تحولت المصالحة إلى ورقة تتنافس عليها أطراف الصراع الليبي. فبعد أيام من إعلان رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج عن مبادرة تضمنت في أحد بنودها تأسيس مجلس أعلى للمصالحة الوطنية، أطلق القائد العام للجيش المشير خليفة حفتر الأربعاء لجنة تعنى ببحث المصالحة بين المدن والقبائل في المنطقتين الجنوبية والشرقية.
وقال الممثل الاجتماعي للقيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية بلعيد الشيخي إنه تم تشكيل لجنة من كل التركيبات الاجتماعية في إقليم برقة لبحث المصالحة مع مناطق غرب وجنوب البلاد.
وأضاف الشيخي أن اللجنة تم تشكيلها بناء على تعليمات من حفتر للإسراع في المصالحة الاجتماعية بين كل المدن والمناطق الليبية. وأوضح الممثل الاجتماعي للقيادة العامة أن اللجنة مكونة من 38 شخصية من التركيبات الاجتماعية كافة في برقة وستتجه إلى الغرب والجنوب الليبي.
وبدأت اللجنة مهمتها بزيارة لمدينة ترهونة الخميس. وتسيطر على ترهونة الموالية لنظام العقيد الراحل معمر القذافي ميليشيات “الكاني” التابعة للجماعة الليبية المقاتلة.
ومن المتوقع أن تتجه اللجنة في محطتها الثانية نحو مدينة بني وليد التي ينحدر منها سكان قبيلة ورفلة أكبر القبائل الليبية. وتدين بني وليد بدورها بالولاء لنظام القذافي وقاتلت في صفوفه إبان الانتفاضة التي اندلعت سنة 2011.
ويسود الغموض الهدف الرئيسي الذي دفع بحفتر إلى اتخاذ هذه الخطوة. ويتساءل الشارع الليبي حول الدور الذي ستضطلع به اللجنة وما إذا كانت ستكون بديلا عن ملف العدالة الانتقالية أم أنها مصالحة عرفية بين القبائل فقط.
هيئة الانتخابات تنتقد مبادرة السراج
طرابلس – انتقد رئيس المفوضية الوطنية الليبية للانتخابات عماد السايح مبادرة رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية فايز السراج لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بسبب غموضها وصعوبة تطبيقها.
وقال السايح في حوار مع “بوابة الوسط”، نشر الجمعة، إن إجراء الانتخابات يتطلب التوافق الأولي بين مختلف الأطراف السياسية.
وأضاف السايح أن المفوضية الوطنية للانتخابات قادرة على تنظيم الانتخابات المقترحة، لكنه نوه بوجود عدة عوائق سياسية وأمنية تحول دون ذلك في الوقت الراهن.
وتابع أن المبادرة بها بعض التفاصيل والنقاط التي تحتاج إلى توضيح، خاصة ما يتعلق بأولوية الانتخابات وهل ستكون الرئاسية أولا أم البرلمانية؟
واستطرد “أود التأكيد أن تثبيت الديمقراطية يحتاج إلى الأحزاب كجوهر لها، ولذلك ينبغي على مجلس النواب أن يسن قانونا لتنظيم عمل الأحزاب حتى يكون لها تأثير في المشهد السياسي”.
وكان عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي رفض خارطة الطريق بإجراء انتخابات العام المقبل، موضحا أن ذلك لن يتم إلا بعد صدور دستور ينظم شكل الدولة.
وطرح السراج في الشهر الجاري خارطة طريق للخروج مما وصفه بـ”الأزمة” تضمنت إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مشتركة في شهر مارس 2018، والإعلان عن وقف جميع أعمال القتال، إلا ما يخص مكافحة الإرهاب، كما اشتملت الخطة على تشكيل لجان مشتركة من مجلس النواب ومجلس الدولة للبدء في دمج مؤسسات الدولة المنقسمة وفصل الصراع السياسي عن توفير هذه الخدمات.
كما تتضمن خارطة الطريق إنشاء المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية، ودراسة آليات تطبيق العدالة الانتقالية، وجبر الضرر والعفو العام، وإنشاء لجان للمصالحة بين المدن.
وتباينت أراء المراقبين بين من يرون أنها بديل للخيار العسكري الذي لوح به حفتر في أكثر من مناسبة لدخول طرابلس، ومن يرى أنها تسعى لاستمالة القوات الموجودة في المنطقة الغربية لفتح الطريق أمامه في ما بعد نحو طرابلس.
وقال مصدر عسكري رفض الكشف عن هويته إن حفتر يسعى وراء المصالحة لعدة أهداف، أولها تسهيل مهمة توحيد الجيش وضمان عدم تفكيكه مستقبلا. وساهم الانقسام السياسي والصراع الجهوي والأيديولوجي في انقسام المؤسسة العسكرية، إذ توجد قوات نظامية في المنطقة الشرقية موالية لحفتر.
وتوجد في المنطقة الجنوبية قوات موالية لحفتر وأخرى موالية للواء علي كنة الذي مازال يدين بالولاء لنظام القذافي، وتتضارب الأنباء حول استقباله لسيف الإسلام نجل القذافي، بعد الإفراج عنه من معتقله في مدينة الزنتان.
وفي المنطقة الغربية توجد قوات موالية لحفتر في منطقة الزنتان وهي قوات نظامية يقودها العقيد إدريس مادي تحت مسمى غرفة عمليات المنطقة الغربية، في حين تسيطر الميليشيات الموالية لحكومة الوفاق على العاصمة طرابلس، وتسيطر قوات قبلية وإسلامية على مدن أخرى في إقليم طرابلس.
وبحسب المصدر العسكري فإن ورقة المصالحة تخدم حفتر على صعيد طموحاته الشخصية في لعب دور أكبر على الساحتين العسكرية والسياسية. ويقول الكثير من الليبيين إن حفتر يسعى لحكم ليبيا في حين يتهمه خصومه خاصة من الإسلاميين بالسعي لإرجاع الدكتاتورية وحكم الشخص الواحد.
وأضاف المصدر لـ”العرب”، “أما الهدف الثالث فيتمثل في قطع الطريق على خصومه السياسيين واستباقهم في اتخاذ هذه الخطوة” في إشارة إلى المبادرة التي أطلقها السراج والتي رأى الكثير من الليبيين أنها تسعى لإنقاذ الإسلاميين بعد انحسار نفوذهم في ليبيا وتراجع الدعم الذي كانوا قد حظوا به إبان إسقاط نظام القذافي.
وتحول أنصار القذافي منذ اندلاع الأزمة السياسية في ليبيا سنة 2014 إلى ورقة تتصارع عليها أطراف النزاع. وكان حفتر أول من ضم عسكريين قاتلوا إلى جانب النظام خلال الانتفاضة التي أطاحت بالقذافي، رغم قتاله إلى جانب “الثوار”.
لكن الإخوان المسلمين والجماعة الليبية المقاتلة المقربة من فكر تنظيم القاعدة تفطنوا إلى ورقة أنصار النظام السابق وحاولوا استمالتهم بشتى الطرق. وعقد الإسلاميون السنة الماضية مؤتمرا للمصالحة في العاصمة القطرية الدوحة استدعوا إليها رموزا من نظام القذافي.
وتحدثت تقارير إعلامية في ما بعد عن حوار فتحه الإسلاميون المسيطرون على سجن الهضبة مع شخصيات بارزة من النظام السابق، كانت تقبع في السجن قبل أن تتمكن كتيبة “ثوار طرابلس” الموالية لحكومة الوفاق من إخراجهم من السجن نهاية مايو الماضي.
وتضاربت الأنباء في ما بعد حول تنظيم الكتيبة للقاء شهر رمضان المنقضي، جمع السجناء بعائلاتهم وأعيان من القبائل التي ينتمون إليها وهو ما اعتبر مسعى من حكومة الوفاق لاستمالة أنصار النظام السابق.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر