يحلم بعض المراهقين الأميركيين بالحصول على وظيفة براقة في مكتب التحقيقات الفيدرالي "أف بي آي"، حيث فرصة تصويب الأسلحة النارية، وإلقاء القبض على المجرمين، ولكن هذه الفكرة لم تأت إلى علي سفيان، على الأقل حتى ظهور ملفات " إكس"، حيث يقول سفيان ضاحكًا "كان مودلر وسكولي يدوران حول العالم؛ بحثًا عن الأجانب، وبدا الأمر مضحكًا".
توقع فشله مع الـ"أف بي آي" وعودته إلى المجال الأكاديمي
ولم يتوقع سفيان أنه سيعمل معهما، فقد كان مفتونًا فقط بعملية الاختيار، ولكن لماذا أعتقد أنهم لن يقبلوه، أجاب سفيان على هذا السؤال قائلًا "حسنًا، أنظر إلي، لا أبدو وكأنني عميل لمكتب التحقيقات الفيدرالي، على الأقل في ذلك الوقت.
وكان سفيان عربيًا أميركيًا، ومثقف بدرجة قليلة، وأوضح " شعرت وأنني لست رجلًا لإنفاذ القانون، لم يكن هذا الذي أردت فعله في حياتي، ولكنني ذهبت وأخذت جميع الاختبارات"، وعرضوا عليه الوظيفة، واعتقد سفيان الذي قد حصل لتوه على شهادة الماجستير في العلاقات الخارجية، أنه سيعود إلى المجال الأكاديمي، إذا لم ينجح في وظيفة مكتب التحقيقات الفيدرالي.
وحدث ذلك في عام 1997، كان حينها سفيان في منتصف العشرينات، ولأنه ولد في لبنان، كان يتحدث اللغة العربية، ولذلك تم تعينه في فرقة العمل المشترك لمكافحة التطرف، والتي تركز على الجماعات الفلسطينية والعراقية، ولكنه أصبح مهتمًا بزعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، أثناء قراءته للصحف العربية، حين كان طالبًا، وفي عام 1998، كتب مذكرة عن أسامة، لمشرفيه، وذهب التقرير إلى رئيس قسم الأمن القومي، جون أونيل، والذي سيصبح بعد ذلك، مرشداً وصديقًا لسفيان.
ركز عمله على بن لادن واستراتيجيته
وكان مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية، يراقبان بالفعل بن لادن، ولكن سفيان كان ينظر إلى أسامة على أنه ممول للتطرف، وليس منفذ هجمات متطرفة، وعلى الرغم من ذلك توقع سفيان أن بن لادن، يعاني من الكثير من المتاعب، قائلًا "كان ينبغي علينا أن نأخذ أسامة بجدية، كان يحاول تقديم نفسه على أنه مجاهد سابق قاتل ضد السوفيت، والآن يحاول جذب المجاهدين لإعادة إعمار العالم الإسلامي، وكان من يذهب لا يتمكن من العودة إلى بلاده، كان يُشكل نوعًا من الجيش الإسلامي، ولكن الأمور لم تسير على ما يرام.".
وفي كتابه "تشريح الإرهاب"، يتتبع سفيان تطور المنظمات المتطرفة، بداية من بن لادن، و11 سبتمبر/ أيلول، من خلال الحرب على الإرهاب غير الحكيمة، والتي أدت إلى زعزعة الشرق الأوسط، وظهور تنظيم داعش وغيره من الجماعات المتطرفة، وانجذاب المقاتلين الأجانب لهم، ويقول إن الحلقة المفقودة في استراتيجيات مكافحة التطرف في الغرب، هي عدم النظر داخل هذه المنظمات، ولهذا السبب، لا ينبغي الانشغال بالأسماء المختلفة والمجموعات المختلفة، فهذه القاعدة، وتلك داعش، وكليهما يتشابهان، حيث الأيدولوجية الواحدة، وإذا لم نفعل ذلك سنستمر في المعاناة لسنوات قادمة.
لخص أسباب انتشار التطرف
ويلخص سفيان الأيديولوجية باستخدام مصطلح "المصطلح المختطف من الإسلام"، وهو سرد يوضح فكرة النجاح في تجسيد أن العالم بأسره منخرط في الحرب على الإسلام، وأن أي شخص لا يؤمن بالسرد، لا يمكن الوثوق به.
ويوضح أنه يمكننا معالجة هذه الرسالة من خلال تسليط الضوء على نفاق هذه الجماعات المتطرفة والتي تدعي احتكارها أفضل وأنقى أشكال الإسلام، ولكنها تقصف بشكل روتيني المساجد والأسواق، وتقتل غير المسلمين، كما أن 90% من ضحايهم مسلمين.
ويشير سفيان إلى أن التطرف ينتشر وسط الفوضى، وهذه المرحلة الأولى من استراتيجية القاعدة، حيث استغلال المناطق الفوضوية، والانتقال لها لملء الفراغ، فهذا التنظيم، يلعب لعبة طويلة، على العكس من داعش التي كانت سريعة جداً في إقامة خلافتها، ولم تستطع التمسك بها، موضحًا "في السابق، كانت أفغانستان هي الفزاع، ولذلك عملت القاعدة هناك، لنشر رسالتها، والآن يوجد العديد من أماكن الفوضى، مثل سورية واليمن وليبيا، وشمال نيجيريا، وتونس والفلبين، وغيرها من الأماكن الأخرى، وهذا الأمر خطير جداً، يجب علينا الانتباه لمثل هذا النوع من الأشياء".
ينتقد سياسة واشنطن والغرب
وعمل سفيان لمدة ثمان سنوات، كعميل لمكتب التحقيقات الفيدرالي، وحقق في العديد من الحوادث مثل تفجيرات السفارة الأميركية في كينيا، وتنزانيا، وقاد تحقيق العملية الانتحارية في السفينة الحربية الأميركية "كولي" والتي قتلت 17 بحارًا، وجرحت الكثير، وفي وقت أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، كان سفيان من بين ثمانية آخرين يتحدثون العربية في مكتب التحقيقات الفيدرالي، والوحيد في نيويورك، كما استجوب المشتبه بهم في خليج غوانتانامو، وأحبط مخططات متطرفة.
وينتقد سفيان السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ويقول إن غزو العراق كان خطًأ فادحًا، موضحًا أنه كان من الأفضل التركيز على أفغانستان والقاعدة وحركة طالبان، وتقديمهم بسرعة إلى العدالة، حيث أعطاهم غزو العراق أكسجينًا جديداً فتخيل لو صٌرفت كل هذه الدولارات على إعادة بناء أفغانستان، وخلق تعليم أفضل وفرص اقتصادية، في المناطق التي ظهرت فيها القاعدة وداعش، أعتقد أن هذا العالم يمكن أن يكون مكانًا أفضل.
ويؤكد سفيان أن الغرب فشل في الشرق الأوسط، لأنه ليس لديه استراتيجية، حيث في أفغانستان لم يكن لدى واشنطن فكرة عما ستفعله بعد النصر العسكري، وكذلك في العراق بعد التخلص من صدام حسين.
تحقيقاته أحبطت هجومًا متطرفًا
ويلفت سفيان إلى أن فكرة خروج الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من سورية ربما تكون جيد، ولكن في حال تم التوصل إلى اتفاق إقليمي، موضحًا أن تهديد داعش لم ينته بعد، لأن التنظيم سيتخذ أشكال أخرى مختلفة للظهور في الشرق الأوسط، فهو مثل القاعدة له استراتيجية طويلة الأجل، كما سيظهر بشكل أقوى.
ويرى أنه على الغرب بناء جسور مع الأقلية والتواصل معهم، لأن ذلك يساعد في مكافحة التطرف، ليس فقط المسلمين ولكن الأقليات الأخرى، كما يحث المملكة المتحدة على أتباع الاستراتيجية نفسها.
وانتقل سفيان إلى الولايات المتحدة وهو في عمر الـ16، مع والده الذي كان يعمل صحافيًا، وفي عام 2002، استجوب سفيان شخصًا يدعى أبو زبيدة، والذي أدلى بمعلومات مكنت الأجهزة الاستخباراتية الأميركية من إحباط هجوم متطرف.
وعمل سفيان في مكتب التحقيقات الفيدرالي حتى عام 2005، ومن ثم تركه، وبعد ذلك أدلى بشهادته أمام مجلس الشيوخ حول قضايا التعذيب، التي أكد عدم تورطه فيها، موضحًا أن مثل هذه القضايا تشوه صورة الولايات المتحدة، ولا تجعلها في موقف جيد للحدث عن حقوق الإنسان والقيم والمبادئ.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر