صنعاء _خالد عبدالواحد
يفّر الصحافيون اليمنيون من المناطق القابعة تحت سلطة الحوثيين في العاصمة اليمنية صنعاء شمالي البلاد، إلى العاصمة المؤقتة عدن جنوب اليمن الخاضعة لسلطة الحكومة الشرعية، وهو هروب من بطش وانتهاكات المليشيات بحقهم عقب قتل وسجن العشرات منهم.
ولم يسلم الصحافيين اليمنيين في مدينة عدن جنوب اليمن بعد الأحداث التي شهدتها العاصمة المؤقتة بين القوات الحكومية ومسلحي المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات العربية المتحدة، فنالوا نصيبهم من الانتهاكات واقتحام المقرات بعد أن أصبحوا في فريقين احدهم يؤيد الحكومة الشرعية، والآخر المجلس الانتقالي، وقد اقتحمت قوات تتبع المجلس الانتقالي الجنوبي المركز الإعلامي للتجمع اليمني للإصلاح بالعاصمة المؤقتة عدن جنوبي اليمن، كما اعتقلت واعتدت بالضرب على الصحافيين ماجد الشعيبي وحسام ردمان وهاني الجنيد من قبل قوات الحزام الأمني في مديرية كريتر.
واعتقلت السلطات الأمنية في محافظة حضرموت شرقي اليمن، الصحافي اليمني عوض كشميم في مدينة المكلا وتعرض للتعذيب على خلفية آراء له نشرها على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، فانتقد العمليات العسكرية ضد تنظيم القاعدة في وادي حضرموت، وقالت قيادات إعلامية يمنية لاحقا إنه محتجزا في سجن المخابرات في المكلا، وإنه تعرّض للتعذيب في معتقله، فيما دانت نقابة الصحافيين اليمنيين وفرع النقابة في حضرموت احتجازه وطالبت بسرعة إطلاقه، خاصة وأنه يعتبر من الصحافيين المعروفين في حضرموت، وشغل منصب رئيس نقابة الصحافيين في حضرموت سابقا، وعضوا في نقابة الصحافيين اليمنيين.
وأطلق مسلحون النار على مقر صحيفة "اليوم الثامن" ومركز عدن للأبحاث في مديرية خورمكسر، واستدعت قوات أمنية، الصحافي فتحي بن لزرق (رئيس تحرير صحيفة عدن الغد) وهي جهة غير مخوّلة للتحقيق في قضايا نشر على خلفية آراء نشرها في صفحته على فيسبوك، كما استهداف مسلحين شبكة البث لإذاعة بندر عدن بـقذيفة (آر بي جي) في مدينة انماء السكنية بمديرية المنصورة، بالإضافة إلى اقتحام و إحراق مكتب ومطبعة مؤسسة "الشموع للصحافة" والتي تصدر عنها صحيفة "أخبار اليوم" من قبل مسلحين في المدينة الخضراء بدار سعد.
ولاقت الانتهاكات الأخيرة التي لاقتها الصحافة اليمنية في مدينتي عدن وحضرموت، صدى واسع لدى الصحافيين والناشطين اليمنيين، ومنظمات حقوق الصحافيين، وطالبت لجنة حماية الصحافيين التي تتخذ من نيويورك مقرا لها السلطات اليمنية الإفراج فورا عن الصحافي عوض كشميم ووقف اعتقال الصحافيين بشكل تعسفي في اليمن، وقال شريف منصور منسق برنامج حماية الصحافيين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "يجب أن تفرج السلطات في حضرموت عن اعتقال عوض كشميم التعسفي من قبل السلطات اليمنية التي تعمل بدعم من التحالف"، كما اعتبر أن حالة الصحافي هي تجسيد للوضع الذي يعيشه الصحافيين في اليمن الذين يعملون بدون مساحة آمنة لتأدية وظائفهم دون انقطاع.
وأدانت منظمة "مراسلون بلا حدود" استمرار اعتقال واختفاء الصحافي عوض كشميم في محافظة حضرموت من قبل الأجهزة الأمنية في المحافظة، وأعربت المنظمة عن بالغ قلقها إزاء اختفاء عوض كشميم، داعيةً إلى الإفراج الفوري عنه، وذكرت السلطات في حضرموت بمسؤوليتها المباشرة عن مصيره"، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن "الحبس الانفرادي دون أية تهمة إجراء مخالف تمامًا للتشريعات الوطنية والقانون الدولي"، ويقبع اليمن في المرتبة 166 (من أصل 180 دولة) على التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي نشرته مراسلون بلا حدود في 2017.
وحذّرت منظمة "رايتس رادار" من مغبّة قمع حرية الرأي والتعبير وتجريف العمل الصحافي في المحافظات الجنوبية اليمنية، التي تقع تحت سيطرة الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، وتابعت بقلق بالغ التدهور الذي حصل مؤخرا لحريات الرأي والتعبير والاعتداءات التي طالت العديد من الصحافيين ووسائل الإعلام في محافظتي عدن وحضرموت، جنوبي وشرقي اليمن، وتلقّت المنظمة بلاغات ميدانية تفيد بأن الصحافي عوض كشميم، تعرض للتعذيب من قبل المحققين في معتقل للمخابرات الحكومية بمحافظة حضرموت وأنهم يتعاملون معه بقسوة مفرطة ولا زال مصيره مجهولا.
وأكدت رايتس رادار أن هذه الاعتداءات المتلاحقة تعد انتهاكا خطيرا لحرية الرأي والتعبير وتجريفًا كبيرا للعمل الصحافي اليمني الذي يتعرض لأسوأ حملة قمعية في البلاد، منذ بداية الحرب مع جماعة الحوثي الانقلابية في الشمال مطلع 2015، ومنذ تأسيس مجلس للانفصاليين في الجنوب في أيار/ مايو 2017، وطالبت الحكومة اليمنية بسرعة التدخل للإفراج الفوري عن الصحافي المعتقل في حضرموت عوض كشميم، واتخاذ تدابير عاجلة لضمان حرية الرأي والتعبير وسلامة الصحافيين والعاملين في وسائل الإعلام في المحافظات التي تقع تحت سيطرتها وفي مقدمتها المحافظات الجنوبية التي ازدادت فيها حالات الانتهاكات لحرية الرأي والتعبير.
وقالت نقابة الصحافيين اليمنيين إنها تلقت بلاغا من مؤسسة الشموع للصحافة والإعلام وصحيفة أخبار اليوم تفيد فيه تعرض مقر المؤسسة في المنطقة الخضراء في عدن للاقتحام من قبل مسلحين ملثمين يرتدون بزات عسكرية فجر الأربعاء، وقامت بإحراق مطابع الصحيفة وتدميرها بشكل كلي وتهديد العاملين فيها وإشهار الأسلحة في وجوههم ونهب هواتفهم النقالة، ما كبّد المؤسسة والصحيفة خسائر مادية كبيرة وانه قبل ذلك تعرض برج اذاعة بندر عدن في منطقة الشعب للتدمير من قبل مجهولين، إلى ذلك دانت نقابة الصحافيين اليمنيين بشدة هذه الهجمات الخطرة والإجرامية ضد وسائل الإعلام في عدن تطالب السلطات الأمنية في المدينة إلى سرعة التحقيق في هذه الجرائم التي تستهدف حرية الرأي والتعبير، وإلقاء القبض على الجناة وإحالتهم إلى النيابة لينالوا عقابهم الرادع. وحملت نقابة الصحافيين اليمنيين السلطات الأمنية والمحلية بمدينة عدن مسئولية توفير الحماية لوسائل الإعلام والصحافيين وتوفير بيئة أمنة لوسائل الإعلام المختلفة.
وشدّد غمدان الشريف، السكرتير الصحافي لرئيس الوزراء اليمني، على رفض الحكومة الشرعية تجاوز القوانين والانظمة النافذة في استدعاء الصحافيين واعتقالهم لمجرد تعبيرهم عن آراءهم وأداء الرسالة الإعلامية الهادفة التي تخدم الوطن والمواطن، موضحا بأن دستور الجمهورية اليمنية كفل حرية الرأي والتعبير وحفظ للجميع هذا كحق من حقوقهم وحرياتهم في التعبير والنشر، مضيفا أنه كواجب وطني كفله الدستور للجميع ولا منة لأحد به، يجب على الجميع احترام الأنظمة والقوانين وإن كان هناك تجاوز من بعض الأقلام، فهناك نيابة الصحافة والمطبوعات والجهات ذات الاختصاص المعنية بأمر الاستدعاء دون غيرها.
وذكر بأن جماعة الحوثيين قامت باعتقال الآلاف من الصحافيين وعذبتهم وأغلقت وسائل الإعلام المختلفة ومصادرة معداتها وأجهزتها وهذا هو سلوك المليشيا والكل يدينها في المحافظات الواقعة تحت سلطة المجرمين الذين دمروا الوطن، وتابع : لم تتخذ الحكومة أي إجراء يحد من حرية أي صحافي أو مواطن باعتبار ذلك حق من حقوقهم وقد صدرت توجيهات صريحة من قبل رئيس الحكومة اليمنية تضمنت إطلاق سراح أي صحافي وشدّد على منع اعتقال أي صاحب رأي وخاصة في المحافظات المحررة التي تقع تحت سلطة الشرعية .
(استياء واسع)
وإزاء قيام مسلحين من قوات الحزام الأمني بإحراق مقر مؤسسة الشموع للطباعة والنشر، اشتعلت منصات التواصل بردود الأفعال الغاضبة، حيث قال وكيل وزارة الإعلام اليمني عبد الباسط القاعدي بصفحته على فيسبوك قائلا: تضامننا الكامل مع مؤسسة الشموع للصحافة والنشر ورئيسها الزميل سيف الحاضري ضد الاعتداء الهمجي باقتحام مقرها الكائن بالمدينة الخضراء بدار سعد في عدن فجر اليوم وإضرام النار فيه، وأضاف "زوار الفجر يعودون مجددا، ويعيدون للأذهان الطرق البدائية القديمة في معاقبة الخصوم السياسيين وذلك تعبيرا عن العجز والضعف وقلة الحيلة، فلا فرق بين ما يتعرض له الصحافيون من انتهاكات في عدن وصنعاء، فالإعلام مصدر إزعاج لقطاع الطرق والعصابات ولذا يتشابهون في طريقة إلحاق الأذى بالصحافي“.
أما الصحافي والناشط اليمني علي الفقيه فقد كتب: الأسبوع الماضي اعتقلت السلطات في حضرموت الصحافي عوض كشميم رئيس تحرير صحيفة 30 نوفمبر، ولا يزال مخفي قسريًا، وقبل يومين تلقى الصحافي فتحي بن لزرق استدعاء من البحث الجنائي في عدن وقال إنه قد اكتشف قبلها خطة بتصفيته، وأطلق مسلحون في عدن قذائف آر بي جي على برج هوائي تابع لإذاعة بندر عدن، ويقتحم مسلحون مقر صحيفة أخبار اليوم في مدينة عدن وأحرقوها، وأكد أن عدن التي كانت أول مدينة في الجزيرة العربية تشهد تأسيس صحف وإذاعات، مضيفا:اليوم يراد لها أن تكون قرية مغلقة أمام الإعلام“.
وزير الشباب والرياضة نايف البكري من جانبه قال “وجود مساحة واسعة تكفل حرية الإعلام بمختلف اتجاهاته وتعطي فرصة للمواطنين للتعبير عن آرائهم والإدلاء بمطالبهم عبر تلك المنابر الإعلامية هو جوهر العمل الإعلامي الحقيقي وأضاف" نجدد وقوفنا مع كل الصحافيين الذين يصدحون بالحقيقة“، كما لفت مستشار وزير الإعلام اليمني مختار الرحبي "تشترك المليشيات المنفلتة والخارجة عن الدولة في كل مكان في عدواتها للإعلان ورجال الإعلام، وأضاف "الحوثي حارب وارتكب انتهاكات ضد الإعلام لصبح هو الصوت الوحيد في الشمال والمجلس الانتقالي يقوم بتهديد الصحافيين ويخاف من حري الرأي ليصبح هو الصوت الوحيد في مدينة عدن“.
وأكد الصحافي والمحلل السياسي اليمني، فهد سلطان، أن العقل يحتار لما يجري في البلاد، وأضاف متسائلا ما الذي يفكر به رئيس بلد هكذا حال بلده؟ وقال اليوم تحرق مؤسسة صحافية كبيرة وتنظم هذه الجريمة لجرائم أخرى قُيدت ضد مجهول والفاعل طليق مكشوف في الحقيقة، موضحا أنه "لا يمكن مطالبة الآخرين بوضع حد لما يجري إذا كان الشخص الأول في البلد ملتزم الصمت" في إشارة للرئيس عبدربه منصور هادي .
وكتب الصحافي والناشط عبد الباسط الشاجع "يبدو أن موجة الاستهداف الثانية في محافظة عدن ستتجه نحو الصحافة والإعلام، بعد إفراغ المدينة من خطبائها ودعاتها، تصفية وتشريدا"، وأضاف "مرحلة خطيرة، يقودها مغامرون إلى الهاوية، من خلال القمع والبطش وإسكات الأصوات الحرة، المناهضة لمشروع تفتيت اليمن والعبث بمقدراته“
وشهدت محافظة عدن الكثير من حالات قمع حرية الرأي والتعبير، تعرّض لها العديد من المعارضين لتزايد حدة التوتر بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي في الجنوب، ومن ضمنهم خطباء المساجد، حيث بلغ عدد من تعرض منهم للاغتيال أكثر من 20 خطيبا، منذ تموز/يوليو 2015 في ظل ضعف سلطات الحكومة الشرعية، في المدينة.