دبي - اليمن اليوم
بين القاضي والمتهم أدلة وبراهين، وعندما ينطق كاتب المحكمة جملته المشهورة «محكمة» يسود الهدوء التام توقيراً، إلا من صوت واحد يعلو ببراهينه وحججه وهو المحامي صاحب الـ«العباءة السوداء»، ليثبت البراءة بالقرائن.
الداخل إلى أروقة المحاكم في الإمارات يشهد حراكاً هدفه القانون.. تجد محامين ورجال شرطة ومراجعين، ولكن ما يميز المشهد هن المحاميات الإماراتيات، حيث إن هذه العباءة لم تعد «حكراً» على الرجال، فهناك مزاحمات كثر لهم أثبتن قدرتهن على الخوض في مهنة اقتصرت لوقت طويل على الذكور.. إنهن الإماراتيات، فهن أحد جناحي العدالة التي لا غنى عنها في تحقيق دولة العدل والقانون.
هنا في الإمارات أصبحت مهنة المحاماة لا تقتصر على الرجال، فالنساء لهن نصيب.. إرثهن دراسة متعمقة ودعم من القيادة، فيقفن تحت قوس المحكمة يدافعن ويحاججن ويطلبن التأجيل إلى أن يأخذ القاضي بدفوعهن ويحصلن على براءة الموكل.. 191 محامية يشكلن 24 % من إجمالي عدد المحامين المواطنين البالغ 764 محامياً، يعملن في محاكم الدولة، جميعهن على قدر المسؤولية، ولا تقتصر دفوعهن أو مرافعاتهن على قضايا الأسرة وإنما شملت القضايا كافة.
ويعود انضمام العنصر النسائي إلى قافلة الحقوقيين والمحامين العاملين في هذا المجال إلى بدايات قيام دولة الإمارات، بفضل الرؤية الثاقبة للمؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وحرص سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة (أم الإمارات)، على دعم وتشجيع المرأة وإعطائها حقوقها كاملة، لتعمل بجانب الرجل، وتشد من أزره، وتكمله.
دعم القيادة
تقول المحامية هديه حماد: القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه، باني نهضة الإمارات كان حريصاً على دعم المرأة وتمكينها وإزالة جميع المعوقات التي تقف حائلاً أمام تقدمها، مثمنة في الوقت نفسه فكر ونهج صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وحرصه على دعم المرأة من خلال إطلاق برامج طموحة وفتح آفاق واسعة أمامها، لتكون شريكاً أساسياً مع أخيها الرجل في مختلف مجالات العمل الوطني.
وأوضحت أن وجود عدد من النساء في وظيفة «محامية» يجنب المرأة الحرج أمام الرجال، حيث إن المرأة أكثر قدرة من الرجل على فهم النساء وقضاياهن، مضيفة أن المرأة قد تتحرج من ذكر خصوصياتها للرجل حتى لو كان أباً أو أخاً أو ابناً فكيف بالمحامي الأجنبي عنها.
ولفتت المحامية هديه حماد إلى أن الدعم الذي تحظى به المرأة الإماراتية، وما حققته من إنجازات مكنها من نيل احترام وتقدير فئات المجتمع كافة، فالموكل الآن لا ينظر إلى جنس المحامي ذكراً كان أو أنثى، بل ينظر إلى قدرة المحامي على العطاء والتغلب على المعوقات وصولاً لحقه المشروع، فالعبرة هي بالعمل لا بالنوع.
نصائح
وقدمت هدية حماد مجموعة من النصائح للفتيات الإماراتيات اللواتي ينوين الانضمام إلى السلك القانوني، منها: ضرورة معرفة طبيعة المهنة من كونها رسالة وليست مجرد وظيفة، والحرص على التعلم والقراءة باستمرار، وعدم الحرج من السؤال، بالإضافة إلى أن يكون لها دور اجتماعي نحو خدمة المجتمع، من تبني حالات إنسانية قد تكون غير قادرة على أداء الأتعاب، أو المساهمة في تقليل نسبة الدعاوى بالمحاكم من خلال التسوية والتصالح بين الأطراف المتخاصمة.
حلم يكبر
وتشير المحامية عبير الدهماني إلى أن العمل في المحاماة حلم راودها منذ الطفولة، وتقول: إن مهنة المحاماة من الأعمال الشاقة والشيقة في الوقت ذاته، لذا تأخذ الكثير من الوقت إن لم تأخذه كله، لكن في المقابل فهي سلاح ذو حدين فإما أن تعطيك حب الناس، وإما أن تأخذ منك كل شيء، مضيفة أن مهنة المحاماة تعتبر رسالة سامية وشريكاً رئيسياً في تحقيق العدالة، فنحن أحد جناحي العدالة التي لا غنى عنها في تحقيق دولة العدل والقانون.
وأضافت: إن مهنة المحاماة لها أدوات، جزء منها في يد الدولة، والآخر في يد القاضي والمحامي، لذلك أستطيع أن أقول بثقة إن مهنة المحاماة هي رسالة تسمو وتعلو من عام إلى آخر بدولتنا بفضل استراتيجية صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله.
ووصفت شعورها حال نجاحها في تحقيق طلبات موكلها أمام المحكمة، بأنه شعور أكثر من رائع، وقالت: «أشعر عندها بأني عضو مهم ونافع في المجتمع، وسعادة كبيرة مستمدة من سعادة موكلي بما حققناه سوياً في القضية»، مشيرة إلى أنه كلما زادت المعوقات بالقضية، زاد الكفاح، فيصبح للسعادة طعم مختلف.
وحول المعوقات التي قد تواجهها المرأة الإماراتية، تقول المحامية عبير الدهماني: «لم أر ثمة معوقات تعترض ممارسة المرأة الإماراتية لمهنة المحاماة، بل أرى أن الإماراتية في كل يوم بدولتنا أفضل من ذي قبل»، مشيرة إلى أن المعوقات التي واجهتها على المستوى الشخصي تتمثل في التزاماتي الأسرية تجاه أسرتي والتوفيق بينها وبين واجباتي المهنية.
وأشارت إلى أن تفهم أسرتها لواجباتها المهنية ووقوفها إلى جانبها ساعدها من تجاوز تلك العقبات، مضيفة «إن المرأة الإماراتية قادرة على تخطي الصعوبات، لأنه لا توجد دولة تدعم المرأة مثل ما تفعله دولتنا، فكل سبل النجاح والتقدم متوفرة، وما علينا سوى العزم والإرادة والصبر حتى نصل إلى ما نريد، ولنا في ذلك مثلاً وقدوة في معالي أمل القبيسي رئيسة المجلس الوطني».
مهنة شاقة
وحول ترك عدد من النساء مهنة المحاماة والانصراف إلى وظائف أخرى، تقول الدهماني: إن هذا أمر وارد في أي مهنة، خاصة في مهنة المحاماة التي تتصف بأنها مهنة شاقة جداً وتحتاج مواصفات خاصة أهمها حب المهنة، والتجرد من الخوف أو الحرج، لذا نجد في بعض الدول من يقومون باختبار الطلاب نفسياً قبل القبول بكليات القانون.
نص دستوري
وشددت المحامية فايزة موسى على أهمية وعي المحامية أو المحامي في التعامل مع القضايا بالأمور المحيطة بالقضية كافة، ومنها الفهم السليم وتحديد النص القانوني الصحيح محل الواقعة، بالإضافة إلى صدق المشورة المقدمة للموكل، فليست العبرة بقيد الدعوى بغض النظر عن النتيجة، إنما العبرة دائماً هي بالحق والنص الدستوري أو القانوني الذي يحمي هذا الحق.
وترى أن أهم العوامل التي تساعد المحامية على تثبيت ركائزها هي القراءة ومجالسة القانونيين للتداول وتبادل الخبرات، والإطلاع المستمر على أحدث القوانين والأحكام العليا، والاستمرار في أخذ دورات تدريبية في كل ما يتعلق بالعمل القانوني والبشري، فضلاً عن فتح علاقات واسعة مع الزملاء المحامين داخل دول التعاون الخليجي وخارجها حتى تستطيع الغوص بحرفية في أعماق هذه المهنة الراقية والشاقة.
خدمات قانونية
وحول مستقبل المحامية الإماراتية، شددت المحامية فايزة موسى على أهمية تسخير أحدث وسائل العصر لتقديم أفضل الخدمات القانونية بجودة عالية وفي أقصر وقت ممكن، مشيرة إلى أن المرأة الإماراتية تمتلك كل الإمكانيات لكي تتميز في المجال القانوني.
ميزات
وتقول المحامية أسماء الزعابي إن مهنة المحاماة أكسبتها ميزات عدة، أهمها الثقة بالنفس والقدرة على مجابهة الصعاب والتحديات، مضيفة أن مهنة المحاماة تستلزم وقتاً وتفرغاً ومتابعة دورية، الأمر الذي من شأنه التأثير على حياتي العائلية، إلا أنني مع مرور الوقت استطعت التوفيق بين التزاماتي المهنية وحياتي الخاصة.
وعن بداياتها في العمل القانوني، تقول أسماء الزعابي: «كان هدفي من دراسة القانون، شغل إحدى الوظائف القانونية، وقد تم تعييني بالفعل في قسم الوكالات التجارية في إحدى الوزارات (وزارة الاقتصاد)، ومع مرور الوقت ارتأيت أن أتوسع في مجال العمل القانوني، وكانت مهنة المحاماة هي المهنة التي تحقق تطلعاتي، وتركت العمل الوظيفي واتجهت لمباشرة مهنة المحاماة، وقد وجدت فيها كل ما توقعته، وهي مهنة تعطي من يجتهد فيها بصدق وعدل، وتزيد من ثقافة وعلم من يمتهن هذه المهنة، وبالتالي أصبحت أمارس هذه المهنة عن قناعة تامة».
خشية
وأضافت أسماء الزعابي: «في بداية ممارسة المهنة كان هناك خشية خاصة لعلمي أنني أحمل أمانة وأموراً تتعلق بمصالح موكلي بل ومستقبله وسمعته، ومع مرور الوقت اكتسبت خبرات وثقة مع كل قضية أمثل فيها، لدرجة أنني أصبحت أشعر بالفخر حين أجد المحكمة والحضور يستمعون إلى مرافعتي وهو شعور يجعلني أكثر تمسكاً بالاستمرار في هذه المهنة».
وتشير إلى أنها واجهت في بداية عملها العديد من الأشخاص المؤيدين والمعارضين، وتقول «البعض لم يكن مرحباً بالفكرة ولا مؤمناً بقدرتي على تحمل مثل هذا النوع من المهن، إلا أن البعض الآخر كان مشجِّعاً ومتقبلاً للفكرة بشكل كبير»، لافتة إلى أن أصعب ما يعيق المحامية هو أن وقتها ليس ملكاً لها، وإنما هو ملك لغيرها.
جمعية الإمارات للمحامين.. تطوير لقدرات المهنة
أشار زايد الشامسي رئيس جمعية الإمارات للمحامين والقانونيين إلى أن الجمعية خصصت العديد من البرامج والورش، التي تستهدف من خلالها تطوير قدرات المحامين والمحاميات في الدولة، فضلاً عن طرح المواضيع القانونية ومناقشتها، وإيجاد الخطط لتطوير القدرات المهنية للمحاميات الخريجات الجدد، وذلك بالشراكة مع أهم بيوت الخبرة والمختصين على المستويين المحلي والخارجي.
ولفت إلى إن المحاماة مهنة مرتبطة بأهداف وحقوق كثيرة مثل بسط العدل في المجتمع ونصرة المظلوم والدفاع عن الحقوق الشرعية، وهو حق مقدس في كل الشرائع والقوانين الدولية.
ونوه زايد الشامسي إلى أن الجمعية قد تواجدت في العديد من المؤتمرات الخارجية، حيث قدمت خلالها أوراق عمل، استعرضت أهم الإنجازات التي حققتها المرأة الإماراتية، وآليات تمكينها عبر سن مجموعة من التشريعات والقوانين التي تدعم خطط تشجيع المرأة لدخول سوق العمل، مشيداً بدور العنصر النسائي في العمل القضائي والقانوني، وحرص الجهات المسؤولة في الدولة على الاستماع إلى آراء ومقترحات المحاميات، لتطوير العمل، وتقديم خدمات ترقى لأفضل الممارسات الدولية.
70 %
وأوضح أن الإحصائيات تشير إلى أن عدد النساء العاملات في عدد من الوزارات الاتحادية يصل إلى نسبة 70%، الأمر الذي يؤكد أن المرأة الإماراتية بفضل المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، وبدعم سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، أضحت صاحبة الأولوية في الخطط الاستراتيجية والتطويرية المستقبلية للدولة، لافتاً إلى أن الإنجازات التي حققتها المرأة، أوصلتها إلى أرفع المناصب السياسية والتنفيذية والتشريعية ومختلف مناصب القيادة العليا التي تتصل بوضع الاستراتيجيات واتخاذ القرار.
دعم
من جانب آخر أسهم الدعم الذي تحظى به المرأة الإماراتية في القطاع العدلي في صدور قرار بتعيين المستشارة عالية محمد سعيد الكعبي مديراً لنيابة الأسرة في إمارة أبوظبي، لتكون بذلك أول إماراتية تعتلي منصة مدير نيابة على مستوى دولة الإمارات العربية المتحدة.
نجاح
أكدت عالية الكعبي أن إلحاق العنصر النسائي بالعمل القضائي أمر مهم جداً نظراً لتعدد نوعية القضايا، مشيدة في الوقت نفسه باهتمام دائرة القضاء، وحرصها على إشراك المرأة في المجتمع، وتوفير كل المتطلبات اللازمة لنجاحها مشيرة إلى أن ابنة الإمارات أثبتت مكانتها العلمية والعملية من خلال تصدرها المناصب المناطة بها.