الإعلامي جمال عامر

كشف الإعلامي جمال عامر، رئيس تحرير صحيفة "الوسط"، عن تفاصيل لقاء جمعه بقائد الثورة، عبدالملك بدرالدين الحوثي، وأنهما تحدّثا عن جانب هام من اللقاء الشهير الذي جمع السيد الحوثي مع علي عبدالله صالح عبر شاشة تلفزيونية.

نصّ المنشور:

غادر الرئيس السابق علي عبدالله صالح، الحياة ولا يزال حاضرًا لدى خصومه ومحبيه، وبين هذين متحوّلين انقلبوا من مبغضين إلى مشايعين له بعد خطاب واحد من فك ارتباطه مع شركائه في حركة «أنصار الله» وإعلانه «ثورة» لم تصمد أكثر من ثلاثة أيام، انتهت بمقتله عقب مواجهات دامية.

كان آخر عهد كاتب هذه السطور بصالح في الثالث من أكتوبر، أي قبل مقتله بنحو شهرين، في مقر اللجنة الدائمة لحزب «المؤتمر» الذي يرأسه، وكان اللقاء عقب عودتي من القاهرة بعد غياب طال أكثر مما قدرت، إلا أنه أضاف إليّ أكثر مما توقعت في ما له علاقة بأشخاص لهم تأثيرهم القبلي والسياسي، ظهروا على غير الصور الذي تم وضعهم في إطارها، وإن من الناحية الإنسانية وعلاقتهم الوثيقة بوطنهم، وهو أمر يمكن العودة للحديث عنه في مناسبات أخرى.

صالح لم يتغير، على الرغم من فترة غياب تجاوزت العام بقليل على لقاء سابق تم في ظل تحوطات أمنية فرضتها مخاوف تهديد «التحالف» المعلن باستهدافه باعتباره «هدفًا مشروعًا» لطائراته الحربية، وبدا للوهلة الأولى وكأن الزمن توقف عنده، دون أن يضيف تأثير سنين جديدة إلى عمره الذي تجاوز السبعين، بأربع أخرى. قبضة يده لا زالت تحمل القوة ذاتها، بالإضافة إلى حيوية ومرح لا يوحي بثقل معاناة أو مخاطر محسوسة ومشاهدة داخلية وخارجية.

كان معه أوفى أصدقائه عارف الزوكا، الذي اختار الرحيل معه، وقائد حمايته طارق صالح، وآخرون من حزبه، وعدد آخر من الزوار، وأخذ بيدي إلى مكتبه، وأغلق الباب علينا، ودخلنا في أحاديث متشعبة، إلا أن واقع الحال جمع بينها ابتداء من شراكة «المؤتمر» مع «أنصار الله»، مرورًا بـ«العدوان»، وصولًا إلى «التحالف» الساعي لخلق صراع يقود إلى اقتتال داخلي.

أخبرته أن كل من التقيت بهم من سفراء أو حتى خبراء في عدد من المنظمات الدولية كانوا يبادرون، رغم اختلاف التوقيت وتغيّر المكان، عن الاستفسار حول متى يمكن أن يحصل اقتتال بين الشريكين، ومن له القدرة على حسم المعركة أولًا، وأسئلة كهذه وجّهت إليّ كما وجّهت إلى غيري، إلا أن السائلين جميعًا لم يشغلوا بالهم بالكلفة البشرية التي من الممكن أن تنتج عن حرب في عاصمة يسكنها أكثر من أربعة مليون مواطن، وهو ما أخبرت الرئيس به، وزدت أن كل ما يهم الرياض وأبوظبي هو كسر المركز باقتتال يفقد العاصمة تمثيلها السياسي الواحد من خلال سلطة وحكومة حتى مع عدم الاعتراف بهما من قبل المجتمع الدولي، وكعادته، اكتفى بوضع يده على يدي مربتًا عليها، ومع ابتسامة ودودة، أكد: «لا تخشى على صنعاء، لن نتقاتل مع أنصار الله»، قالها مع ما سبق من شكوى حول قضايا لها علاقة بالشراكة وإدارة الحكومة، رمى أسبابها على من أصبحوا سلطة في صنعاء، مستثنيًا عبدالملك الحوثي.

غادرت مبنى اللجنة الدائمة موقنًا من أن الشريكين ربما لا يجمعهما غير العدو المتربص بهم جميعًا، واعتقدت حينها أن هذا الشعور يكفي لوحده لمنعهم من الاقتتال، باعتبار حدوثه بمثابة تقديم خدمة مجانية تنتهي باستئصالهم جميعًا.

عقب هذا اللقاء بأيام قليلة كانت شكاوى رئيس «المؤتمر» ضمن سياق حديث طويل في لقاء جمعني مع قائد «أنصار الله» عبد الملك الحوثي، وهو بالإضافة إلى تواضعه الجم، مستمع رائع يكتفي بتدوين ملاحظات بدلًا من مقاطعة محدثه برد مستعجل.

شكاوى صالح ردّ عليها الحوثي بمخاوف فنّدها مستدلًا بما يقوم به شريكه من تقسيم صنعاء إلى مربعات أمنية وإعداد كشوفات بأسماء قيادات لرجاله تحضيرًا للقيام بعمليات اغتيالات واسعة، ومع قدر من الشك، أخبرته أن هذه التقارير قد يكون مبالغًا فيها أو أنها وشايات مقصودة من طرف ثالث بغرض تصعيد الخلاف إلى حد الاقتتال، وهو هدف معلن لـ«التحالف». تجاوزت الملاحظة إلى سؤال عن مدى تأكده مما صار بين يديه من تقارير قد تنذر بأكثر مما هو متوقع من فض للشراكة،

وبنبرة هادئة لا توحي بما سيقال أكد عبدالملك، أن هذه المعلومات طرحها كاملة في لقاء له مع «الزعيم» عبر دائرة تلفزيونية منتصف سبتمبر، وأضاف بنفس الهدوء، مع نصف ابتسامة، أن صالح أنكرها قبل أن يواجهه بكشوفات تحوي أسماء القادة المكلفين في كل مربع أمني داخل العاصمة، وهو ما تم الكشف عنه عقب انتهاء مواجهات ديسمبر، كأدلة إثبات على سوء نوايا من كان شريكًا.

سألت عن رد صالح، فأجابني: «إنه وبعد أن فوجئ بما عرض عليه، برّر بلهجة حادة أن كل هذه ترتيبات لحماية أنفسنا، ولن ننتظر حتى تأتوا لتقتلونا في بيوتنا"، وزاد مستغربًا: «لماذا سنقتله وقد أصبحنا شركاء، مع أنه كان بإمكاننا قبل أن نعطيه وجه الأمان؟».

قد يكون ما سبق مؤشرات تحمل دلالات عن أطراف نجحت في تفجير الصراع لأسباب يمكن مناقشتها في التناولة المقبلة.