أكد الروائي المصري طارق إمام، أن الإسكندرية مدينة استثنائية ظهرت في الروايات العربية كمدينة عادية ولم يكتب عنها حتى الآن كما يجب، مبررًا ذلك بفشل المبدعين في رصد جوهرها العبقري.
وأشار إمام إلى أنه يعرف أن هذا الرأي سيغضب الكثيرين، معترفًا أن روايته الصادرة مؤخرًا في القاهرة "طعم النوم" تتقاطع مع روايتي "ذاكرة غانياتي الحزينات"، لماركيز، و"الجميلات النائمات" لكاواباتا.
وفسر هذا التقاطع وإقدامه على هذه الخطوة بإحساس تملكه بوجود أشياء ناقصة ومسكوت عنها في هذين العملين، موضحًا أن البعض يرفع شعار "أنا مع الجائزة الأدبية طالما فزت بها، وضدها لو لم أفز".
ويعد طارق أحد أكثر أبناء جيله تتويجًا بالجوائز الأدبية، كما يعتبره نقاد عديدون الأكثر جنوحًا للتجريب عبر أعماله، سواء في القصة أو الرواية، مثل "هدوء القتلة"، "الأرملة تكتب الخطابات سرا"، "مدينة الحوائط اللانهائية"، و"حكاية عجوز كلما حلم بمدينة مات فيها"، وإلى نص الحوار.
تبدو في "طعم النوم" كما في أعمالك الأخرى، مغرما بفكرة الحكاية التي تقود إلى حكاية؟
أنا مشغول بسؤال الكتابة نفسه كموضوع فني، جميع أبطال رواياتي، بلا استثناء، يمارسون فعل الكتابة "سالم" بطل "هدوء القتلة"، شاعر يبحث عن تحقيق ديوانه داخل روايتي، "كفافيس" شاعر أيضًا في اتجاه مختلف، حيث تقوم "الحياة الثانية لقسطنطين كفافيس" على فكرة قراءته لرواية، أن الفعل النقدي هو موضوع الرواية، والنقد كما تعلم كتابة على كتابة.
هناك أيضًا بطل "ضريح أبي" يعيد كتابة تاريخ أبيه في مخطوط موروث فيحرّف التاريخ ويُحل محله تاريخاً آخر، و"ملك" بطلة "الأرملة تكتب الخطابات سراً" تمارس كتابة الخطابات الغرامية للمراهقات ثم تمنحها لهن ليعدن كتابتها بخط أيديهن في فعل كتابة على كتابة أيضاً.
بطلة "طعم النوم" تطمح في كتابة رواية عن علاقتها بالعجوز الذي جاء بدوره ليكتب رواية عنها، لذا جميع أفكاري الروائية جزء منها موضوع الكتابة نفسه، ما يجعل من رواياتي، مرة بعد الأخرى، نصوصًا داخل نصوص.
أعترف أن سؤال الكتابة يشغلني، وربما الشكل الأمثل للتفكير في الكتابة كواقع بالنسبة لي هو جعلها جزءً من الكتابة كمتخيّل.
في علم السرد يطلق على هذا النوع من الروايات "ميتا رواية"، ما بعد الرواية، حيث الرواية في حد ذاتها موضوع لنفسها داخل النص، والكتابة تتأمل نفسها وتعري تقنياتها، لكنني، وبعيدًا عن نظريات الأدب، أحب الكتابة في هذه المسافة العمياء، والهجينية، والمموهة، بين كافة الحدود: الواقع والخيال، السرد والشعر، التوثيق والتحريف، الإيهام الفني وكسر الإيهام.
هذه المسافة هي حريتي الشخصية والكاملة عندما أكتب، أحب المناطق غير المنتمية بالكامل، التي تخون الحدود الصارمة التي تخنق الفنون وحتى الأوطان.
تتقاطع روايتك طعم النوم مع روايتي "الجميلات النائمات" لكاواباتا و"ذاكرة غانياتي الحزينات"، أليست هذه مغامرة تقود القارىء لعقد مقارنة؟
لا شيء يستفز كاتب ليتقاطع مع نص سابق ويعارضه بنص جديد إلا الوعود المغدورة والأسئلة المفتوحة والمناطق المتروكة وغير المستغلة.
في رواية "كاواباتا" كثيراً ما سألت نفسي: ألن يُتح للفتاة النائمة في مرة أن تتكلم؟ من هذا السؤال ولدت فكرة "طعم النوم".
يعرف من قرأوا الروايتين أن فكرتهما تدور حول رجل عجوز يتذكر حياته في منزل غامض للفتيات النائمات دون أن تستيقظ أي فتاة، روايتي تقوم على عكس هذه الفكرة بالضبط: الفتاة النائمة هي من تسرد حياتها على شرف العجوز النائم، وهي من تكتب الرواية وليس هو.
الروايتان في ظني تمجيداً هائلاً للذكورة من حيث تدّعيان أنهما ترثيانها، أردتُ أن أجرب هاتين الروايتين إذا ما أصبحتا، من خلال "معارضة روائية" نص المرأة وليس الرجل، بخلاف أسئلةٍ أخرى بالطبع، في القلب منها سؤال الكتابة كفعل نقدي واقعه هو النص الأدبي نفسه.
تعود مرة أخرى لمدينة الإسكندرية في "طعم النوم".. ما سر ولعك بتلك المدينة وهل نجحت الرواية المصرية في التعبير عن روحها؟
أعرف أن ردي سيُغضب البعض، لكن الإسكندرية في ظني لم يكتب عنها بعد كمدينة فنية بما يستحقه فضاؤها وبما تحمله من أسئلة عميقة وشائكة.
قارِن الإسكندرية بالقاهرة في أعمال محفوظ ومن بعده الغيطاني أو خيري شلبي، كل منهم يملك قاهرته، هنا تعرف أن الإسكندرية خارج "رباعية" داريل (الانجليزي) لم تحظ أبداً برواية مصرية كبيرة أو فارقة.
ثمة مدن عادية حوّلها الأدب لمدن استثنائية، الإسكندرية، بالمقابل، مدينة استثنائية تحوّلت في الرواية المصرية إلى مدينة عادية.
البطل لديك غالبًا مؤلف أو شاعر أو كاتب سير ذاتية أو كاتب خطابات.. ألا يمكن أن يصيب ذلك عالمك الإبداعي بلعنة التكرار أو تشابه الأجواء؟
وجود سؤال كبير مُلح لا يعني التكرار، طالما تدلف إليه في كل مرة، أو تحاول، عبر باب مختلف فأنت أمام حكاية جديدة، زاوية مغايرة للرؤية، ستنعكس بدورها على اللغة، لأن اللغة ليست كيانًا ثبوتيًا أو مُعطى فوقيًا أسبق من التجربة الفنية.
الكاتب الأصيل في ظني هو القادر على تعميق سؤاله دون أن يكرره، والفارق بين التعميق والتكرار كبير، وكل الكُتاب الذين أحبهم، من شكسبير لدستويفسكي، ومن كازنتزاكيس لكامو، ومن ماركيز لنجيب محفوظ كان لديهم ذلك السؤال الحارق، وامتلكوا القدرة على منحه مرايا تعكس في كل مرة جانباً من وجهه.
هل يشير تعدد طبعات مجموعتك القصصية "مدينة الحوائط اللانهائية" إلى أن القصة القصيرة لا تزال قادرة على الصمود في وجه طوفان الرواية؟
"مدينة الحوائط النهائية" حققت 3 طبعات إلى الآن، (بحساب عدد النسخ المطبوعة هي 9 طبعات بالنسبة لدور نشر أخرى)، وهذا يمثل نجاحًا كبيرًا يضاف لنجاحها النقدي.
بالمناسبة مجموعتي السابقة (حكاية رجل عجوز كلما حلم بمدينة مات فيها) طبعت 4 طبعات إلى الآن، وأيضاً بعدد نسخ كبير للطبعة الواحدة.
القصة القصيرة ليست عاجزة عن العثور لنفسها على موطئ قدم في سواق القراءة، لكن عليها ألا تغفل عنصري الإمتاع والخيال، لأن بعض المجموعات القصصية أصبحت جافة وتقريرية تقرأها كأنك تقلب صفحات جريدة مما صرف القراء عنها.
قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ :
محاضرة لأحمد مراد في الجامعة الأميركية حول رواية "فهرنهايت 451"
اختتام مسابقة القصة القصيرة "أنقذوا أسامة" في صنعاء
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر