقية "أسدا"، بينما كان الزعماء الأوروبيون مشغولين بمحاولة تفريغ آلاف اللاجئين إلى جيرانهم أو مقاومة توجيهات المفوضية الأوروبية في التركيز على توليد فرص عمل لملايين اللاجئين في البلدان المختلفة.
ولا تعد حماية اللاجئين مثل الهجرة، ولكن الغرض منها هو إعطاء الناس كامل حقوقهم حتى يتمكنوا من العودة إلى ديارهم أو دمجهم في أماكن أخرى، ويمكن تحقيق ذلك من خلال الإبداع بطرق تعزز الازدهار البشري وتفيد البلدان المضيفة في الوقت نفسه من خلال دعم الاستيراتيجية الإنمائية للدول المضيفة، ولا تقتصر إمكانيات هذا النهج على اللجوء فقط ولكن يمكن استخدامه لغرض آخر مثل المساعدة في استعادة الاستقرار لدول مثل سوريا بعد انتهاء الصراعات.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر