مارتن غريفيث

وصف مراقبون سياسيون دعوة المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث الفرقاء اليمنيين إلى جولة جديدة من المشاورات في جنيف في السادس من سبتمبر القادم بأنها محاولة للهروب من الفشل الذي رافق جولاته في المنطقة.

واعتبر المراقبون أن حديث غريفيث عن جولة مشاورات أولية لبناء الثقة بمثابة اعتراف ضمني بعدم قدرته على إحراز أي تقدم ملموس خلال زياراته المتكررة لعدن وصنعاء والرياض وفشله في إقناع الحوثيين بتقديم أي تنازلات تتعلق بميناء الحديدة.

ولفت هؤلاء إلى أنّ حراك غريفيث أصبح بشكل واضح يدور في حلقة مفرغة لعجزه عن تجاوز ما هو “أولي وتمهيدي” والتقدّم صوب ما هو جوهري وأساسي.

وكشفت مصادر سياسية في وقت سابق لـ“العرب” عن اعتزام المبعوث الأممي تجاهل ملف مدينة الحديدة بعد رفض الحوثيين لخطته المتعلقة بتطبيع الأوضاع فيها واتجاهه خلال الفترة المقبلة لمحاولة وضع إطار شامل لحل الأزمة اليمنية والحصول على مساندة أوروبية لتحرّكاته.

ووفقا لمصادر “العرب” فقد تلقى غريفيث نصائح سياسية بالحرص على عدم إطالة مدة المشاورات، حيث من المفترض ألا تتجاوز الجولة المزمع عقدها في جنيف مطلع سبتمبر أسبوعا ينصبّ الجهد خلاله على إيجاد تفاهمات حول جدول الأعمال لجولة لاحقة والتوافق على عدد من الإجراءات المتعلقة ببناء الثقة مثل إطلاق الأسرى وإيصال المساعدات الإنسانية وخفض مستوى المواجهات العسكرية على الأرض.

وتؤكد إحاطة غريفيث التي قدمها لمجلس الأمن وتضمنت دعوته إلى استئناف الحوار والتفاهم حول إطار لبناء الثقة بين الحكومة اليمنية والحوثيين رغبته في أن يبدأ جهوده لإحلال السلام في اليمن من نقطة الصفر، مع الأخذ بعين الاعتبار إشارته الباهتة إلى القرار الدولي 2216 كمرجعية، وهو ما اعتُبر ردا منه على الانتقادات التي وجهت له بصفته مبعوثا أمميا يغرد خارج سرب المنظومة الدولية التي ينتمي إليها.

وفي تعليق على إحاطة غريفيث أمام مجلس الأمن الدولي، الخميس، قال القيادي في حزب المؤتمر الشعبي العام عادل الشجاع في تصريح لـ“العرب” إن المبعوث الأممي لم يقدم جديدا في هذه الإحاطة سوى إصراره على إنقاذ الحوثيين في الحديدة واختزل الصراع بين اليمنيين وبين الحوثي وكأنه على ميناء الحديدة وعوائده المالية متجاهلا الانقلاب الذي قامت به الميليشيات الحوثية واختطافها الدولةَ.

ولفت الشجاع إلى أن غريفيث لم يستفد من المفاوضات السابقة وأنه بدعوته الأطراف إلى جنيف لخلق الثقة بينها كما يقول، يتجاهل التراكم السياسي لنشاط الأمم المتحدة في اليمن منذ العام 2011.

وأضاف الشجاع “كنا ننتظر من غريفيث أن يقدم رؤيته للحل ويدعو الأطراف للتوقيع عليها لا أن يكرر كلاما إنشائيا عن الملايين من اليمنيين الذين يحتاجون إلى المساعدات الدولية وأهمية مشاركة المرأة في حوار جنيف واعتباره إدارة ميناء الحديدة من قبل الأمم المتحدة وموافقة الحوثيين على ذلك نصرا كبيرا له”.

ويرى العديد من الخبراء في الشأن اليمني أن جهود غريفيث باتت تنحصر في عقد جولة جديدة من المشاورات متجاهلا ثلاث جولات من المشاورات السابقة استغرقت آخرها في الكويت أكثر من مئة يوم دون أن تفضي إلى أي اتفاق. وتؤكد عدة قراءات متأنية لتحولات المشهد اليمني فشل أي محاولة لحلحلة الجمود السياسي دون أن يترافق ذلك مع تغير عميق على الأرض من قبيل انتزاع ميناء الحديدة من قبضة الميليشيات الحوثية وتطويق مصادر قوتّها على الساحل الغربي.

وعلى صعيد متصل بتداعيات الأحداث في مدينة الحديدة حصلت “العرب” على صور ومقاطع فيديو تؤكد ضلوع الميليشيات الحوثية في المجزرة التي راح ضحيتها العشرات من المدنيين نتيجة قصف على بوابة ميناء الحديدة وأحد أسواق بيع الأسماك جنوبي المدينة.

وتثبت الصور ومقاطع الفيديو إضافة إلى شهادات حصلت عليها “العرب” من داخل المدينة إطلاق الحوثيين قذائفَ هاون بشكل عشوائي بالتزامن مع انعقاد جلسة مجلس الأمن الدولي، الخميس، بهدف تأليب الرأي العام اليمني والدولي ضد التحالف العربي.

وسارعت قناة المسيرة التابعة للحوثيين إلى إيقاف بثها المباشر لحادثة الحديدة والذي كشف عن استخدام قذائف هاون من عيار 120 ملم وهي ذاتها التي تستخدمها ميليشيا الحوثي، كما لم تقم بإعادة بث المشاهد، بعد حديث وسائل إعلام قطرية وإخوانية عن سقوط العشرات من الضحايا نتيجة ما قالت إنّه “قصف” لطائرات التحالف.

ونفى التحالف العربي على لسان ناطقه الرسمي تركي المالكي علاقة طائرات التحالف بالمجزرة مؤكّدا وقوف ميليشيا الحوثي وراء الهجوم الذي وقع مساء الخميس. وقال المالكي إن الميليشيا هي من نفذت عملية قتل المدنيين في الحديدة، مضيفا أن التحالف لم يقم بأي عمليات داخل المدينة. كما أشار إلى أن التحالف يتبع نهجا صارما شفافا يستند إلى قواعد القانون الدولي.

وتكشف الحادثة عن تراجع هامش الخيارات بشكل حاد لدى الجماعة الحوثية في ما يتعلق بالمعركة في الحديدة واعتمادها بشكل متزايد على الدعاية لاستثمار المعاناة الإنسانية للمدنيين.