قد تُبهر بعض الأجهزة الإلكترونية، المنتشرة بشكل ملحوظ في محلات وأسواق مدينة تعز، المواطنين بأشكالها الأنيقة وألوانها البرّاقة وسعرها المناسب، لكن المظاهر -في الأغلب- خدّاعة، وتخفي خلفها العديد من العيوب بما فيها تدنّي مستوى الجودة، وانخفاض مدّة الخدمة، وعدم الكفاءة في العمل، وسرعة التعرّض لأعطال يصعب إصلاحها.
وتغزو محلات وأسواق المدينة، الواقعة جنوب غرب البلاد، إلكترونيات مجهولة المصدر، ولا تحمل أي علامة تجارية، وغير مُرفقة بكروت ضمان المصنع المنتج لها، وذلك خلافاً للأجهزة ذات العلامات التجارية المعروفة، التي يشِحّ تواجدها في السوق، كما ترتفع أسعارها بشكل كبير، وغير ملائم لأوضاع المواطنين المعيشية والمادية المتردية، وقدراتهم الشرائية.
وتُعرض بضائع إلكترونية جديدة، بينها أدوات كهربائية ومنظومات طاقة شمسية وأجهزة أخرى، يُروّج لها التجار بأنها مضمونة وأصلية، أو مجمّعة في الصين، كما يرفضون إيفاء الزّبون بكرت ضمان المصنع، ويكتفون بالكتابة على فاتورة البيع ضمانة خطية لا تزيد عن عامين.
وتتوفّر فيها ثلاجات وغسالات وتلفزيونات وكاوِيات ومِكنسات كهربائية وريسيفرات ومكيّفات ومراوح وخلاطات ومنتجات أخرى لا تتضمّن اسم الشركة المصنّعة والوكيل التجاري، ومواصفات الجهاز الفنية، التي -إن وجدت على بعض الأجهزة- تعتبر غير دقيقة حسب روايات متطابقة لفتت، في حديثها لموقع 'بلقيس'، إلى انتعاش ظاهرة الاتجار بالإلكترونيات المغشوشة والمقلّدة ومجهولة المصدر، وذات المواصفات الرّديئة والمزايا المبالغ فيها، التي من بينها استهلاكها المنخفض للتيار الكهربائي.
ويقع المواطنون في فخ تلك المنتجات وأسعارها وإغراءات بائعيها، فيُقبلون على شرائها، ولكن سُرعان ما تتعرّض للعطل والتّلف، فيفقد المستهلك ثقته بها وبالمروِّجين لها، ويتوجّه نحو إصلاحها، فيصطدم بعدم توفّر قطع غيار لها، وورش لصيانتها، ما يضطر البعض إلى شراء أجهزة بديلة، فيما يعزف آخرون عن ذلك، لفقرهم وعدم توفّر المال لديهم، خصوصاً مع انقطاع الرواتب، وغلاء المعيشة، وفقدان الوظائف، ونُدرة الأعمال، وشحة مصادر الدّخل.
* فخ المواطن
قبل أسبوع، ارتاد أبو رؤوف الصبري (62 عاماً) أحد محلات بيع الأجهزة الإلكترونية لشراء مروحة لتلطيف الهواء، وتخفيف لهيب حرارة الصيف المرتفعة، لكنّه لم يكن يدرك أنه سيقع في فخ اللون والشكل الأنيق للمروحة الحمراء، التي وقعت عيناه عليها، فأُعجب بها، وقرر ابتياعها، بعد التفاوض على السعر مع التاجر، الذي أصرّ على بيعها ب22 ألف ريال، وهو ما نال قبول الصبري، الذي دفع المبلغ، وأخذ المِروحة إلى منزله دون أن يستفسر عن اسمها والمصنع المنتج لها، والوكيل التجاري، والعلامة التجارية، وسر اختفاء تلك التفاصيل مع كرت الضمان المرفق بالجهاز من المصنع المنتج.
لم يطلب ضمانة خطِّية من البائع، الذي تجاهل الأمر، كونه يدرك جيداً أن المروحة ردِيئة، وغير مضمونة، وسريعة التعرّض للعطل، ومصنوعة في مصنع غير معروف بالصين.
توقّفت المروحة عن العمل بعد ثلاثة أيام، فشعر الرجل بخذلان وخيبة أمل، وأيقن أنه قد وقع في فخّ الإلكترونيات مجهولة المصدر، المعروفة بهشاشتها وضعفها، وعدم كفاءتها، وقصر مُدة خدمتها، ما اضطره إلى إعادتها إلى التاجر، الذي لم يمنحْه بديلاً لها، بل راوغ، وتهرّب من ذلك، بالتكفّل بإصلاحها، كما يقول الصبري لموقع 'بلقيس'.
وأضاف: "المروحة التي اشتريتها قطرة من بحر، حيث إن معظم الأجهزة المتوفِّرة في المحلات والأسواق ركيكة، ومعرّضة للتّلف خلال مدّة قصيرة، وتعكس مدى الغش والتلاعب الحاصل في تجارة الإلكترونيات".
ويتركّز تفكير الكثير من الأسر، خلال سنوات الحرب، على توفير الطّعام، ومتطلبات الحياة الضرورية، في حين تستثني الإلكترونيات عالية الجودة من قائمة اهتماماتها، ما أدّى إلى تراجع معدّل الإقبال عليها، مقابل تزايد الإقبال على نظيراتها من المنتجات التي لا تحمل أي علامة تجارية.
* رواج
تزدهر تجارة الإلكترونيات مجهولة المصدر، منذ العام 2015، جراء توفّر المناخ المناسب، وضعف الرّقابة الرسمية، ما فاقم من عبث وتلاعب التجار والوكلاء، الذين يقومون بالتعامل مع مصانع في الصين، ويطلبون منها بضائع رخيصة ومتواضعة المواصفات، تتناسب مع وضع السوق، وقُدرة المواطن الشرائية، وهو ما يشير إليه التاجر عبدالله أحمد (62 عاماً)، موضحاً: "يتعامل التجار حالياً مع الإلكترونيات كمن يفصِّل ملابس، ويرسلون مواصفات ومعايير محددة لمصانع غير معروفة، وهي بدورها تقوم بتصنيعها".
يتجنّب بعض بائعيها الحديث حول مزايا تلك الأدوات وجودتها، وسنوات خدمتها، وسبب غياب كروت الضمان المرفقة بها من بلد المنشأ، ويتحدثون عن استهلاكها المنخفض للطاقة، ومراعاتها غياب خدمة الكهرباء العمومية، وإمكانية تزويدها بتيار منخفض من منظومة الطاقة الشمسية، كما يوفّرونها تحت مبررات مختلفة، من بينها: تلبية احتياجات المواطنين، ومراعاة أوضاعهم الاقتصادية، وفقاً لأحمد، الذي يرى أن تلك المنتجات ردِيئة، وغير مضمونة، وسريعة التّلف، وتنتشر في الأسواق بشكل ملحوظ، كما تفتقر لورش الصيانة وقطع الغيار، وذلك خلافاً لشبيهاتها من المنتجات المنسوبة لشركات، ووكالات عالمية معروفة.
تتدنّى ثقة المستهلكين بها، لكنّهم لا يجدون بديلاً عنها، ويصعب عليهم شراء الإلكترونيات الأصلية، والاستمتاع بمواصفاتها، وسنوات خدمتها الطويلة، وهو ما يشير إليه المواطن محمد عبد الرحمن (38 عاماً)، الذي اشترى، قبل أشهر، عدداً من الأجهزة، وذلك في إطار استعداداته للزواج، لكن سُرعان ما تعطّل بعضها، وصعب عليه صيانتها، ما جعله يتردد على المعرض الذي اشتراها منه، حاملاً معه فواتير متضمّنة ضمانات خطّية للبائع، الذي نصحه بشراء أدوات بديلة، لأن صيانتها مكلّفة، وتتطلب وقتاً، في ظل ندرة قطع الغيار وورش الصيانة.
أصيب عبد الرحمن بخيبة أمل، وهو يفكّر بالسنوات التي يحتاجها لجمع قيمتها مجدداً.
ويذكر "تبلغ قيمة الثلاجة -مجهولة المصدر- أكثر من 170 ألف ريال، فيما يفوق سعر الأصلية 350 ألف ريال".
ويستهجن ظاهرة تفشِّي الإلكترونيات المجهولة في المحلات والأسواق، كما يُرجع العشوائية الحاصلة في عملية استيرادها وبيعها والتلاعب في أسعارها إلى تضاؤل الجهود الرسمية والإجراءات الرّقابية الهادفة إلى تنظيم وضبط هذا النشاط.
قد يهمك ايضا:
تقنية تتيح اختفاء الأجهزة الإلكترونية وتحولها إلى بخار
الأجهزة الإلكترونية تتحكم في جسد الإنسان خلال سنوات المستقبل
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر