لندن -اليمن اليوم
من الصعب ألا يعترف أي شخص بحجم الإنجازات التي حققها المدير الفني الأرجنتيني دييغو سيميوني مع نادي أتلتيكو مدريد الإسباني. فعندما تولى سيميوني قيادة النادي خلفا لغريغوريو
مانزانو في ديسمبر (كانون الأول) 2011. كان يُنظر إلى النادي على أنه أحد الفرق التي تحتل مركزا لا بأس به في منتصف جدول ترتيب الدوري الإسباني الممتاز. صحيح أن أتلتيكو
مدريد كان قد فاز بلقب الدوري الأوروبي بقيادة المدير الفني الإسباني كيكي سانشيز فلوريس قبل 18 شهراً من قدوم سيميوني للنادي، لكن كان أكبر إنجاز حققه النادي على المستوى
المحلي خلال العشر سنوات السابقة لقدوم سيميوني هو احتلال المركز الرابع في موسمي 2008 و2009.
وفي الموسم السابق لتولي سيميوني مهمة تدريب أتلتيكو مدريد، أنهى الفريق الموسم في المركز السابع خلف كل من فالنسيا وإشبيلية وفياريـال وأتلتيك بلباو، ومتخلفا بفارق 38 نقطة كاملة
عن برشلونة حامل اللقب و15 نقطة فقط عن مراكز الهبوط من الدوري الإسباني الممتاز. لكن سيميوني نجح في موسم 2014، أي بعد ثلاثة مواسم فقط من توليه مهمة تدريب أتلتيكو
مدريد، في قيادة النادي لإنهاء السيطرة «ثنائية القطب» بين ريـال مدريد وبرشلونة وحصل على لقب الدوري الإسباني الممتاز. وعلاوة على ذلك، كان سيميوني قد قاد النادي للحصول على
لقب كأس ملك إسبانيا للمرة العاشرة في تاريخه، والحصول على لقب الدوري الأوروبي والسوبر الإسباني خلال أول موسمين له مع الفريق، كما وصل إلى المباراة النهائية لدوري أبطال
وروبا عام 2014. لكن حصوله على لقب الدوري الإسباني ربما يكون هو الإنجاز الأكبر في مسيرته في ظل المنافسة القوية مع عملاقي كرة القدم الإسبانية ريـال مدريد وبرشلونة.
ويتولى سيميوني، الذي لا يزال في الثامنة والأربعين من عمره، قيادة أتلتيكو مدريد منذ ثماني سنوات، وهو الأمر الذي قد يجعل من السهل علينا أن ننسى أنه تولى قيادة خمسة أندية أخرى
غير أتلتيكو مدريد. بدأ سيميوني مسيرته التدريبية في الأرجنتين، حيث قضى أربعة مواسم في التنقل بين أندية راسينغ كلوب وأستوديانتس وريفر بليت وسان لورينزو. وكان نجاحه متفاوتاً
في تلك الأندية، حيث حصل على لقب الدوري الأرجنتيني مع كل من أستوديانتس وريفر بليت، لكنه حقق نتائج مخيبة للآمال إلى حد كبير مع سان لورينزو، الذي قاده لاحتلال المركز
لسابع في جدول الترتيب رغم فوزه بلقب الدوري في العام السابق.
وعندما انتقل سيميوني للعمل في أوروبا في يناير (كانون الثاني) 2011، لم يكن من المفاجئ أن تكون إيطاليا هي الوجهة التي يختارها للانطلاق في عالم التدريب في القارة العجوز، نظرا
أنها كانت أول دولة أوروبية يلعب بها أيضا عندما انضم إلى بيزا الإيطالي قادما من نادي فاليز سارسفيلد الأرجنتيني في عام 1990. ورغم أن سيميوني قد تولى تدريب نادي كاتانيا
لإيطالي لمدة خمسة أشهر فقط، يمكن القول بأن هذه الفترة القصيرة التي قضاها في شرق صقلية هي التي ساعدته على أن يصل إلى ما وصل إليه اليوم في عالم التدريب. وقال سيميوني عن
تلك التجربة في وقت لاحق: «لقد كان العمل في كاتانيا منعطفا تعليميا حقيقيا. لقد نشأت وسط الصعوبات التي تتطلب منك العمل بكل شجاعة وإبداع. إن معظم ما أقدمه مع أتلتيكو مدريد قد
تعلمته في إيطاليا».
وكان نادي كاتانيا يقترب من منطقة الهبوط من الدوري الإيطالي الممتاز عندما تولى سيميوني قيادة الفريق. وأقال النادي المدير الفني السابق للفريق جيامباولو، وهو القرار الذي رأى
كثيرون من أنصار النادي أنه قاس، لكن سيميوني كان بديلا منطقيا تماما، خاصة أن قائمة الفريق آنذاك كانت تضم 12 لاعباً أرجنتينياً، بما في ذلك ماريانو أندوخار وأليخاندرو غوميز
وبابلو ألفاريز، وجميعهم عملوا مع سيموني في أميركا الجنوبية.
وخلال المؤتمر الصحافي لتوليه قيادة الفريق، أشار سيميوني إلى الثماني سنوات التي لعبها مع نادي بيزا، وقال: «يبدو الأمر كما لو أنني لم أغادر أبداً، فقد بقيت على اتصال دائم مع هذا
لبلد ومع الدوري الإيطالي الممتاز، وآمل أن أفتتح صفحة طويلة مع كاتانيا». لم يقض سيميوني فترة طويلة مع كاتانيا، لكنها كانت فترة ناجحة للغاية، حيث استغل المدير الفني الأرجنتيني
معرفته الجيدة بكرة القدم الإيطالية وثبت أقدامه سريعا مع كاتانيا وعمل في كل حصة تدريبية على غرس فلسفته وأفكاره داخل نفوس اللاعبين من أجل القتال للهروب من منطقة الهبوط.
ويعرف الجميع الآن الطرق التكتيكية والخططية التي يعتمد عليها سيميوني مع أتلتيكو مدريد، حيث يطلب المدير الفني الأرجنتيني من لاعبيه أن يضغطوا بكل قوة على من يملك الكرة وأن
يكونوا أقوياء للغاية في النواحي الدفاعية وشن الهجمات المرتدة السريعة. ومن الواضح أيضا أن سيميوني مدير فني عملي لا يهتم كثيرا بالجماليات والفنيات، لكنه يضع في حسبانه تماما
نقاط قوة لاعبيه ويعمل على استغلالها على النحو الأمثل ويعرف أيضا نقاط الضعف ويعمل على إيجاد حلول سريعة لها.
ومع أتلتيكو مدريد، عادة ما يعتمد سيميوني على طريقة 4 - 4 - 2. لكنه مع كاتانيا كان يتأرجح بين طريقتي 4 - 2 - 3 - 1 و4 - 3 - 1 - 2، بعد أن تخلى تماما عن طريقة 4 - 1 - 4 -
1 التي كان يعتمد عليها جيامباولو، من أجل الاعتماد على صانع الألعاب أدريان ريكيوتي، الذي لم يكن جيامباولو يشركه في المباريات. ودفع سيميوني بريكيوتي من أجل أن يكون حلقة
الوصل بين خطي الوسط والهجوم ولكي يخلق الفرص لكل من ماكسي لوبيز وغونزالو بيرغيسيو وفرنسيسكو لودي في الخط الأمامي.
ويتميز سيميوني بالمرونة التكتيكية، وقد صرح في بداية عهده في كاتانيا بأنه لا يريد أن «يحرق نفسه بخطة تكتيكية جامدة ولا تتغير»، مشيرا إلى أن المديرين الفنيين لا يمكن أن يكون
لديهم تشكيل مفضل «نظرا للحقيقة البسيطة المتمثلة في أنه يتعين علينا أن نتكيف ليس مع ما نحبه ولكن مع ما يتعين علينا العمل معه». ورغم كل ذلك، كان من الواضح أن الخطط التكتيكية
التي يعتمد عليها سيميوني مع أتلتيكو مدريد في إسبانيا هي نفسها التي كان يطبقها مع كاتانيا في إيطاليا.
وفي كاتانيا، كان سيميوني يطلب من لاعبيه أن يلعبوا كوحدة واحدة في الناحية الدفاعية وأن يضيقوا المساحات فيما بينهم، على أن يعود ظهيرا الجنب - اثنان من إزيكويل شيلوتو وجيوسيبي
ماسكارا ورافائيل مارتينهو وأليخاندرو غوميز - إلى الخلف عندما لا يكون الفريق مستحوذا على الكرة. وفي الوقت نفسه، يعود صانع الألعاب ريكيوتي والمهاجم الصريح - والذي كان
لوبيز في أغلب الأحيان - إلى وسط الملعب بدلاً من الضغط على ظهيري الجنب، بهدف منع الفريق المنافس من التمرير في عمق الملعب. ويمكن لأي شخص أن يرى نفس الشيء يحدث
الآن مع أتلتيكو مدريد تحت قيادة سيميوني.
ولم يكن كاتانيا يشعر بأي مشكلة وهو يترك الفريق المنافس يستحوذ على الكرة في الوقت الذي يعمل فيه هو على غلق كافة المساحات المؤدية لمرماه، وهي الفكرة التي تعتمد على ترك
الكرة للخصم ثم الضغط عليه واستخلاصها وشن هجمة مرتدة سريعة. قد يكون لاعبو كاتانيا أقل في المستوى من لاعبي أتلتيكو مدريد، لكن عندما تعود لمشاهدة ما كان يقدمه الفريق
لإيطالي في عام 2011 ستشعر بأنه يلعب بنفس الطريقة التي لعب بها أتلتيكو مدريد في 2014، من حيث الالتزام الخططي والضغط على حامل الكرة وتقليل المساحات بين خطوط الفريق
لمختلفة واللعب كوحدة واحدة في النواحي الدفاعية.
ورغم هذه التغييرات الكبيرة التي أدخلها سيميوني على طريقة لعب كاتانيا، لم يحصل الفريق الإيطالي إلا على نقطة واحدة فقط خلال أول أربع مباريات له تحت قيادة سيميوني، وخسر
لفريق أمام منافسيه المباشرين في منطقة الهبوط بارما وبولونيا، وهو ما كان يعني أن مهمة سيميوني لن تكون سهلة على الإطلاق. وكان كاتانيا على بُعد نقطة واحدة فقط من المركز الثامن
عشر المؤدي للهبوط من الدوري الإيطالي الممتاز، قبل أن يلعب الفريق مباراة على ملعبه أمام ليتشي في منتصف فبراير (شباط)، لكن سيميوني تمكن من تحقيق الفوز في هذه المباراة
بهدفين في الدقائق العشر الأخيرة من توقيع لاعب الفريق فرنشيسكو لودي.
وفاز كاتانيا بمبارياته الثلاث التالية على ملعب «أنجيلو ماسيمينو»، بما في ذلك الفوز على الغريم التقليدي باليرمو برباعية نظيفة. لكن أداء الفريق خارج ملعبه كان كارثيا، حيث لم يحقق
الفريق سوى فوز وحيد خارج ملعبه طوال الموسم. ومع ذلك، بدأ مستوى الفريق يتحسن بشكل ملحوظ تحت قيادة سيميوني، ومع تبقي خمس جولات من المسابقة كان كاتانيا يبتعد عن منطقة
الهبوط بأربع نقاط وثلاثة مراكز.
وفي ذلك الوقت، نجح سيميوني في رفع الروح المعنوية لهذه المجموعة من اللاعبين، الذين كانوا يعانون بشدة تحت قيادة جيامباولو. وبدأ سيميوني يعتمد على طريقة ترك الاستحواذ للفريق
المنافس - بنفس الشكل الذي اتبعه مع أتلتيكو مدريد، الذي وصلت نسبة استحواذه على الكرة إلى 49.1 في المائة في موسم 2013 - 2014 الذي فاز فيه الفريق بلقب الدوري الإسباني الممتاز.
وعلاوة على ذلك، غرس المدير الفني الأرجنتيني في نفوس لاعبيه عقلية «نحن ضدهم»، وبدأ يوجه الانتقادات إلى وسائل الإعلام والقرارات التحكيمية المثيرة للجدل ويؤكد أن هناك رغبة
في ألا ينجح أبناء صقلية. ونجح سيميوني في بث روح العزيمة والإصرار داخل نفوس لاعبيه، وهو الأمر الذي ظهر جليا عندما نجح الفريق في تحويل تأخره إلى فوز أمام كل من ليتشي
وجنوا، والتعادل أمام باري ويوفنتوس. لقد بدأت شخصية سيميوني تنعكس على أداء الفريق داخل المستطيل الأخضر، فأصبح الفريق يتسم بالذكاء والشراسة.
وفي نهاية المطاف، ضمن كاتانيا البقاء في الدوري الإيطالي الممتاز قبل جولة واحدة على نهاية الموسم، بعدما حقق ثلاثة انتصارات متتالية على كل من كالياري وبريشيا وروما. وحصد
لفريق في ذلك الموسم 46 نقطة، وهو أعلى عدد من النقاط يحصل عليه الفريق في الدوري الإيطالي الممتاز في تاريخه. وعلى الرغم من أن عقد سيميوني مع الفريق كان يستمر لعام آخر،
إلا أنه قرر الرحيل في يونيو (حزيران) إلى نادي راسينغ كلوب الأرجنتيني لفترة وجيزة، قبل أن يتولى قيادة أتلتيكو مدريد في ديسمبر (كانون الأول).
ولا يمكن أن ننسب النجاح الكبير الذي حققه سيميوني مع أتلتيكو مدريد إلى تجربته في كاتانيا فقط، نظرا لأن هناك بعض التغييرات الخططية الملحوظة بين التجربتين - من بينها بالطبع
اعتماد كاتانيا على صانع ألعاب بشكل تقليدي - لكن الشيء المؤكد هو أن سيميوني قد اعتمد خلال التجربتين على الشجاعة والالتزام والقوة والانضباط. ويجب التأكيد على أن الخبرات التي
حصل عليها سيميوني من الدوري الإيطالي الممتاز قد ساعدته كثيرا في مسيرته التدريبية في أوروبا وفي ثقته بأن طريقته في العمل ستحقق النجاح الذي يصبو إليه. وبعد ستة أشهر فقط من
رحيله عن كاتانيا، تولى سيميوني قيادة أتلتيكو مدريد. ورغم أن قرار تعيينه كان يعود في الأساس إلى علاقاته القوية بمسؤولي النادي وبالإنجازات التي حققها في أميركا الجنوبية، فإن
التجربة الناجحة التي خاضها في إيطاليا قد أسهمت في إقناع مسؤولي النادي بأن سيميوني هو الخيار المناسب.
وعندما يقرر سيميوني الرحيل عن أتلتيكو مدريد بعدما يرى أنه قدم كل ما لديه للفريق، فسيكون مطلوبا بكل تأكيد في الكثير من الأندية العالمية. ومن المرجح أن تكون وجهته التالية في
الدوري الألماني الممتاز أو الدوري الإنجليزي الممتاز، لكن لا يزال المدير الفني الأرجنتيني مطلوبا بشكل أكبر في الأندية التي لعب لها سابقا مثل إنتر ميلان ولاتسيو، حتى يخوض معها
نفس التجربة التي خاضها مع أتلتيكو مدريد الذي عمل به كمدير فني بعد أن دافع عن ألوانه كلاعب في 150 مباراة. ودائما ما يتحدث سيميوني بشكل إيجابي عن الفترة التي قضاها كلاعب
وكمدرب في إيطاليا، لكن من المؤكد أن تجربته هناك لم تنته بعد وربما نراه هناك يقود أحد الأندية الإيطالية خلال السنوات القادمة
قد يهمك ايضا:
دييغو سيميوني يُؤكّد سعي أتلتيكو مدريد إلى صدارة الدوري الإسباني