تونس - اليمن اليوم
ما لا يقلّ عن 320 مليار أورو، هو رقم مبيعات 100 من أكبر شركات صناعة الأسلحة في العالم سنة 2015. وحوالي 875 مليون قطعة سلاح خفيفة منتشرة في مختلف أنحاء العالم. كما تم أيضا إحصاء مقتل 200 ألف شخص وإصابة نحو 754 ألف شخص بالرصاص في العالم سنويا، علما بأن 14 مليار رصاصة تتم صناعتها سنويا في العالم.
هذه الإحصائيات المتعلقة بصناعة الأسلحة ونتائجها المأساوية، تم تقديمها في المشهد الافتتاحي لمسرحية "صناعة الأسلحة" أو "gunfactory" باللغة الأنقليزية، وهو عمل يدوم 75 دقيقة عن نص وإخراج البلجيكي "جان ميشال دهوب"، وأداء كل من "ليون فرانسوا جانسون" و"ليّا لوفال" و"هيلواز مار" و"كورونتان سكوارا" و"بنجامين توريني"، وقد تم عرضه مساء السبت (4 مارس) بقاعة الفن الرابع بالعاصمة، على هامش أسبوع المسرح العالمي، الذي ينظمه المسرح الوطني التونسي.
وحاول المخرج من خلال هذا العمل التطرّق إلى مأساة البشرية من زاوية صناعة الأسلحة وتجارتها حول العالم .وترجم المخرج أعمال القتل بالأسلحة على الركح ليبرز هول الحرب وليقرّب مشاهدها للجمهور حتى يعي حجم المأساة التي تخلّفها، وهي غير تلك التي يراها على شاشات التلفزيون أو يقرأ عنها في الصحف. فكانت أصوات الانفجارات التي تهزّ أرجاء القاعة أحيانا محاكاة لانفجار الأرقام التي تم تقديمها والتي تخص حجم مبيعات الأسلحة، وحجم عدد الضحايا، والكارثة التي تخلفها الأسلحة.
ويحمّل المخرج المسؤولية مباشرة "دون شيفرات" إلى عدد من الدول الأوروبية. وقد حضرت من خلال هذه المسرحية، دول بلجيكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا. ووضع المخرج حاكمي هذه الدول محل استنطاق أو استجواب في لقاءات صحفية، فعدّد مجموعة من الأسئلة المحرجة دون أن يقدم إجابات عنها. وقد أوضح من خلال هذه المشاهد، أن السياسات المستخدمة لهذه الدول هي "سياسات خبيثة" تسعى لترويج الأسلحة في بؤر التوتر بحثا عن تحريك العجلة الاقتصادية، ولكنه حمل المسؤولية في المقابل للدول التي تورد الأسلحة، ووصف حكامها بـ "عديمي الضمير".
ولتبليغ رسالته المسرحية، قام المخرج بكسر ما يعرف في الفن الرابع بـ "الجدار الوهمي"، وهو الجزء الفاصل بين الركح والجمهور، فجعل الممثل يخترق هذا الجدار وينزل من الركح ليؤدي دوره بجانب الجمهور، وهي تقنية كثف من استعمالها "جان ميشال دهوب" ليضفي جرعة من الواقعية على عمله، وليبرهن على أن ما يقدم على الركح ليس وَهْمًا.
ومن التقنيات المستخدمة في المسرحية، عوّل المخرج بكثافة على تقنية الفيديو، في مسعى لتقريب الصورة من الجمهور. كما استعان بتقنية العروسة التي حركها الممثلون لأداء بعض المواقف. وأراد المخرج من خلال استخدام هذه التقنية، الإيحاء بأن الإنسان أضحى كائنا جامدا تحركه القوى السياسية الكبرى وتملي عليه ما يقوم به بكل مرونة وطواعية ودون قيود أو شروط.
تنتهي المسرحية بموت "تاجر السلاح"، وفي ذلك دلالة على أن السلاح جهاز فتاك يمكن أن يوجه لأي شخص بما في ذلك صانعه وتاجره. وفي هذا المشهد الأخير، يستحضر المخرج العمليات الإرهابية التي شهدتها بعض الدول الأوروبية، كفرنسا وبلجيكا وألمانيا، وهي الدول التي جعل من حكامها محل استنطاق في المسرحية.
وتكمن طرافة المسرحية شكلا ومضمونا في أن المخرج قدم إحصائيات دقيقة وشافية عن تجارة الأسلحة وعدد ضحاياها، كما أنه لم يوجه أسباب القتل والوحشية للإسلاميين التكفيريين فحسب، وإنما وجه أصابع الاتهام مباشرة إلى بعض القوى الفاعلة في المشهد السياسي الدولي، التي تسعى لخلق أجواء متوترة تساعدها على ترويج أسلحتها، وتدر عليها عائدات مالية كبرى للنهوض باقتصادياتها.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر