يعيش محمد صالح فرحان حالة من الإرتباك منذ بضعة أسابيع، يترقب مصيراً لا يعلم ماذا يخبئ له ولأسرته التي تشكو من مرارة المعاناة المتجددة في ظل الحرب التي تدخل عامها السابع“أن تعيش ثلاثة أصناف من المعاناة في آن معًا: النزوح والتشرد وزيادة إيجار السكن؛ فذلك أمر يستدعي وضع حدٍّ له” يقول فرحان (40 عامًا) عن حاله وحال الكثير من النازحين في محافظة تعز (جنوبي غرب اليمن).
مع بداية كل عام تتجدد معاناة محمد صالح فرحان مع المؤجر، الذي أبلغه قبل أيام بقرار زيادة الإيجار من 40 ألف ريال إلى 50 ألفًا، أو إخلاء الشقة المكونة من غرفتين وصالة صغيرة ويقول لـ “عدن الغد” إن المؤجر أعطاه مهلة حتى نهاية شهر يوليو القادم، وفي حال لم يعثر على مسكن آخر، يجب عليه أن يدفع الإيجار مع الزيادة المفروضة.
- معاناة نازح مع السكن:
قبل 5 أعوام غادر محمد صالح فرحان منزله بعد أن توسعت دائرة الاشتباكات بين القوات الحكومية والحوثيين، ووصلت إلى الحي الذي يسكنه شمالي مدينة تعز، ليلجأ بعد ذلك إلى شقة للإيجار وسط المدينة.
ويعول فرحان أسرة مكونة من 5 أشخاص، وهو موظف حكومي لا يأتيه الراتب إلا بشكل متقطع، وبالتالي يجد صعوبة في مواجهة أعباء زيادة الإيجار والوضع العام المتردي، حسب تعبيره.
ويشير إلى أنه تنقل بين 4 مساكن خلال الأعوام الأربعة الماضية، ونظرًا لجشع المؤجرين كان يضطر لمغادرة المسكن مع مطلع كل عام عندما يطلب المؤجر زيادة في الإيجار ، ويبدو الارتفاع الهائل في الإيجارات إحدى أسوأ المشاكل التي تواجه النازحين وذوي الدخل المحدود، بحسب محمد صالح، لافتًا إلى أن غياب تفعيل الرقابة وعدم تطبيق قرار السلطة المحلية الذي يقضي بعدم رفع الإيجارات، أسهم بشكل كبير في تفاقم المشكلة.
قرار السلطة المحلية في تعز الصادر في ٢١ سبتمبر 2020، بشأن ضبط القيمية الإيجارية وتحديد نسبة الزيادة للمساكن، ينص على “إيقاف الزيادة والترفيع لمبلغ الإيجارات حتى للعقود المنتهية حتى نهاية ديسمبر من عام 2021، نظرًا لعدم انتشار الوضع المعيشي”. كما ينص على تحديد نسبة الزيادة بعد نهاية فترة الإيقاف بـ10% كحد أقصى، ويستثني من ذلك المساكن القريبة من خطوط المواجهات.
ومنذ بداية الحرب في اليمن عام 2015، شهدت إيجارات الشقق السكنية في مختلف محافظات البلاد، ارتفاعًا كبيرًا، ما أثر سلبًا على المستوى المعيشي للمواطن.
- البحث عن منزل شاغر:
ولعائلة فاطمة ، التي نزحت من محافظة الحديدة (غرب البلاد) إلى مدينة تعز، حكاية أخرى مع رحلة البحث عن مسكن يلائم دخلها المادي المتوسط.
وتقول زينب لـ”عدن الغد”، إن عائلتها عثرت على شقة مكونة من 3 غرف ومطبخ وحمام، وعندما عزمت على استئجارها، طلب مالك المنزل إيجارًا بمبلغ خيالي يصل إلى 70 ألف ريال ، كما طلب دفع إيجار 4 أشهر مقدمًا. وتضيف: “بالطبع رفضنا ذلك، وبحثنا عن منزل آخر يتوافق مع وضعنا المادي”، متسائلة عن دور السلطات في وضع حد لـ”استغلال المؤجرين لمعاناة النازحين”، حد قولها.
وبحسب إحصائيات مكتب وزارة التخطيط والتعاون الدولي التابع للحكومة اليمنية، فإن عدد النازحين في تعز بلغ 210 آلاف و314 نازحًا، يتوزعون على 16 مديرية (من أصل إجمالي 23 مديرية). ويشير المكتب، في تقرير حديث له، حصلت “عدن الغد” على نسخة منه، إلى أن أعداد النازحين في تزايد مستمر.
- زيادة مضاعفة:
بدوره، يؤكّد عدنان الحمادي، وهو سمسار في المنازل بمدينة تعز، أن إيجارات المنازل وصلت زيادتها إلى الضعف، مع وجود شحة في حصول المستأجر على منزل يتطابق مع مواصفاته المطلوبة. ويقول لـ”عدن الغد” إن الحد الأدنى لإيجار شقة من غرفة واحدة ومطبخ وحمام يصل إلى 30 ألف ريال، وتصل في بعض الأحياء القريبة من الشوارع الرئيسة بالمدينة إلى 40 ألفًا، في حين يبلغ إيجار شقة من 4 غرف ما بين 60 و75 ألف ريال شهريًا.
وطبقًا لدراسة أجراها مركز الإعلام الاقتصادي (منظمة غير حكومية)، مطلع العام 2019، فإن قيمة الإيجارات السكنية والعقارات في مدينة تعز زادت بنسبة 50%.
وتعد الحرب المستمرة ونزوح كثير من سكان المناطق المتاخمة لجبهات القتال إلى وسط المدينة، من أهم الأسباب وراء أزمة السكن في مدينة تعز، وهو ما أدى إلى زيادة في الطلب مقابل محدودية في العرض، كما يقول لـ”عدن الغد” الصحفي المهتم في الشأن الاقتصادي، نزار الحميري. ويضيف أن هناك عوامل أخرى تتعلق بتدهور الوضع المعيشي وتراجع قيمة العملة الوطنية، ما يدفع المؤجر أو مالك المنزل، إلى رفع الإيجار، بناءً على تقلبات أسعار الصرف.
بالإضافة إلى تلك العوامل، بحسب الحميري، هناك كثير من المناطق اليمنية خارج محافظة تعز، ونتيجة لأزمة السكن وتدهور الريال الوطني، اعتمدت العملة الصعبة مثل الريال السعودي أو الدولار، لتحديد سعر إيجار الشقة أو المنزل، وهو ما أدى إلى تفاقم أزمة السكن والإيجارات بشكل غير مسبوق.
ويرى أن ضعف حضور مؤسسات الدولة وعدم فاعليتها أسهم أيضًا في تنامي ظاهرة ارتفاع أسعار الشقق والمنازل في مختلف المدن الرئيسية.
- غياب نص قانوني يحمي المستأجر:
تدهور الوضع الاقتصادي وغلاء المعيشة يعتبران عاملين في زيادة إيجارات المساكن، كما يقول مالك عقار سكني في شارع التحرير الأسفل وسط مدينة تعز، أحمد محمد سرحان، لافتًا في سياق تصريحه لـ”عدن الغد” إلى أنه لا يملك مصدر دخل آخر سوى المنزل الذي يقتات من إيجاراته.
وحول القانون الخاص بالمؤجر والمستأجر، يقول: “الحديث عن قانون في الوضع الحالي كلام فارغ، خصوصًا في ظل غياب الرقابة في جميع أجهزة ومؤسسات الدولة المنهارة”. وتنص المادة 102 من القانون الخاص بتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر لعام 2006، على أن “يعاقب بالحبس، مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر أو غرامة مالية لا تتجاوز 100 ألف ريال، كل مؤجر قام بعمل يقصد به مضايقة المستأجر والضغط عليه لإخلاء العين، خلال فترة مدة الإيجار، أو زيادة الإيجار المحدد في العقد”.
ويرى المحامي أسامة أحمد محمد غالب، أن زيادة أسعار الإيجارات وانعدام الشقق والبنايات السكنية المعروضة للإيجار، “ظاهرة جديدة تستدعي تدخل السلطات لوضع تسعيرة معينة تراعي فيها الوضع المعيشي للناس”. ووفق غالب، فإن “تطبيق القانون فيه إجحاف، إذ إن المدة القانونية للبحث عن بديل مناسب غير كافية، ومن حيث الأسعار والمكان غير مناسبة”.
وبخصوص الحلول الجذرية، يقول غالب لـ”عدن الغد”، إن الأمر يحتاج إلى مراجعات وتعديلات قانونية، وهذا أمر صعب في الوقت الحالي لعدم انعقاد مجلس النواب ومناقشة القوانين”.
وباعتقاد المحامي أسامة ، فإن حل مسألة أزمة السكن، مرتبط أولًا بإنهاء الحرب أو التخفيف على الأقل من الاضطرابات الأمنية، حتى تهدأ حركة النزوح المستمرة.
ويقول:” الأمر يتعلق بوضع استراتيجية شاملة للدولة والحكومة في إنهاء مظاهر أزمة السكن، من خلال التوسع في بناء المدن السكنية وتوفيرها للمواطن بالسعر المعقول، وإيجاد بنية تشريعية تحمي المستأجر من جشع ملاك المنازل والعمارات، ووضع قوانين عادلة تنظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر على قاعدة لا ضرر ولا ضرار”.
قد يهمك ايضا:
عقارات لبنان تعاني تراجع التمويل المدعوم وارتفاع الفوائد
إطلاق منصة "فانغ" العقارية الإلكترونية الصينية في الإمارات
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر