الطفلة ماسا وشقيقتها التوأم ووالدتها

تعرضت مدينة دوما السورية إلى هجوم بالأسلحة الكيماوية بزعم أن القوات السورية شنته على المدنيين، ونتيجة لذلك شنت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا هجومًا على أهداف سورية يعتقد أنها تطور وتنتج هذه الأسلحة الفتاكة، ولكن وسط هذا الصراع يعاني المدنيين السوريين من آثار هذا الغاز القاتل، وهنا قصة إحدى السيدات وبناتها بعد تعرضهن للغاز:

شاهدت الطفلة السورية ماسا، 7 سنوات، والدها يحفر في كيس من الملابس القديمة خارج خيمته وأخرج قميصها الأرجواني اللون من القاع وطلب منها أن تشمه، ثم سألها ما هي رائحته، وكانت رائحته مثل حمام السباحة الذي تفوح منه رائحة الكلور، وذلك بسبب هجوم الأسلحة الكيميائية في ليلة السبت، حيث مزاعم شن النظام السوري الهجوم على مدينة دوما بالقرب من دمشق.

ودفع الهجوم الكيميائي بريطانيا إلى شن هجمات مستهدفة على سورية، إلى جانب فرنسا والولايات المتحدة، وفي وقت مبكر من صباح السبت، ضربت غاراتهم الجوية أهداف التخزين والبحث والأهداف العسكرية السورية، وعندما طارت الصواريخ، انتظر 3000 ناج من الهجوم الكيميائية في مخيم في شمال سورية، يائسين رغبة في الاستماع إلى قصتهم، وما زال الكثيرون مريضين بسبب الهجوم، فمنهم الشاحب ومن أصابهم السعال وأيضًا من مات.

اختبأ السوريون تحت الأرض لحماية أنفسهم
وكانت صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية هي أول مؤسسة إعلامية غربية تلتقي بالطفلة ماسا،  والتي قدمت جميع الشهادات المؤيدة التي تشير إلى هجوم بسلاح كيميائي، وكانت ماسا ترتدي قميصها الأرجواني في حوالي الساعة السادسة مساء السبت الماضي، وكانت عائلتها تختبئ في قبو في دوما مع 75 فردًا من جيرانها، بينما كانوا يختبئون خشية البراميل المتفجرة التي أطلقتها القوات السورية .

وقالت أم ماسا "كانت القنابل قوية حقًا في تلك الليلة، لقد كانت عالية جدًا، وكان هناك غبار في كل مكان، ثم حل الهدوء، وبعدها سمعنا صوت انفجارين، وتطوع اثنان من الشباب في الطابق السفلي للذهاب ورؤية ما كان يحدث، بعد ثوان، جاءوا وقالوا غاز! الغاز!، صرخوا ليخرج الجميع خارجًا!".

وعرف الناس في الطابق السفلي ما الذي سيفعله الغاز، إذ في عام 2013، أدى هجوم نسبته الأمم المتحدة إلى صواريخ تحتوي على عامل أعصاب السارين إلى مقتل 1400 شخص على الأقل في الغوطة.

ما حدث بعد استنشاق الغاز السام
ولم تتردد أماني، والدة ماسا، وأمسكت بها وركضت نحو الدرج، ولكن زوجها ضياء المريض بالسكري لم يتمكن من حمل شقيقة ماسا التوأم حتى أخذها شقيقها، ومع صعود أماني، رأت الغاز والأتربة البيضاء يتدفقان فوقها، وسكبت الماء فوق فم ماسا، قالت "كان الغاز حارًا، حار في حلقي مثل الفلفل الحار، كنت أسعل وأتقيأ، لا أحد يستطيع التنفس،  ومن حولي، كان الناس يسقطون على الأرض ".

وانهارت أماني لفترة قصيرة فاقدة الوعي، وكانت ماسا بجانبها، وهي ترغف في زوايا فمها، وقالت أماني "توقف جسمي كله، وعندما كنت أصعد الدرج شعرت أنني فقدت قوتي، لم أستطع السيطرة على جسدي، كنت فقط أهتز طوال الوقت، ولم يكن هناك أكسجين ".

ولم تتمكن أماني من رؤية ابنتها الأخرى وزوجها، ولكن وجدتهم في الطابق الثاني، وسقطا بعد استنشاق الغاز، ولكنهم كانا في وعيهم، كان المكان مظلم، والغبار الأبيض الخانق في كل مكان، وكان حطام القنابل لا يزال في الخارج.

جثث بالخارج وتحذيرات للجيران وعيادة مزدحمة
وفي الخارج، كان جيرانهم يتجولون، وبعضهم يبكي على أقاربه المتشنجين على الأرض، والرغوة بيضاء تتساقط حول شفاههم، وآخرون كانوا يرمون الماء على من لا يزالون واعين، فالماء هو الوسيلة الوحيدة لمساعدتهم.

واتصلت أماني بالجيران والأصدقاء لتحذريهم من الهجوم بالغاز، لكن بالنسبة للكثيرين، كان الأوان قد فات، وقالت"هناك ثلاثة أقبية في شارعنا، ومات ثلاثة أشخاص في قبونا، لأنه تم تحذيرنا، لكن الطابق السفلي المجاور لم يسمع التحذير، لقد ماتوا جميعًا في مكانهم".

وصلت أماني وعائلتها إلى العيادة، وتم وضع الأشخاص الأكثر تضررًا على أجهزة التنفس، وتم إعطاء أطفالها الحقن، كما أنهم كانتا تتنفسان بصعوبة، وقالت" رأيت الطبيبة وبدأت في البكاء لأن لديها 40 مريضًا يحتاجون إلى أدوية، لكن كان لديها فقط دواء لثلاثة أطفال".

وذكر جميع الناجين من دوما الذين قابلتهم صحيفة "صنداي تايمز" نفس الأعراض، والتي استمرت في بعض الحالات لعدة أيام، الشعور بفقدان السيطرة في أطرافهم، والرغوة البيضاء في الفم، والسعال، والتقيؤ، والصداع الشديد، ويقول الأخصائيون الطبيون إن هذه الأعراض تتوافق مع التعرض لغاز الأعصاب.

خلط الكلور بعامل الأعصاب
ويُعتقد أن قنابل الغاز قد أصابت موقعين منفصلين على الأقل في دوما، وهي إحدى ضواحي مدينة الغوطة الشرقية في دمشق، والتي كانت محاصرة منذ أربع سنوات ونصف.

ووصف ثلاثة من الشهود غير المرتبطين بالهجوم بالقرب من ساحة الشهداء، حيث كانت تعيش عائلة أماني، وجود غاز أصفر يشم له رائحة قوية من الكلور تتسرب إلى الأسفل قبل أن يتبدد في الضباب الدخاني الأبيض والغبار، وشعر الجميع بحرقان حاد في الحلق وفقدان السيطرة على أجسادهم، وقال أحدهم إن الغاز يفتت مثل بطاريات السيارات.

وقال هاميش دي بريتون غوردون، ضابط سابق بالجيش البريطاني، خبير في الأسلحة الكيماوية ومستشار للمنظمات غير الحكومية في سورية إن ما يصفونه هو الكلور وما نعتقد أنه عامل أعصاب ممزوج بالكلور، إن استخدام كل من غاز الأعصاب والكلور ضد المدنيين محظور بموجب القانون الدولي".

وهذا هو أيضًا استنتاج إبراهيم ريحاني، أحد المتطوعين في الدفاع المدني في الخوذ البيضاء، الذي تعرض لهجوم السارين عام 2013 على الغوطة، وقال ما كان يحدث عندما حاول إنقاذ الضحايا السبت، موضحًا "لم أستطع الاقتراب، لم أستطع مساعدة أي شخص لأن الغاز كان قويًا للغاية، كان تأثير الغاز مثل السارين مختلطة مع الكلور، كان نفس هجوم 2013، وإذا كان الكلور فقط، فإذا شممته يمكنك الهروب، لكن السارين إذا تنفسه يقتلك ".

وبحلول صباح اليوم التالي، انحسر الغاز، وأخذ أقنعة الغاز، دخل هو وفريقه إلى الطوابق السفلية، وكانت مكتظة بالناس الذين كانوا يختبئون من القنابل، كل الأطفال ماتوا، نساء ورجال، وعليهم أعراض رغوة الفم.

وقال ريحاني "كان هناك العديد ممن ماتوا على الدرج، لو كان الكلور، كان بإمكانهم الفرار، لكنهم ماتوا بعد اتخاذهم خطوات قليلة "، وبعض الجثث كانت بها حروق خضراء اللون في عيونهم.

إخلاء المدنيين من المنطقة
وبحلول منتصف الصباح من اليوم التالي للهجوم، بدأت عملية الإخلاء، وتجمعت الحشود في الضاحية المدمرة للحافلات التي كانت ستنقلهم بعيدًا عن المنازل التي تشبثوا بها لفترة طويلة، وقد تم نقلهم إلى معسكر في شمال سورية تديره سلطة إدارة الكوارث والطوارئ التابعة للدولة التركية، وهي صفوف من الخيام البيضاء البدائية تضم عائلات فقدت كل شيء، وما زال الكثيرون مرضى، بينما يعاني آخرون من التلوث المستمر.

ونقُلت أماني التي تعاني من السعال إلى المستشفى الخميس وتعاني من آثار التعرض للغاز، وقالت "من ماتوا هم أناس أبرياء"، لقد كانوا أصدقائنا، وأصبحوا أرقامًا في تعداد الموتى