واشنطن - اليمن اليوم
لعبت روسوتي "الحانة الشهيرة" أدوارًا كثيرة على مر السنين، فقد كانت بمثابة استراحة هادئة وصاخبة معًا، وملتقى لنادي سائقي الدراجات النارية "هيلز أنغليس", تغير اسمها اليوم إلى "ألباين إن بير غاردن" لكنها ما زالت تتميز بتنوع زوارها, فإذا ألقيت نظرة سريعة على الفناء الخلفي للحانة، ستجد سائقي الدارجات الهوائية بملابسهم المطاطية والجلدية السوداء والحمراء، وستجد رجلًا منكوش الشعر يكتب على دفتر ملون، من المحتمل أن يكون بروفسورًا أو مجنونًا. أما المواقف، فتجد فيها دراجة هارلي، وسيارة مازاراتي صفراء، وحصانًا.
وتكون هذه الحانة الغريبة الأطوار، أرضًا خصبة للاختراعات الكبيرة، إلا أن فريقًا صغيرًا من العلماء اجتمع فيها في أغسطس /آب قبل أربعين عامًا، وشكل محطة حاسوب طرفية "Computer Terminal" على إحدى طاولاتها، وأجرى تجربة استثنائية، تعرف اليوم بالإنترنت.
- فهل فكرت يومًا بقصة بداية الإنترنت ومن كان وراء هذا الاختراع الضخم؟
ظهرت شبكة الإنترنت نتيجة لمشروع "أربانت" الذي انطلق عام 1969، حيث أقامت وزارة الدفاع الأميركية شبكة اتصالات تربط بين عدد من مراكز التحليل والأقمار الصناعية، أطلقت عليه اسم "أربانت", ومن ثم ربطت هذه الشبكات الكثير من الجامعات ومؤسسات الأبحاث، بهدف استغلال أمثل للقدرات الحسابية للحواسيب المتوفرة.
تم توسيع الوصول إلى "أربانت" عام 1981 عندما قامت مؤسسة العلوم الوطنية "NSF" بتمويل شبكة علوم الحاسب الآلي "CSNET", وفي عام 1982، تم إدخال مجموعة بروتوكول الإنترنت "TCP-IP" كبروتوكول الشبكات القياسية على "أربانت", كما ومولت المؤسسة الوطنية المراكز الوطنية للحوسبة الفائقة في عدة جامعات ووفرت الترابط مع مشروع نسفنيت، الذي أنشأ أيضًا إمكانية الوصول الشبكي إلى مواقع الحواسيب الفائقة في الولايات المتحدة من منظمات البحث والتعليم.
وبدأ مزودو خدمات الإنترنت التجارية في الظهور في أواخر الثمانينات, واختفت شبكة "أربانت" عام 1990، لتظهر شبكة اتصالات خاصة ومحدودة مع أجزاء من شبكة الإنترنت من قبل كيانات تجارية رسمية في عدة مدن أميركية.
-السير تيم
السير تيم بيرنرز لي، الشخصية الأبرز التي يعود لها الفضل لكل ما نستخدمه اليوم من شبكات إلكترونية، فلولاه لما وصلنا إلى هذه المرحلة من التطور الإلكتروني والرقمي, فاللعبة الإلكترونية بدأت عنده ومعه.
وتخرّجَ السير تيم مِن جامعة أكسفورد مِن مدينة إنغلترا فِي بريطانيا عام 1976، عَمِلَ لِمدّة سنتين فِي شركة بليسي للاتصالاتِ السلكيّة واللاسلكيّة، وهي الشركة المُصَنّعة لأجهزة التيليكوم فِي بريطانيا, كما عَمِلَ فِي قسمِ نظام التبادل التجاري والرسائل الإلكترونيّة المشفّرة, ما بين 1981 – 1984، كان السير تيم المُديرُ والمُؤسّس لِشَركَة "Image Computer Systems Lt".
وانضم إلى مُختبر علومِ الكومبيوتر فِي معهد ماساشوسيتس وأصبحَ المدير لِمنظّمة "و3سي" فِي جَميعِ أنحاءِ العالم, صحيح أن للسير تيم الفضل الأبرز لوجود هذا الاختراع الذي غير وجه التاريخ، إلا أن تطور هذه الشبكة واستمراريتها حصل عبر عقود من التخطيط والانتقال من أفكار ورؤى إلى تطبيق عملي وهندسي منظم.
- نقطة التحول
بقيت استخدامات الإنترنت محصورة في الجامعات والمراكز العلمية حتى عام 1991، حيث حصلت أهم نقاط تحول الإنترنت. أخذت الشبكة في التوسع والتقدم وأخذ طلبة الجامعات يسهمون بمعلوماتهم إلى أن رأى النور متصفح عرف بالـ"موزاييك"، وبدء معه مشوار توسع الشبكات حول العالم.
ومع بداية عام 1994، لوحظ تزايد كبير في اهتمام الجمهور بالإنترنت، وبحلول عام 1996 أصبح استخدام كلمة الشبكة شائعًا، وبالتالي انتشرت هذه التكنولوجيا لتصل إلى ما هي عليه الآن, فأصبحنا نسمع بما يسمى "إنترنت الأشياء" ووسائل التواصل الاجتماعي، واختراعات كثيرة أخرى أتت من رحم "الشبكة العنكبوتية الأم".
ويروي لنا مهندس الشبكات والاتصالات، جادالله خير، قصة شائعة لكن خاطئة بشأن بدايات الإنترنت: "يقولون إن الإنترنت طور على يد الولايات المتحدة الأميركية لكي يصبح لديهم شبكة تواصل تستطيع حمايتهم من حرب نووية, ولكن، هدفت أول تجربة لشبكة عنكبوتية، في الحقيقة، إلى تحسين استخدام المعالج، أو وقت المشاركة، مما يعني أن العلماء يستطيعون مشاركة طاقة الحاسوب".
وأضاف خير "حتى الستينات من القرن الماضي لم يكن هنالك أي شبكة، كان لدينا ماكينات كبيرة تدعى "ماينفريمز"، وبقيت في غرف كبيرة، واستطاعت معالجة كل العمليات الحاسوبية، لكن بطريقة منفصلة ولم تكن هذه الماكينات متنقلة, حاول العلماء حول العالم حل هذه المشكلة، وبدأوا بما يعرف بـ"تحويل حزم البيانات"، وهي طريقة لتجنب الازدحام في الشبكات المشغولة بحيث تقطع البيانات عند طرف وتوصلها إلى طرف آخر".
وتابع خير "كانت مسألة ربط الشبكات الفيزيائية المنفصلة لتشكيل شبكة منطقية واحدة هي الأولى من الكثير من المشاكل في الـ1960، ولحل هذه العقدة، وضع ليونارد كلينروك نظرية رياضية تدعى "تبديل الزم" أو تحويل البيانات، ما يوفر أوقاتًا أفضل للاستفادة من عرض النطاق الترددي والاستجابة له من تكنولوجيا تبديل الدارات التقليدية المستخدمة في الاتصالات الهاتفية، ولا سيما في وصلات التوصيل البيني المحدودة الموارد".
ولم ينغمس خير في تفاصيل علمية أكثر، رغم تأكيده لنا أن عملية اختراع الإنترنت تحتاج إلى أعوام من دراسة المفاهيم المعقدة، وقال "إن الشبكة العنكبوتية حياة منفصلة عن الحياة، هي لا شيء وكل شيء في آن معًا, فلولا الإنترنت، ما كنت لتجلس في بيتك وتقرأ هذا المقال ولما قامت الكثير من الشركات الكبرى اليوم على أسس العالم الرقمي والافتراضي".
ويعرف تيم بيرنرز لي بالشخص العملي الذي لا يضيع أية فرصة للاستفادة من وقته, ومن المعروف أن للإنترنت، كغيرها من التقنيات التكنولوجية، الكثير من المساوئ والجوانب السلبية، بخاصة فيما يتعلق بمسألة إضاعة الوقت، والعيش في عالم منفصل عن العالم الحسي والمعنوي الخاص بالبشر, ولكن، كما يقول السير تيم: "لا يمكننا لوم التكنولوجيا حينما نرتكب نحن الأخطاء".