يواجه قطاع الزراعة في مصر تحديات عدة بدءاً بتأثيرات الاحتباس الحراري والتغير المناخي، وصولاً إلى ندرة المياه والأراضي وارتفاع مستويات التوسع الحضري وزيادة الطلب على الأغذية الصحية. وكانت هذه الأمور محور اهتمام المنتدى الذي عُقد في القاهرة تحت عنوان "تشجيع الاستثمار المستدام في الأمن الغذائي"، لمناقشة فرص الاستثمار في القطاع الزراعي، خصوصاً سبل رفع كفاءة القطاع واستدامته.
واحتشد ما يزيد على 200 من الشخصيات المهمة من القطاعين العام والخاص في المنتدى الذي نظمته "منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة" (فاو) مع "البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير"، و "البنك الدولي"، بالتعاون مع وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي في مصر، والاستثمار والتعاون الدولي والتموين والتجارة الداخلية.
وقال المدير العام المساعد والممثل الإقليمي للشرق الأدنى وشمال أفريقيا لمنظمة "فاو" عبدالسلام ولد أحمد، إن "انخفاض العجز في الأغذية الزراعية في مصر بلغ 7.7 بليون دولار في العام الماضي بسبب انخفاض الأسعار العالمية، إلا أنه لا يزال مرتفعاً كما هي الحال في مناطق أخرى في الشرق الأوسط"، متوقعاً أن "يتخطى الطلب على الحبوب نمو الإنتاج المحلي، ولذلك فإن مصر ستستمر في استيراد الأغذية".
وأكد "أهمية إيجاد فرص عمل في القطاعات الزراعية، فضلاً عن الاستثمار في قطاعات الحبوب واللحوم والدواجن والسكر والمحاصيل البستانية"، موضحاً أن "تلك القطاعات تمثل نحو 60 في المائة من الناتج الزراعي في مصر، كما أن قطاع المحاصيل البستانية كان له دور في زيادة الصادرات المصرية على مدار السنوات العشر الماضية من خلال صادرات بقيمة بليوني دولار، ما يعادل 40 في المائة من جملة صادرات مصر من الأغذية الزراعية في 2016".
وعلى رغم تحسن الإنتاجية الزراعية، لا تزال مصر تواجه عوائق كبرى في مسألة المياه واستخدام الأراضي، ما يحد من الإنتاج الغذائي المحلي.
وتقدر الأمم المتحدة أن عدد السكان في مصر سيزيد بنسبة 60 في المائة ليصل إلى 150 مليوناً بحلول عام 2050، وبالتالي من المقرر أن يزيد استهلاك المنتجات الغذائية الأساسية، بما في ذلك القـــمح والسكر، من 2 إلى 16 في المائة على مدار السنوات العشر المقبلة.
واهتم المشاركون في الفعالية، ومنهم جمعيات المنتجين، وصنّاع القرار، بموضوعين أساسيين: العمل على رفع استدامة الزراعة في مصر، ودعم الأنظمة الغذائية في البلد من خلال رفع الكفاءة. وحضر وزير الزراعة واستصلاح الأراضي عبدالمنعم البنا، ممثلاً الحكومة المصرية، ونبّه إلى أن الحكومة "حريصة على تهيئة المناخ الاستثماري في مصر، وتأمين مزيد من الفرص لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية من القطاعين العام والخاص، ما يساهم في تحقيق التنمية وإيجاد مزيد من فرص العمل للشباب".
وأضاف أن "وزارة الزراعة تبنت استراتيجية التنمية الزراعية المستدامة 2030 التي تستهدف من خلالها تحقيق نهضة زراعية شاملة قادرة على النمو السريع المستدام وتعتمد على الابتكار وتكثيف المعرفة". وتناولت المناقشات أموراً مثل المياه واستخدام الأراضي، وكذلك سلاسل الإمداد بالحبوب والسكر والبستنة ولحوم الدواجن. واتخذت مصر خطوات كبيرة لإصلاح قطاع الحبوب وخفض الفاقد، وطرح نظام دعم المستهلك من خلال البطاقة الذكية، والنهوض بالتخزين العام للحبوب، إلا أن بعض المعوقات لا تزال مستمرة.
ونظراً للطلب المتزايد في مصر على الواردات من الحبوب والبذور الزيتية لكلّ من الأغذية والأعلاف، حدد المنتدى السبل الممكنة لخفض الأخطار وتسهيل الاستثمار على طول سلسلة الإمداد، وهي تيسير التفتيش على صحة النبات والجودة، وتطوير البنية التحتية للموانئ والتخزين البري، مع التشديد على الحوار بين القطاعين العام والخاص لما له من أهمية في تطوير القطاع.
وأكدت نائب مدير "البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير" في مصر كاتارينا بيورلين هانسن، أهمية الحوار بين القطاعين العام والخاص، وقالت إن "البنك مستمر في الالتزام الجاد تجاه مصر من خلال دعم تنافسية القطاع الخاص عبر سلاسل إمداد أقوى، وكفاءة الموارد، ووصول أفضل للتمويل في مجالات الزراعة والأعمال الزراعية من أجل إطلاق إمكانات القطاع".
ومنذ العام 2013، صدّر قطاع البستنة في مصر بأكثر من بليوني دولار من الفواكه والخضار كل عام، تعادل أكثر من 40 في المائة من الصادرات المصرية من الأغذية الزراعية، ما أوجد فرص عمل في المناطق الريفية، وجذب العملة الأجنبية، وخفض العجز التجاري في الأغذية الزراعية في مصر.
وتناول المشاركون الخيارات الممكنة لتحسين الوصول إلى تصدير المنتجات المصرية من الفواكه والخضار، مع الاهتمام بمعايير سلامة الأغذية، خصوصاً استخدام المبيدات الزراعية. وخلال المنتدى أيضاً، كشف كلّ من "فاو" و "البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير"، النقاب عن النتائج الأساسية للبحث الأخير الذي قاما به حول قطاع السكر في مصر بشأن تحسين الإنتاج وكفاءة استخدام الموارد، والذي أشار إلى إمكان خفض استهلاك الغاز الطبيعي المستخدم في هذه الصناعة بنسبة تصل إلى 40 المائة في بعض الحالات.
وتحدث في المنتدى مدير الممارسات العالمية للأغذية والزراعة في "البنك الدولي" سيمون إيهوي، قائلاً إن "البنك الدولي يعمل مع الحكومة المصرية وغيرها من الشركاء من أجل رفع الإنتاجية الزراعية من خلال تعزيز تخصيص الموارد المائية وإدارتها وتطوير سلسلة الإمداد، مع الاهتمام بربط الفلاحين بالأسواق، وتحسين إنتاجية الزراعة حيث اليد العاملة كثيفة، وإيجاد فرص عمل على مدار سلاسل الإمداد الرئيسة".
ونبّه المدير العام المساعد لـ "فاو" والممثل الإقليمي للمنظمة في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، إلى أن "القيود المفروضة على الموارد المصرية من أراض ومياه نتيجة المناخ المتغير، تدفعنا جميعاً للبحث عن حلول تحقق كفاءة القطاع الزراعي في البلد بشكل قوي"، مضيفاً: "بعد هذه المناقشات، أصبحت لديّ قناعة بوجود فرص استثمار تتمتع بالاستدامة الاقتصادية في قطاع الزراعة بمصر، ومن شأنها تحسين الأمن الغذائي وتحقيق أفضل استغلال للموارد في الوقت ذاته".
ولفت إلى أن "رفع الكفاءة والاستدامة في القطاع الزراعي لن يرتقي بحياة المصريين العاملين في قطاع الزراعة فحسب، ولكنه سيحقق أيضاً الفائدة للمستهلك والمنتج المصري على حد سواء". كما شهد المنتدى توقيع البيان المشترك الصادر عن الحكومة المصرية والمؤسسات الثلاث، والذي تلتزم فيه بالقيام بالنشاطات المشتركة من أجل مزيد من التشجيع على الاستثمار المستدام في مصر، وبالتالي ضمان الأمن الغذائي.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر