افتتح لقاء حواري مثير انتظم صباح اليوم الأحد بمدينة صفاقس مع الشاعر العربي السوري أدونيس فعاليات مهرجان الشعر العربي المنتظم في إطار صفاقس عاصمة الثقافة العربية 2016 من 12 إلى 16 مارس وهو آخر نشاط ثقافي يقام قبل حفل اختتام هذه التظاهرة العربية وتسليم المشعل من صفاقس إلى مدينة الأقصر المصرية يوم الجمعة 17 مارس الجاري.
وتميز هذا اللقاء المنتظم تحت عنوان "حوار في الشعر والمجتمع والفكر" بحضور جمع من مثقفي جهة صفاقس وضيوفها من ولايات أخرى ومجموعة من الشعراء العرب أمثال بوزيد حرز الله من الجزائر ومصطفى عبد الله وعبد الله أبو بكر من فلسطين الذين يشاركون جميعهم في المهرجان بالإضافة إلى الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي.
وبعد تقديمه على التوالي من قبل الشاعر منصف المزغني منسق مشروع فصول الشعر الأربعة بصفاقس عاصمة الثقافة العربية المندرج ضمنه المهرجان والأستاذ حافظ قويعة الذي اضطلع بمهمة تنشيط الحوار قال الشاعر أدونيس متحدثا عن نفسه: "لا اعرف كيف أبدأ سيما وان مشكلاتنا كثيرة ومتنوعة. لذلك اخترت أن اقص عليكم تجربتي الشخصية ..".
ومضى أدونيس يروي مسيرته الابداعية منذ نشأته الاولى في أربعينات القرن الماضي (هو من مواليد 1930 بقرية قصابين السورية) وما كان يجول في فكره من أسئلة وقضايا موضع مساءلة دائمة في ثنائية الشعر والدين وما تحيل عليه من قضايا ذات علاقة بالهوية والفكر والإبداع.
كما عاد بالذاكرة إلى تساؤلات نشأته الأولى حول ارتباط الدين بالسياسة والسلطة زمن الدولة العباسية فضلا عن تلك المتعلقة بالحقائق القرآنية النهائية وما ينجر عنها من أحكام عقابية بحسب تعبيره.
وقال أدونيس انه "لا يوجد مفكر كبير وعظيم من قلب الإسلام ولكن يوجد فقط فقهاء ومعلقون عن الفقهاء "ملاحظا أن "انتهاء الخلافة هو فقط في مفهومها العثماني ولكنها متواصلة كفكر وثقافة". واعتبر انه "لا يليق باللغة العربية ان لا يكون فيها فكر كما هو في اللغات الأخرى ولا سيما اللغة الفرنسية" وتلك مشكلة أساسية فنحن لم نستطيع أن ننتج جامعة واحدة تنتج الفكر أو مشاركة خلاقة في بناء أنظمة في العالم الحديث. وتساءل أدونيس في حيرة: "لماذا لا نجابه فكريا وأنثروبولوجيا وفنيا هذه المشكلات في مستوى مختلف الأقطار العربية؟".
وأثارت تدخلات الشاعر أدونيس ردود فعل متباينة لدى جمهور المثقفين الحاضرين الذين ناقشوه وساءلوه في مواقفه سيما المتعلقة منها بإشكالية وضع العرب المتقوقع والتأخر الفكري والذهني بسبب الانحسار في الفكر الإطلاقي كما عبر عن ذلك الأستاذ محمد الحلواني أول المتدخلين.
وقالت هدى وهي أستاذة أنها تشعر بالاعتزاز بما قدمه العلماء المسلون والعرب القدامى رغم كل ما كان من عوامل الإحباط في التاريخ العربي الاسلامي منتقدة النزعة التشاؤمية في خطاب أدونيس بحسب تعبيرها.
وعلقت احدى المتدخلات على الخطاب التشاؤمي العدمي في كلام أدونيس الذي يلغي بحسب تعبيرها الذات والذي قال فيه "أعطوني مفكرا كبيرا واحدا في الإسلام" وطالبت المتدخلة الشاعر بالاصداع مباشرة بموقفه من العروبة والاسلام، وإن كان يرى ضرورة في إلغائهما لتحقيق النهضة الفكرية المأمولة لدى العرب.
وشدد عدد من المتدخلين على مسألة ضعف مستوى المطالعة في ثقافة العرب وسلوكهم، معتبرين ذلك من أسباب تأخرهم عن ركب الحضارة.
وقال أدونيس ردا على هذه التدخلات أنه يتكلم من منطلق الإيمان بالحرية الفكرية وأنه لا ينتقد إيمان الأشخاص بأي دين من الأديان والتي هي من صميم حقوقهم بل ينتقد المنظومة الدينية وبنيتها وهو ما يصنفه من قبيل الحق الذي يتيحه له الاعتقاد بالاختلاف وبالحرية الفكرية الفردية.
وقال أن الثورة والديمقراطية في العالم العربي لا تعنيان شيئا وهو ما تؤكده في رأيه الأوضاع الراهنة للأقطار العربية بعد ما سمي بثورات الربيع العربي التي أصدر في شأنها كتابا.
وقال أنه ليس ضد الإسلام ولكن ضد أفكار ومنظومات ومؤسسات وحتى أعداءه الذين يهاجمونه يكن لهم الاحترام وفق قوله.
وكان حافظ قويعة وصف في بداية الحوار أدونيس قائلا: "هذا الطائر الفينيقي المغتسل بالأبجدية الاولى والثانية أبجدية الشعر الرفيع وهو أبدع وأجل وأوسع ثقافة من أن يختزل" مستعرضا أوجه الإبداع في شخصية الشاعر الضيف وفي مدونته شعرا ونثرا وترجمة. وبين من خلال قيامه بجولة في الخطاب الأدونيسي قول الشاعر في شأن الإبداع "طاقة الإبداع وحدها القادرة على بناء المستقبل" لان الإبداع عنده "خروج عن النسقية وتفرد ضد التجمع ومقاومة للخطاب الذي باسم البدع يقتل الإبداع".
وأضاف قويعة قوله :"هو باختصار ظاهر منفلتة ومفكر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء وروح الحداثة والتنوير، الحداثة التي تراجع مفاهيمها كل لحظة وهو الثبات على مبدا التحول، هو "شهوة أنا" كما يقول عن نفسه.
من جهته عبر الشاعر المنصف المزغني عن أبعاد هذا اللقاء الحواري واصفا إياه ب"الاصبوحة التاريخية التي يحضرها الشاعر أيقونة الحداثة أدونيس" كما قال أن اللقاء يذكر بلحظة تاريخية سبق لهذه المدينة صفاقس أن عاشتها يوم 12 ماي 1964 وأنشد فيها نزار قباني في المسرح البلدي المغلق اليوم بفعل فاعل بحسب تعبيره.
بدوره قام أيمن حسن مترجم أعمال أدونيس إلى اللغة الفرنسية بإلقاء مجموعة من أبيات شعرية لهذا الشاعر متناولا بالشرح بعض الوضعيات الخاصة التي مر بها في عملية نقل نصوص أدونيس للفرنسية والتي تحيل إلى البعض من مواقفه من عديد القضايا الفكرية.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر