نشرت صحيفة بريطانية منذ فترة مقالًا بعنوان "Oh Man" تُعبر فيه كاتبته عن دهشتها لكمية الجمال الذي التقطته عيناها وخزنته ذاكرتها، أثناء زيارتها لسلطنة عُمان.
وتغنت بثقافتها وحسن ضيافتها، وكل ما يشكل شخصيتها من تراث غني نابض بالحياة، وقيم عربية أصيلة، وشعور قوي بالهوية، وتمسك بمفاخر الماضي، والسحر الخاص في البنايات واطئة الارتفاع، التي لا تتطاول كثيرًا عن الأرض، وكأنها لا تريد أن تتعب عين الناظر، وأشياء أخرى كثيرة كانت من بين ما ذكرته في مقالها. وهي لم تبالغ؛ لأن كل من زار السلطنة رجع بالانطباع نفسه. فهي غنية بتاريخها، جميلة بطبيعتها. جمال يتجلى في صحاريها الشاسعة وجبالها وسواحلها البكر، فضلاً عن مساجدها الأليفة، وقلاعها الحصينة، ومحمياتها الطبيعية، وأسواقها الشعبية الضاجة بالحياة.
لكن السلطنة لم تبقَ سجينة التاريخ والماضي؛ بل تقدم أطباقًا دسمة من الأنشطة التي تخاطب كل الأذواق، وتجعلها واحة لمحبي الهدوء، ومكسبًا لهواة المغامرات، مثل السباحة، والقفز بالمظلات، وتسلق الجبال، والغوص في المياه العميقة، والصيد، وغيرها.
وتقع سلطنة عُمان في الربع الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية، وتطل على ثلاثة بحار، هي بحر العرب وبحر عُمان والخليج العربي.
وكانت السلطنة في أواخر القرن الخامس عشر إمبراطورية قوية، تتنافس مع الدول الكبرى على النفوذ والقوة، بينما تعد العاصمة مسقط من الموانئ الرئيسية في المنطقة، ومن بين أهم الموانئ التجارية على المحيط الهندي.
ورغم الخلط في القراءة الذي يحدث أحيانًا بين عَمَّان عاصمة الأردن، وعُمَان السلطنة؛ خصوصًا عندما يغفلون وضع الضمة على العين، فإن هذا الاسم موغل في القدم. وهنالك كثير من الكتابات السومرية التي تشير إلى عُمان؛ حيث كانت ثمة روابط وصلات تجارية مع بلاد الرافدين. وعُرفت هذه المنطقة التاريخية باسم جبل النحاس أيضاً، وإن اختلفت الآراء في أصل تسمية عُمان. فالبعض يرجعه إلى قبيلة عُمان القحطانية، والبعض يأخذه من معنى الاستقرار والإقامة، حيث يقول ابن الإعرابي: العمن أي المقيمون في مكان، ويقال: أعمن الرجل أي دام على المقام.
أماكن لا تفوتك زيارتها في عُمان
1- جبل الشمس
يقع هذا الجبل في ولاية الحمرة في محافظة الداخلية. تُعد قمته أعلى قمة جبل في عُمان. وسمي بهذا الاسم لأنه أول نقطة تشرق عليها الشمس في السلطنة، وآخر نقطة تغيب عنها، وهو مقصد السياح والمواطنين على السواء؛ خصوصاً في فصل الصيف، حيث لا تتعدى درجة الحرارة في قمته العشرين نهاراً، وتكون دون العشرين ليلاً، بينما تصل في الشتاء إلى عشر درجات تحت الصفر، بسبب تساقط الثلوج. والجميل في هذا الجبل كثرة سفوحه وقممه، مع سهولة الانتقال من سفح إلى آخر. ولكن قبل الوصول إلى قمة الجبل الرئيسية، توجد هوة عميقة تدعي "شرفة نخر"، وهي واحدة من أجمل الأماكن التي تستهوي السياح، بينما يمكن لصاعد الجبل أن يلاحظ الفوالق الصخرية الأكبر في العالم، والنباتات النادرة على سفوحه، مثل البوت والعلعلان.
ويضم الجبل بين جنباته نحو 30 قرية صغيرة، تشتهر بالصناعات اليدوية الشعبية، علماً بأن مختلف الخدمات الأساسية التي يحتاجها السائح تتوفر في الجبل.
2- أسوار قلعة مطرح
بنى البرتغاليون المغامرون هذه القلعة في أواخر القرن السادس عشر، على منحنى أحد التلال.
ويقع برج المراقبة الحجري على بعد 1.5 كيلومتر شرقاً، على طول مسار الكورنيش المخصص للمشي.وما يميز هذه القلعة إطلالتها على ميناء السلطان قابوس، وسوق مطرح في مسقط.
وتتميز بالطراز المعماري الفريد والتحصينات الدفاعية. وتضم القلعة مجموعة متنوعة من المدافع القديمة، منها المدافع العُمانية والبرتغالية والبريطانية والفرنسية والأميركية والهندية والفارسية، مع عربات ميدانية للمعارك، وأخرى بحرية للسفن، وثالثة للمباني.
وتبدو القلعة كأنها الممر الوحيد الذي يصل بين مطرح ومسقط، وتتكون من ثلاثة أبراج دائرية، أطلق عليها قديماً اسم "كوت مطرح"، وهي مبنية من الحجارة والصاروج، واستخدمت قديماً لأغراض دفاعية، أما اليوم فهي مفتوحة للزوار.
أقرأ أيضا أماكن مثالية لقضاء شهر العسل في رومانيا
3- أشجار الباوباب
توفر زيارة عُمان فرصة لمحبي الطبيعة، للتعرف على هذه الأشجار العملاقة التي عادة ما توجد في أستراليا، وتحظى في أفريقيا بأهمية خاصة، كونها ترمز عندهم للخصوبة والعطاء.
يحرص سكان القرى هناك على الاحتفاظ ببذورها، وزراعتها عند انتقالهم من مكان إلى آخر. وهي واحدة من أطول الأشجار في العالم وأكثرها غرابة، وتسمى أيضًا «كريم التتار» و«الفئران الميتة» و«الأشجار المقلوبة»، واسمها العلمي «Adansonia Digitata»، أما في عُمان فتسمى شعبياً شجرة التبلدي. ويمكن مشاهدة هذه الأشجار في الوديان المرتفعة فوق مدينة صلالة الساحلية. كما يمر الطريق الجبلي في وادي دربات بعدة بساتين تضم بضع شجرات منها، ويوجد في منطقة ظفار نحو 200 شجرة، وفي ولاية ضلكوت بالمنطقة الغربية شجرة واحدة فقط.
4- كهف الهوتة
واكتشف السكان المحليون هذا الكهف منذ مئات السنين. يقع على بُعد بضعة كيلومترات إلى الغرب من الحمرا، في الجزء الجنوبي من سلسلة الجبل الأخضر.
ويمكن الوصول إلى المدخل بعد رحلة قصيرة في القطار الكهربائي، وعادة ما تستكشف الجولات التي تنظمها بعض مكاتب السياحة، وتستغرق 45 دقيقة، أول 500 متر من الكهف المستطيل، الذي يضم بين جنباته نظاماً بيئياً فريدًا؛ حيث توجد فيه الرخويات والقواقع وخنافس الماء الرقيقة، ونوع خاص من أسماك الكهوف العمياء ذات اللون الوردي الشفاف.
ولهذا الكهف فتحتان يدخل من إحداهما ماء الوادي المنحدر من أعلى الجبل، وتسمى هذه الفتحة بـ«الهوتة»، أما الأخرى «الفلاج» فيخرج الماء عبرها، بعد توغله داخل أروقة الكهف ودهاليزه المتصلة.
5- مقابر بات التاريخية
وتقع هذه المقابر على سلسلة من التلال الصخرية في منطقة جبل وحيدة، وهي من أكثر المستوطنات تكاملاً في العالم منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد. وتوصف المقابر بأنّها "خلايا نحل حجرية"، كونها مرتبة بشكل مجسمات حجرية يتباعد بعضها عن بعض، ويشبه كلّ منها هرماً صغيراً محفوراً في الصخر.
وبُنيت بين عامي 3000 و2000 قبل الميلاد. ويبلغ ارتفاع قبابها 7 أمتار، وهي مصنوعة lن كتل من الحجر الرملي ذي اللون الصحراوي.
ويزداد جمال هذه الآثار مع شروق الشمس؛ لأنها تتلون باللون الوردي حيناً والرمادي والأصفر والأحمر في أحيان أخرى.
وفي الليل، ومع أفق مفتوح على الجبال الشاهقة والسماء الصافية المزينة بالنجوم، تأخذ ظلال تلك المقابر المخروطية أشكالاً تطول وتقصر في انسيابية ساحرة.
6- السلاحف البحرية الخضراء
ويعد الخط الساحلي بالقرب من رأس الجنز موقعاً ملائماً للسلاحف البحرية الخضراء، التي تعشعش فيه بعد السفر لمسافات طويلة عبر المحيط المفتوح. وتنتقل هذه الكائنات الرائعة إلى المكان الذي ولدت فيه لتضع بيضها في رمال الشواطئ الذهبية، ما يُشكل فرصة كبيرة لاستمرار بقاء هذا النوع من السلاحف المهددة بالانقراض.
وفي كل عام يعشش في المنطقة ما بين 6000 و13000 سلحفاة؛ حسب إحصائيات رسمية، بعد أن تأتي إلى السلطنة من مناطق أخرى بعيدة، مثل الخليج العربي والبحر الأحمر وشواطئ الصومال.
وليس غريبًا أن يجذب هذا المشهد عدداً كبيراً من السياح الذين يتوافدون من كل أنحاء العالم، لتصوير ومراقبة دورة الحياة الخاصة بهذه المخلوقات الوديعة.
7- بحر الرمال الشرقية
وتعتبر ولاية بدية من الواحات الجميلة القابعة على مدخل رمال الشرقية، وتعد الموطن الأصلي للبدو، ونقطة الدخول في عالم مليء بالإثارة والحيوية بعيدًا عن صخب المدينة. ويوجد في هذه الرمال كثير من الواحات المزروعة بالأشجار المثمرة، والمحاطة بالكثبان الرملية التي تتدرج ألوانها من الأحمر إلى البني على امتداد البصر، بينما يعد الانحدار الحاد للرمال في الجزء الجنوبي لهذه الواحة من المواقع المتميزة لممارسة رياضة التزلج على الرمال، والقيام بجولات في الطرق الوعرة، أو صعود الرمال بسيارات الدفع الرباعي، إضافة إلى سباقات الخيول والهجن، وكثير من مغامرات الصحراء.
وتعد هذه الواحة من أجمل مناطق التخييم في السلطنة، وعادة ما يفضلها السياح نظراً لسهولة الوصول إليها، ولتوفر الخدمات القريبة منها.
8- صحراء الربع الخالي
أكبر صحراء رملية ممتدة بعضها مع بعض في كوكب الأرض، وتضم نصف رمال الصحراء.
واكتسبت اسمها بسبب افتقارها للمستوطنات؛ لكن يمكن للسائح زيارتها في جولة ليلية في الكثبان الرملية لمراقبة غروب الشمس والسماء الصافية والنجوم تُرصعها.
كما أن هنالك طريقًا تصل عُمان بالسعودية، يطلق عليها اسم «الأعجوبة الهندسية»، يشق رمال الربع الخالي، ويقطع أكثر من 800 كيلومتر بين البلدين، وقد احتاج تشييد هذا الطريق إلى إزالة أكثر من 130 مليون متر مكعب من الرمال.
9- سوق مطرح
وتحتفظ هذه السوق بفوضويتها الجميلة، كما هي الحال مع بقية الأسواق الشعبية العربية، تضج فيها روائح اللبان والبخور والعطور العربية والتوابل الحادة، كما تباع فيها المصنوعات اليدوية العُمانية والمشغولات الفضية والخناجر والأقمشة التقليدية والأواني النحاسية والفخارية، بالإضافة إلى الحلوى العُمانية الشهيرة، ومنتجات النخيل والغزول والمجوهرات وأطباق تقديم الشواء العُماني التقليدي (لحم غنم متبل مطبوخ في فرن تحت الأرض).
ويرجع تاريخ نشأة هذه السوق إلى نحو مائتي عام، ولها تسمية أخرى معروفة بين أهل البلد، وهي «سوق الظلام» بسبب كثرة الأزقة الضيقة والمتاجر المكتظة التي كانت تحجب عنها أشعة الشمس خلال النهار، مما يدعو الناس إلى استخدام المصابيح اليدوية لتلمس الطريق.
ورغم أن السوق ما عادت تشكو من العتمة، فإن الأزقة المتعرجة والمتداخلة مع بعضها قد توقع السائح بالحيرة إذا لم يكن معه دليل من أهل السوق، ومن السهل أن يضيع في واحد من هذه الأزقة. ولكن هذا التجربة لا تخلو من المتعة أيضاً؛ لأنها قد تكون سببًا في الوصول إلى أمكنة لم تكن على البال.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر