دبي ـ منى المصري
تشكل الأمراض غير المعدية معضلة حقيقية لبلدان العالم، وتحدياً كبيراً لمختلف قطاعات الصحة العالمية، في وقت شهدت أعداد المصابين بهذه الأمراض خلال العقود الماضية ارتفاعاً ملحوظاً، ويعزى انتشار هذه الأمراض إلى العديد من العوامل، لعل أبرزها التغير في العادات الغذائية وقلة النشاط الجسماني، لاسيما في مجتمعات المدن، والعوامل الوراثية، والبيئة الملوثة أو غير النظيفة، ووفقاً لتعريف "مراكز الوقاية من الأمراض ومكافحتها" الأمريكية، فإن الأمراض غير المعدية أو الأمراض غير السارية، تعرف بأنها مجموعة من الأمراض التي لا تنتقل بالعدوى من شخص لآخر، وتأخذ عادة إصابة الشخص بها وتطورها فترة طويلة ضمن عملية بطيئة نسبياً، وتشمل الأمراض غير المعدية 7 مجموعات رئيسة، هي: أمراض القلب والأوردة، مثل السكتات القلبية والدماغية وارتفاع ضغط الدم، والسرطان بأنواعه، وأمراض الجهاز التنفسي المزمنة، وأمراض الكلى، والتصلب المتعدد، وأمراض الكبد، والسكري.
وبالنظر إلى أن علاج الأمراض غير المعدية يمتد على مدى حياة المريض، فإنها تعد الأكثر استنزافاً للموارد المالية المخصصة لقطاع الصحة في الدول والحكومات، وتستدعي مواجهة هذه النوعية من الأمراض تضافراً للجهود الدولية، وتعزيز الدعم الموجه لمراكز الدراسات ومعاهد البحوث للتعرف إلى مسبباتها، وبالتالي تحديد أفضل الطرق للقضاء عليها، وعلى مدار الأعوام الماضية، اعتبرت دولة الإمارات العربية المتحدة، من الدول الرائدة في العالم بدعم جهود مكافحة الأمراض غير المعدية، إذ قدمت مئات الملايين من الدولارات لصالح بناء مراكز ومعاهد بحثية ودعمها مادياً، لمواجهة أمراض مثل السرطان والتهابات المفاصل، وأطقلت العديد من المبادرات التي هدفت إلى تعزيز أنماط الحياة الصحية والتشجيع على ممارسة الرياضة، في سبيل محاربة البدانة والسكري وأمراض ضغط الدم، وفي سياق ما تقدمه دولة الإمارات من مساهمات عظيمة لمكافحة هذه الأمراض، تتجلى الجهود الكبيرة لقرينة حاكم الشارقة، الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، الرئيس المؤسس لجمعية أصدقاء مرضى السرطان، سفيرة الاتحاد الدولي لمكافحة السرطان للإعلان العالمي للسرطان، سفيرة الاتحاد الدولي لمكافحة السرطان لسرطانات الأطفال، لتؤكد من خلال العديد من المبادرات أن محاربة الأمراض غير المعدية والقضاء عليها التزام صريح لا يقبل التهاون.
ومن السرطان، الذي تستأثر مكافحته باهتمام بالغ منها، إلى باقي الأمراض؛ تتنوع جهود الشيخة جواهر بن محمد القاسمي، بين دعم مادي مباشر لتكاليف العلاج، وتوفير المعدات والأجهزة الطبية، ودعم المراكز الطبية ومعاهد البحوث لتمويل الأبحاث الرامية إلى تأمين علاجات فاعلة للأمراض غير المعدية، واستضافة الخبراء وتنظيم المؤتمرات والمنتديات الدولية وإطلاق المبادرات تحت رعايتها الكريمة.
وتتنوع جهود الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي الهادفة إلى مكافحة الأمراض غير المعدية، وعلى رأسها السرطان، بشكل كبير، فحيثما التفتنا وجدنا عطاءً ماثلاً للعيان، لاسيما عندما يتعلق الأمر بمساعدة الأطفال المصابين بالسرطان حول العالم، حيث زارت في عام 2013، مستشفى الأطفال للسرطان في لبنان، التابع لمستشفى سانت جود لبحوث الأطفال بالولايات المتحدة، وقدمت مكتبة تضم العديد من كتب الأطفال هدية للمستشفى، وإضافة إلى ذلك، تعمل من خلال جمعية أصدقاء مرضى السرطان التي أسستها في الشارقة عام 1999 على ربط برنامج سرطانات الأطفال التابع للاتحاد الدولي لمكافحة السرطان مع مبادرات لتحسين المستوى الصحي والتعليمي والمعيشي للأطفال في فلسطين تحت قيادة مؤسسة القلب الكبير، وفي أبريل 2014، شاركت في فعاليات "المؤتمر الأفريقي الحادي عشر للجمعية الدولية لمكافحة أورام الأطفال" الذي أقيم بالعاصمة التنزانية دار السلام بالتعاون مع الاتحاد الدولي لمكافحة السرطان، والاتحاد الدولي لرابطة أطباء سرطانات الأطفال، ودعت خلال مشاركتها إلى ضرورة أن تكون الاستراتيجيات الوطنية لمواجهة سرطانات الأطفال جزءاً أساسياً من جميع البرامج الوطنية لمكافحة السرطان والأمراض غير المعدية في مختلف دول العالم، ولا سيما في الدول الفقيرة والمتوسطة الدخل، وفي سبتمبر من العام نفسه، زارت قسم الأطفال بمستشفى "نيويورك برسبيتريان" للسرطان بنيويورك، التابع للمركز الطبي بجامعة كولومبيا، وأطلقت خلالها مبادرة عالمية للأطفال المصابين بالسرطان تحت اسم "حقيبة الأبطال"، وتضمنت كتباً وهدايا متنوعة، بهدف إدخال المرح إلى قلوب الأطفال المرضى والتخفيف من معاناتهم.
وفي يونيو من عام 2016، أعلنت إدارة مستشفى سرطان الأطفال "57357" في العاصمة المصرية القاهرة، أحد أكبر المستشفيات المتخصصة في علاج سرطان الأطفال بأنواعه المختلفة في المنطقة العربية، والذي يقدم خدماته مجاناً لجميع الأطفال المصابين بالسرطان، تفعيل نظام أرشفة الصور والاتصالات (PACS)، الذي تتم من خلاله عملية ﺘﺨﺰﻳﻦ ﻭﺗﻮﺯﻳﻊ ﻭﻋﺮﺽ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﺍﻟﻄﺒﻴﺔ، مثل ﺼﻮﺭﺍﻷﺷﻌﺔ وغيرها، والذي تبرعت الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي بتمويله، مشيدة بالدعم الكبير الذي تقدمه للمستشفى، والذي أسهم بشكل ملحوظ في تطوير منظومة العمل داخله، وكان المستشفى افتتح في مايو 2015 قسماً خاصاً يحمل اسم الشيخة جواهر القاسمي، تقديراً للدعم المادي الذي قدمته لعلاج الأطفال المصابين بالسرطان هناك، وتحمل لافتة القسم اسم قرينة حاكم الشارقة، ومقولتها لأطفال السرطان "أنت بطل قصتك، وستبقى دائماً في قلبي يا شجاع".
وأكدت في حينه أن كل شخص في هذا العالم عليه مسؤولية أخلاقية وإنسانية تجاه مرضى السرطان، وأن العالم أجمع بمختلف فئاته وشرائحه مطالب بإلتزام إنساني جاد ومتواصل لتخفيف معاناة وآلام الأطفال المصابين بالسرطان، مثمنة التجربة الرائدة لمستشفى سرطان الأطفال "57357" في تفعيل الدور المجتمعي المصري والعربي لدعم مرضى السرطان، والاستراتيجية المتبعة من قبل إدارة المستشفى للاستفادة من كل الإمكانات المتاحة لحماية أرواح الأطفال والتخفيف من معاناتهم، وكانت الشيخة جواهر قدمت إلى المستشفى 10 ملايين جنيه في العام 2015، ما مكن إدارته من إدخال نظام أرشفة الصور والاتصالات (PACS)، والذي وصل عدد المستفيدين منه خلال 40 يوم من توفيره 45 ألفاً و728 مريضاً".
وبعد مضي شهرين على تفعيل نظام (باكس) في مستشفى "57357" في القاهرة، بادرت الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي إلى توجيه دعوة عامة من العاصمة البريطانية لندن، للاستثمار في الدراسات والبحوث الطبية المتعلقة بالسرطان والأمراض غير المعدية، من خلال توفير الدعم المادي اللازم للمؤسسات البحثية والعلمية، وتطوير وتدريب الكوادر البشرية للانتقال نحو حقبة جديدة في علاج تلك الأمراض، وأكدت أن الأمراض غير المعدية وعلى رأسها السرطان بمختلف أنواعه تحدياً كبيراً أمام المجتمعات والحكومات على حد سواء في جميع أنحاء العالم، ما يحتم ضرورة تمويل البحوث التي تقوم بها المؤسسات والمراكز العلمية والبحثية للوقاية من هذه الأمراض ومكافحتها، وهذا التمويل يمكن أن يكون بالاستثمار أو بالدعم المادي والبشري، لأن الحد من هذه الأمراض التي تهدد حياة الناس سيكون لها مردود اقتصادي ومنافع إنسانية كبيرة تفوق المبالغ المستثمرة أو المقدمة على شكل هبات وتبرعات لهذه الجهود البحثية، مشددة على أن عملية دعم الدراسات العلمية البحثية هي مسؤولية دولية مشتركة، وتحتاج إلى إرادة حقيقية وعمل متواصل، فعبء الأمراض غير المعدية كبير وخطير، ومخاطره تنعكس على المجالات الصحية والاجتماعية والاقتصادية، وعلينا أن نعمل سوياً لتعزيز سبل مواجهة هذا التحدي، وفي أبريل من العام الجاري، كانت دولة الإمارات مع موعد آخر للعطاء، وبذل الجهود الرامية إلى مكافحة الأمراض غير المعدية، وعلى رأسها السرطان، فقد افتتح الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وقرينته، الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، في العاصمة البريطانية لندن، "مختبر الشارقة" في معهد "فرانسيس كريك" الطبي، الأكبر على مستوى الأبحاث الطبية الحيوية في أوروبا، والأهم من نوعه في العالم.
ويسهم "مختبر الشارقة" في إجراء الأبحاث والدراسات المرتبطة بمرض السرطان بصورة عامة، وبمرض سرطان الرئة على وجه التحديد، من أجل الاستفادة منها في إنتاج علاج ناجع وفاعل لهذا المرض، ويشكل "مختبر الشارقة" أحد ثمار جهود قرينة حاكم الشارقة في دعم البرامج والمبادرات والخطط العاملة على رفع مستوى العلاج من الأمراض غير المعدية، وتحديداً مرض السرطان، إذ تبرعت بمبلغ 500 ألف جنيه إسترليني للجمعية البريطانية لأبحاث السرطان في لندن، بهدف الاستثمار في الدراسات والبحوث الطبية المتعلقة بالسرطان والأمراض غير المعدية، وتطوير وتدريب الكوادر البشرية للانتقال نحو مرحلة جديدة في علاج تلك الأمراض والحد من انتشارها، وأكدت الشيخة جواهر القاسمي، على هامش افتتاح المختبر، أن الاستثمار في علاج الأمراض، ودعم بحوثها ودراستها، لا يعد دعماً للقطاع الطبي والصحي وحسب، وإنما هو استثمار في طاقات الأجيال الجديدة وتدعيم لإمكانات المستقبل، فالإنسان وصحته، هما حجر الأساس لبناء أي حضارة، ونهوض أي دولة أو أمة، الأمر الذي يفسر تسابق الكثير من بلدان العالم على دعم البحوث العلمية، واكتشاف الأدوية والعلاجات.
وأوضحت أن العمل على مواجهة الأمراض غير المعديّة يتطلب حراكاً فاعلاً على مستويات عدة، منها ما هو مرتبط بمجال الأبحاث، ومنها ما يرتبط بالمؤتمرات التي تناقش سبل الحد من انتشار هذه الأمراض، ورفع مستوى الوعي المجتمعي بها، لافتة إلى جهود الشارقة في هذا الجانب، بقولها إن ما تقوم به الشارقة على صعيد مكافحة الأمراض غير المعدية يعد نموذجاً رائداً، حيث أطلقت "وثيقة الشارقة" للأمراض غير المعدية باعتماد 230 خبيراً ومختصاً عالمياً، وستستضيف الإمارة الدورة الثانية من المنتدى العالمي لتحالف منظمات الأمراض غير المعدية خلال الفترة ما بين 9 - 11 ديسمبر 2017، وكانت الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي أطلقت في نوفمبر 2015 "وثيقة الشارقة" للأمراض غير المعدية، التي تم اعتمادها من أكثر من 230 خبير ومختص ومسؤول عالمي مشارك في المنتدى العالمي الأول لتحالف منظمات الأمراض غير المعدية، الذي استضافته الشارقة وأقيم تحت شعار "المناصرة والمسؤولية تجاه الأمراض غير المعدية في عصر ما بعد عام 2015".
وتضمنت الوثيقة أهم التوصيات التي خرج بها المنتدى، والتي سيتم تطبيقها للوصول إلى جدول أعمال 2030 للتنمية المستدامة، وأفادت في حينه بأن ما تقوم به من جهود تجاه مكافحة الأمراض غير المعدية حول العالم هو واجب والتزام إنساني لمساعدة الخبراء والمختصين، على إحداث فرق واضح في جهود مكافحة الأمراض غير المعدية في العالم، وتحديداً في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، ولك تنته سلسلة العطاء الذي قدمته الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، عند هذا الحد، ففي مسعى منها إلى مواصلة هذه الجهود المباركة، تستضيف إمارة الشارقة خلال الفترة من 9 إلى 11 ديسمبر 2017، تحت رعاية كريمة منها، "المنتدى العالمي لتحالف منظمات الأمراض غير المعدية"، في دورته الثانية، للوقوف على حجم التقدم في مجال مكافحة الأمراض غير المعدية، وسبل تطوير استراتيجيات أكثر تأثيراً للوقاية من هذه الأمراض، التي تودي بحياة 40 مليون شخص سنوياً، وكانت الإمارة استضافت الدورة الأولى من المنتدى في نوفمبر 2015، بصفته أول منتدى عالمي للأمراض غير المعدية، والذي أقيم بالتعاون بين تحالف منظمات الأمراض غير المعدية، وجمعية أصدقاء مرضى السرطان، التي ترأستها، بعد نحو عام من اختيار التحالف لها راعيةً فخريةً لمنتدى تحالف منظمات الأمراض غير المعدية، تقديراً لجهودها في مكافحة مرض السرطان والأمراض غير المعدية على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية.
ويهدف المنتدى الذي يشارك فيه عدد من أهم المنظمات والهيئات المعنية بالأمراض غير المعدية حول العالم، ومجموعة كبيرة من الخبراء والمختصّين بهذا الشأن، إلى حشد المزيد من الاهتمام والموارد لدعم الجهود الدولية الرامية إلى مكافحة الأمراض غير المعدية، وتحديداً في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، كما يسعى إلى إدراج قضية هذه الأمراض على جدول الأجندة العالمية، وخلال رحلة عملها الطويلة والحافلة بالإنجازات، تمكنت جمعية أصدقاء مرضى السرطان، بتوجيهات قرينة حاكم الشارقة، الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، الرئيس المؤسس لجمعية أصدقاء مرضى السرطان، سفيرة الاتحاد الدولي لمكافحة السرطان للإعلان العالمي للسرطان، سفيرة الاتحاد الدولي لمكافحة السرطان لسرطانات الأطفال، من تقديم الدعم المادي والمعنوي لأكثر من 4000 مريضاً ومريضة وأسرهم من مختلف أنحاء دولة الإمارات، وذلك بالاعتماد على ريع حملات التبرع التي تنظمها الجمعية على مدار العام، وتشهد تفاعلاً كبيراً من قبل أطياف المجتمع كافة، ومن خلال مبادرة القافلة الوردية، التي أطلقتها الجمعية في العام 2010، استطاعت الجمعية رفع مستوى الوعي بأهمية الكشف المبكر عن مرض سرطان الثدي وتصحيح المفاهيم المغلوطة حول المرض، واستطاعت القافلة الوردية مع نهاية عامها السابع (مارس 2017) تقديم الفحوصات المجانية إلى أكثر من 48.8 ألف رجل وامرأة من مختلف الجنسيات والفئات العمرية في الدولة.